جامعات مصر تستعيد الريادة    مفتي الجمهورية يستقبل رئيس تحرير بوابة أخبار اليوم لبحث التعاون المشترك    مطار العلمين الدولي.. بوابة ذهبية على ساحل المستقبل    وزيرة التنمية المحلية: إزالة 2271 حالة تعدٍ متنوعة بالمحافظات خلال 5 أيام    "فرص مصر البترولية الاستثمارية مميزة واحتمالاتها البترولية واعدة" ورشة عمل بهيئة البترول    ترقب محادثات روسية - أوكرانية مباشرة اليوم    بعد رحيله.. من هو أفقر رئيس في العالم خوسيه موخيكا؟    مسئول أممي: منع وصول المساعدات إلى غزة «يُفضي إلى الموت»    كأس الكؤوس الإفريقية| قنديل: نرحب بالأشقاء و نسخر كل إمكانات الأهلي لنجاح البطولة    الزمالك يكثف مفاوضاته لضم ثنائي الرائد السعودي    حملات لإزالة التعديات على أملاك الدولة ضمن الموجة ال26 بالإسكندرية    ختام الأسبوع ال 38 ل «أهل مصر»    «الوثائقية» تطلق غدًا "درويش.. شاعر القضية"    الشيخ خالد الجندي يكشف الفارق بين "الطاهر" و"النافع"    أمين الفتوى: رش المياه فى الشارع غير جائز شرعًا ويُعتبر من الإسراف    السيسى يوجه بسرعة إنجاز المرحلة الثانية للتأمين الشامل    دعم إيجاري وإنهاء العلاقة بعد سنوات.. "الاتحاد" يعلن عن مشروع قانون للإيجار القديم    رئيس وزراء الهند: عملية السندور تمثل مرحلة جديدة في مواجهة التهديدات الأمنية    «مش هعرف أمد ايدي عليها».. فتحي عبدالوهاب يكشف كواليس ضربه ل ريهام عبدالغفور    5 أبراج يتألق أصحابها في الإبداع والفن.. هل برجك من بينها؟    سيدات الزمالك يتأهلن إلى الدوري الممتاز ب لكرة السلة    الصين تتراجع عن قيود فرضتها مسبقًا على الولايات المتحدة الأمريكية    انفجار خط غاز أكتوبر.. الحفيدة تلحق بجدتها بعد 14 ليلة داخل العناية المركزة    لعدم تواجد طبيب.. وكيل صحة الشرقية يجري جراحة لطفل أثناء زيارة مفاجئة ل"أبو حماد المركزي"    عبلة الألفى ل الستات: الدولة نفذت 15 مبادرة صحية منهم 60% للأطفال    استمرار فعاليات البرنامج التدريبي "إدراك" للعاملين بالديوان العام في كفر الشيخ    قرار وزاري بتعديل ضوابط وتنظيم العمل في المدارس الدولية    الليلة.. محمد بغدادي في ضيافة قصر الإبداع الفني ب6 أكتوبر    استقبالا لضيوف الرحمن فى البيت العتيق.. رفع كسوة الكعبة 3 أمتار عن الأرض    مصطفى كامل.. طرح أغنية «قولولي مبروك» اليوم    حجز محاكمة الطبيب المتهم بالتسبب في وفاة زوجة عبدالله رشدي للحكم    تأجيل محاكمة قهوجي متهم بقتل شخص إلى جلسة 13 يوليو    أحكام رادعة من الجنايات ضد 12 متهم بقتل شخصًا وترويع أسرته في أوسيم    "الجبهة الوطنية" تعلن تشكيل أمانة ريادة الأعمال    ميلان ضد بولونيا.. موعد نهائي كأس إيطاليا 2025 والقنوات الناقلة    مدرب شباب المغرب: نحترم منتخب مصر.. والواقعية سلاحنا في مواجهته    الجارديان: القصف الإسرائيلي على غزة ينذر بتصعيد خطير يبدد آمال وقف إطلاق النار    تأجيل محاكمة 17 متهما بقضية "خلية العجوزة الثانية" لجلسة 28 مايو    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    المجموعة الوزارية للتنمية البشرية تؤكد أهمية الاستثمار في الكوادر الوطنية    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    حالة الطقس في السعودية اليوم.. طقس متقلب على كل الأنحاء وفرص لرياح محملة بالأتربة    الوزير "محمد صلاح": شركة الإنتاج الحربي