الأم هي أسمى درجات الحب في أجمل صوره، فهي العطاء غير المشروط والحنان والأمان.. ولا تكفيها في عيدها عبارات الوصف والثناء ولا يرادفها في قواميس الحب ومعاجم اللغة ما يوازي قيمتها ومكانتها.. وفي حالة الأم الفلسطينية (أم الشهيد وأم الأسير وأم الجريح).. فهي التي ربت وسهرت لتخرج جيلا يحمل راية الكفاح والصمود والدفاع عن الأرض. وتعاني الأم الفلسطينية في يومها، فتستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرمان أكثر من 78 طفلا من لقاء أمهاتهم في عيد الأم، حيث لاتزال 21 أمًا فلسطينية معتقلة، كما تمنع إدارة السجن بعض الأسيرات من الزيارة كنوع من التضييق عليهن، وحتى وإن تم السماح لهن بالزيارة فهن محرومات من احتضان أبنائهن بسبب الحاجز الزجاجي الذي تتم الزيارة في وجوده، إضافة إلى منع التواصل الهاتفي معهن أو حتى إرسال وتلقي الرسائل المكتوبة. ولفتت الدكتورة سهاد زهران خبيرة الطب النفسي، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إلى أن اعتقال الأم أو الأبناء يتسبب في فقدان الأمان الاجتماعي وفقدان الأفق والمستقبل، فهو يخلق حالة رعب للطرفين "الأم وابنها"، لاسيما وإن كان ابنها طفلا. وأكدت أن ممارسات الاحتلال من قتل وأسر واعتقال وإبعاد وغيرها من الأحداث الضاغطة تؤدي إلى الإصابة بمرض الاكتئاب، لافتة إلى أن متغيرات الشخصية الإيجابية والمساندة الاجتماعية تسهم في التخفيف من واقع تلك الأحداث لدعم القدرة على مواجهتها.. ونبهت إلى أهمية المساندة المجتمعية التي تقوي الصحة النفسية وتقي، سواء الأم التي فقدت ابنها أو الطفل الذي اعتقلت أمه، من المرض النفسي. وشددت زهران، وهي في طريقها إلى جنين شمال الضفة الغربية لزيارة ومعايدة أم الشهيد ياسر حمدونة الذي قضى فترة طويلة بالأسر واستشهد فيه وأم شهيد آخر زياد العامر والذي كان قد استشهد في معركة مخيم جنين، على ضرورة أن نبقى على تواصل مع أمهات الشهداء الذين قدموا أرواحهم لهذا الوطن، وأكدت أن هذه الزيارات تؤكد أننا مخلصون لما قدموه وأننا لم ولن ننساهم. وقالت والدة الأسير الطفل هشام نعالوه من مدينة طولكرم، للوكالة، "إنها طبعت صورة كبيرة لابنها، ولا تفارق حضنها كل يوم في سريرها، رغم اعتقاله قبل قرابة العامين وكان لم يكمل عامه ال15 وقتها، وهي تنتظر بفارغ الصبر عودته بعد الإفراج عنه الشهر القادم لتضمه بعد أن تغير شكله وأصبح شابا". والأسيرة الجريحة عبلة العدم (46 عاما) من محافظة الخليل تعتبر أما لأكبر عدد من الأبناء من بين الأسيرات، فهي أم لتسعة أبناء لم يكن أصغرهم قد تجاوز الثلاث سنوات عند اعتقالها، فيما يحرم الاحتلال الأسيرة نسرين حسن (38 عاما) من حيفا من زيارة أبنائها السبعة وأصغرهم طفل كان يبلغ من العمر 9 أشهر عند اعتقالها.. أما الأسيرة جودة أبو مازن (45 عاما) فيعتقلها الاحتلال إلى جانب زوجها وابنها. وليس فقط اعتقال الأمهات هو الذي يحول دون احتفالهن بعيدهن، ولكن أيضا سياسة الإبعاد وتشتيت الشمل التي تنتهجها قوات الاحتلال.. فهذه زوجة شهيد من القدس، رفضت ذكر اسمها، أبعدها الاحتلال عن القدس خلف الجدار العازل ولا تستطيع أن تعيش مع أبنائها فتنتظر زيارتهم لها كل أسبوع بفارغ الصبر، ولا يكون هناك للتواصل بينها وبينهم بعد عودتهم إلى القدس سوى الهاتف. وتقول "بعد استشهاد زوجي قام الاحتلال الإسرائيلي بشطب ملفي من على جهاز الكمبيوتر، وقدمت إلتماسا إلى المحكمة فجاء القرار بطردي نهائيا إلى منطقة الضفة الغربية عند أهلي وإبعادي عن القدس". وأضافت "منذ عامين وأنا في الضفة وأولادي في القدس يفصلنا عن بعضنا الحاجز الأسمنتي الذي لا أستطيع تخطيه.. وأصعب إحساس أن تعيش بعيدا عن