يرى الخبراء أن عمليات طرد الدبلوماسيين المتبادلة سيكون أثرها السلبي أشد وقعا على أجهزة الاستخبارات الغربية العاملة فى روسيا وأقل وطأة بالنسبة لعناصر الاستخبارات الروسية العاملين في الغرب. ويحذر الخبراء من المغالاة فى تقدير أثر عمليات الطرد الدبلوماسى المتبادلة بين روسيا والغرب التى شهدتها الايام القليلة الماضية وهى الضربات التى بدأت بقرار الحكومة البريطانية بطرد 23 دبلوماسيا روسيا من أراضيها بزعم أنهم ضباط مخابرات يعملون بغطاء دبلوماسى وهو ما تبعه طرد موسكو فى السابع والعشرين من مارس الجاري لعدد مماثل من الدبلوماسيين البريطانيين من أراضيها. فنظرا للطبيعة المنفتحة التى لدى الدول الغربية مقارنة بروسيا سيتكون سهلا على الاستخبارات الروسية جمع المعلومات الاستخبارية بقليل من المقاومة، أما فى روسيا فالأمر لن يكون كذلك بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الغربية حيث سيكون نشاط رجال الاستخبارات الغربيين لدى موسكو دونما غطاء دبلوماسى محفوف بشتى أنواع المخاطر. وتؤكد دورية "انتلجنس أون لاين" المتخصصة فى الشأن المخابراتى والتى تصدر فى واشنطن أن عدد رجال المخابرات الروس المستترين بالغطاء الدبلوماسى فى سفارات روسيا لدى الغرب يفوق بكثير عدد رجال المخابرات الغربيين المستترين بغطاء الدبلوماسية لدى روسيا، وهو ما سيقود حتما إلى تفكك كبير فى شبكات الاستخبارات الروسية ومحطاته لدى الغرب لكن التفكك الأكبر سيكون من نصيب شبكات التخابر الغربية لدى روسيا بما يضعف قدرها على الحركة لا سيما بعد قرار موسكو بإغلاق عدد من القنصليات الغربية فى أراضيها والتي كان آخرها إغلاق قنصلية الولاياتالمتحدة فى سانبتسبيرج. وتؤكد التحليلات الغربية أن رجال الخدمة السرية في المخابرات الروسية لا يعتمدون فقط على الغطاء الدبلوماسى في عملهم بل تتعدد أغطية عملهم في البلدان الغربية التى يعملون فيها. وتؤكد عملية استهداف سيرجي سكريبال فى الرابع من مارس الجارى تلك الحقيقة حيث كانت حسب وصف المحللين البريطانيين "عملية معقدة" وعلى قدر كبير من الدقة فى التنفيذ و تستند إلى شبهة تورط أي من الدبلوماسيين الروس في بريطانيا في مجرياتها أو تقديم الدعم لمنفذيها الأمر الذي يؤكد أن للاستخبارات الروسية أذرعا أخرى غير الأذرع الدبلوماسية فى العمل الاستخبارى و أن طرد الدبلوماسيين الروس لن يفيد كثيرا فى الحد من هذا النوع من العمليات السرية إذا قررت الاستخبارات الروسية المضي قدما فى مسلسل الاستهداف و تصفية الحسابات مع المنشقين الروس والعملاء المزدوجين الموجودين لدى الغرب. عن ذلك يرى الخبراء الأمريكيون أن الاستخبارات الروسية بدأت فى تعظيم الاعتماد على الوسائل الرقمية بما فى ذلك وسائل التواصل الاجتماعى فى تحقيق اهدافها وهو ما بدا واضحا فى الجدل الدائر فى الولاياتالمتحدة حول التأثير الروسى على مجريات الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى 2016 وهو الجدل الذى فجر بركانا سياسيا فى الداخل الامريكى وولد شعورا لدى الشعب الأمريكى أن أجواء الحرب الباردة قد عادت من جديد ولكن باستخدام وسائل رقمية فى المقام الاول كبديل عن الاعتماد الاساسى على العنصر البشرى فى إحداث الأثر المطلوب. وتتهم التقارير الامريكيةموسكو بإدارة جهاز ضخم للعمليات الاستخباراتية الرقمية منذ هذا النوع يقع فى مبان شبه حكومية فى العاصمة موسكو و فى مدينة بطرس الأكبر " سنابيتسبيرج " وهنا يتساءل المحللون الأمريكيون عن جدوى عمليات الطرد الدبلوماسى فى الحد من أثر تلك الأنشطة المخابراتية الرقمية التى تتم عن بعد. وعلى الجانب الآخر فهناك من يرى أن عمليات طرد الدبلوماسيين الروس من العواصمالغربية لن يعدم قوة التأثير السلبى على أنشطة الاستخبارات الروسية. وبحسب تقديرات الغرب ، فإن موسكو لم تكن لتضع فى حساباتها أن محاولة استهداف العميل الروسى سيرجي سكريبال وابنته فى لندن ستؤدى إلى طرد 150 من رجال الاستخبارات الروسية العاملين بغطاء دبلوماسى لدى الولاياتالمتحدة وعواصم أوروبية أخرى، وبرغم ذلك يرى المحللون الأمريكيون أن خبرة الاستخبارات الروسية سيعجل من سرعة استيعاب الاستخبارات الروسية لصدمة الطرد الدبلوماسى واستئناف نشاطها العملياتى - الذى لم يلحق به الشلل أصلا – وربما بصورة أكثر انتقامية وجرأة وشراسة عن ذي قبل وينذر بفصول جديدة من الحرب المخابراتية بين روسيا والغرب. وتكشف الإجراءات الدبلوماسية الغربية تجاه روسيا عن وصول العلاقات الروسية الغربية إلى أدنى مستوياتها، ويقول المراقبون الغربيون أن إجراءات الطرد الأوروبية للدبلوماسيين الروس هو محاولة للحد من أنشطة الاستخبارات الروسية على الأراضي الأوروبية والأمريكية فى أعقاب اتهامات وجهت لروسيا بالتورط فى محاولة قتل المنشق الروسى سيرجي سكريبال وابنته على الأراضى البريطانية بغاز الأعصاب وهو ما تنفيه روسيا. وهنا يثور سؤال هام عن مدى ما أحدثته تلك الإجراءات من صدمة ارتباك لدى مخططى العمليات المخابراتية الروس إذا افترض جدلا قيامهم بمحاولة اغتيال المنشق الروسى وابنته واستخدامهم للدبلوماسية كغطاء على أنشطتهم الاستخباراتية، وفى هذا الصدد يؤكد المسئولون الأوروبيون أن إجراءات الطرد الدبلوماسى الأخيرة قد تحد بنسبة الثلثين من أنشطة رجال الاستخبارات السرية الروس ممن كانوا يعملون بغطاء دبلوماسى فى أوروبا والولاياتالمتحدة برغم إعلان موسكو فى الثالث عشر من الشهر الجاري عن إجراءات مماثلة ضد الإجراءات الغربية. كما يؤكد قرار الإدارة الامريكية بطرد ما لا يقل عن 60 دبلوماسيا روسيا وإغلاق القنصلية الروسية فى سياتل تماهي المواقف الأمريكية والأوروبية بشأن أنشطة الدبلوماسية الروسية على أراضيهم إذ قررت 23 دولة من الاتحاد الأوروبى طرد قرابة 118 دبلوماسيا روسيا من أراضيها حتى الآن. ويصف المراقبون قرار الإدارة الأمريكية الحالية بأنه أشد عدوانية تجاه روسيا إذا ما قورن بمواقف إدارة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاى كلينتون، وقد شكل هذا الموقف من جانب الغرب مفاجأة للمراقبين الأوروبيين بقدر ما شكل مفاجأة لموسكو التى بادرت باتخاذ إجراءات مماثلة للرد عليه.