أبنائك وبدون سماع كلمة "أمي".. اشتقت لمناكفاتهم ومشاجراتهم.. وأفتقد لشكواهم من بعضهم البعض، فهم الحياة بالنسبة لي". ولا ننسى الأسيرة الفلسطينية ناريمان التميمي والدة الطفلة عهد التميمي، والتي تعيش حالة من الحزن بعيدا عن فرح الأمهات في يوم الأم، حيث تنتظر اليوم /الأربعاء/ محاكمة طفلتها الصغيرة "عهد". وقال نشأت الوحيدي الناطق باسم مفوضية الشهداء والأسرى والجرحى بحركة (فتح) "إن ناريمان التميمي كانت قد اعتقلت في نفس يوم اعتقال عهد (17 عاما)، مشيرا إلى أن عهد كانت تتلقى تعليمها في الثالث الثانوي، فحرمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي من حقها في التعليم، فبدلا من الجلوس على مقاعد الدراسة فإنها تجلس ببراءة الطفولة الفلسطينية المغتصبة على مقاعد المحاكم الإسرائيلية مقيدة من اليدين والقدمين ولا تسمع سوى صراخ القضاة والجنود والسجانين الإسرائيليين والتصريحات العنصرية الانتقامية". وأكد أن إسرائيل هي دولة احتلال وتمييز عنصري بامتياز حيث تحرم الزهرة الفلسطينية عهد التميمي من حقها في الحرية والحياة وفي التعليم، مبينا أن الاحتلال الإسرائيلي كان قد أعلن عن محاكمة عهد في يوم ميلادها في 31 يناير 2018 بسجن عوفر العنصري الإسرائيلي ليتم تأجيل المحاكمة غيابيا وانتقاميا إلى تاريخ 6 فبراير الماضي ثم إلى اليوم، الذي يصادف يوم الأم. ومن جانبها، قالت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان "إن الأسيرات يتعرضن للعزل عن العالم الخارجي، كتعصيب العينين، التكبيل، الحرمان من النوم، الحرمان من الطعام والمياه لفترات طويلة، الحرمان من العلاج الطبي المناسب، الحرمان من الوصول إلى المراحيض، الحرمان من الاستحمام أو تغيير الملابس لأيام أو أسابيع والصراخ والإهانات الشتم، بالإضافة إلى التحرش الجنسي". ونقلت محامية المؤسسة عن الأسيرة "ج.م" وهي أم لأربعة أبناء واعتقلت من منزلها عام 2014 ولا تزال قابعة في سجون الاحتلال، تجربتها قائلة "فتشوني تفتيشا عاريا مرتين فور وصولي لمركز التحقيق ثم عصبوا عيني، كما تعرضت طوال فترة التحقيق معي للتحرش الجنسي والإهانة من قبل المحققين". وبدورها، وصفت "ه.م" أم لثلاثة أبناء واعتقلت من منزلها عام 2016 ولا تزال معتقلة هي وزوجها أيضا، لمحامية المؤسسة أسوأ تجاربها خلال التحقيق قائلة "أكثر لحظة خفت فيها هو حين بدأ الجنود بتهديدي باعتقال ابني الأكبر، في حال لم أوقع على ورقة اعتراف وضعت أمامي، وكانت مكتوبة باللغة العبرية التي لا أفهمها". وأشارت مؤسسة الضمير إلى أن حوالي 6119 أسيرا وأسيرة فلسطينية يقبعون حاليا في سجون الاحتلال من ضمنهم حوالي 350 طفلا، ويتم ترحيل معظم هؤلاء الأسرى بصورة غير شرعية من الأراضي المحتلة إلى أراضي المحتل. وأوضحت أن هذا الرقم يعني أيضا أن هناك حوالي 6000 أم فلسطينية محرومة من أبنائها لوجودهم في سجون الاحتلال، وتحرم بعض الأمهات من زيارة أبنائهن وبناتهن داخل السجون بذرائع أمنية واهية، وفي حال تلقي الأمهات لتصاريح تسمح لهن بالزيارة، فإنهن يواجهن رحلة طويلة وصعبة للوصول للسجون. ومؤخرا في ديسمبر 2017، هاجم عضو في الكنيست حافلة تحمل أهالي أسرى فلسطينيين من قطاع غزة كانت متجهة إلى زيارتهم في سجن "نفحة"، بالإضافة إلى تهديد الأمهات بشكل خاص، وتهديدهن بأبنائهن وبناتهن المعتقلين. وأكدت مؤسسة الضمير أن هذا يؤكد على الاستهداف الممنهج من قبل سلطات الاحتلال لعائلات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وخاصة أمهاتهم، بهدف إيقاع أكبر قدر من الإيذاء النفسي على الأسرى والمعتقلين، محاولين ضرب المثال الأعلى للمجتمع الفلسطيني، وهي الأم الفلسطينية.