للمشروعات تساهم في تنفيذ العديد من المشروعات القومية التي تخدم المواطن    التعليم العالى تعلن نتائج بطولة السباحة للجامعات والمعاهد العليا    توقيع بروتوكول بين المجلس «الصحي المصري» و«أخلاقيات البحوث الإكلينيكية»    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    سيناريوهات تنتظر الفنان محمد غنيم بعد القبض عليه فى واقعة تهديد طليقته    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطورات الحالة الكورية تطرح تساؤلات حول مآلات الحروب الثقافية
نشر في البوابة يوم 12 - 03 - 2018

بقدر ما اهتم المثقفون حول العالم بالتطورات المفاجئة في شبه الجزيرة الكورية والإعلان مؤخرا عن لقاء قمة مزمع في شهر مايو المقبل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون للتوصل لتسوية للقضايا المزمنة بين واشنطن وبيونج يانج، فإن هذه التطورات تطرح تساؤلات حول واقع ومآلات الحروب الثقافية التي تقترن بالصراعات والنزاعات السياسية مثل الحالة الكورية.
وكوريا الشمالية موضع جدل مستمر بين المثقفين في العالم كما أن اسم هذا البلد الواقع في شرق آسيا يثير الفضول والنزعة الغرائبية حتى لدى مثقفين يساريين مثل الكاتب والروائي الباكستاني الأصل والبريطاني الجنسية طارق علي.
وتتجلى هذه الحالة في طرح نشرته دورية "لندن ريفيو اوف بوكس" لطارق علي الذي ولد في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1943 في لاهور مستعيدا ذكريات دعوة كان قد تلقاها في شهر مارس عام 1970 لزيارة كوريا الشمالية التي لم يكن أي ود حيال نظامها الحاكم باعتبار أنه "نظام حكم ستاليني الطابع ومفرط في القسوة".. غير أنه بحكم تكوينه الثقافي الثري لم يغفل في تناوله للمشهد الكوري الشمالي تأثير عوامل تاريخية، مثل عمليات نهب الموارد الطبيعية لشبه الجزيرة الكورية ومحاولات اقصاء اللغة الكورية خلال سنوات الاحتلال الياباني ما بين عام 1910 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومن الطبيعي أن يتردد الآن في الصحف ووسائل الإعلام على مستوى العالم اسم كوريا الشمالية وزعيمها كيم جونج اون، وأن تتواتر التحليلات والتعليقات والتوقعات بشأن لقاء القمة المرتقب والذي وصف ب"التاريخي"، كما تتردد مصطلحات مثل "صفقة القرن"، و"سياسة حافة الهاوية والحرب النفسية والدعائية"، و"تكتيكات المقايضة والمقامرات السياسية"، وأساليب "الحروب الثقافية".
ولو نجحت "مقامرة ترامب"؛ على حد وصف معلقين في وسائل الإعلام، فإنه سيكون بمقدوره أن يقدم نفسه من جديد للناخبين الأمريكيين باعتباره أول رئيس للولايات المتحدة ينجح في حل جذري للاشكالية الكورية الشمالية والملف النووي لبيونج يانج، فيما بدأ البعض في الحديث عن إمكانية فوزه بجائزة نوبل للسلام حال نجاح مقامرته السياسية الخطرة مع نظام يصعب التنبؤ بنواياه.
ولكن البروفيسور روبرت كيلي الذي انخرط في السلك الأكاديمي لجامعة بوسان في كوريا الجنوبية يرى أن "ترامب لم يدرس ولم يقرأ وهو يعتزم التحليق خارج النص"، معتبرا أنه ليس هناك ما يكفي من الوقت للإعداد الجيد للقمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج الذي يتطلع للاعتراف بشرعية بلاده كدولة نووية ورفع العقوبات المفروضة عليها.
وفيما يتردد أيضا اسم الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن؛ بقوة في وسائل الاعلام بعد أن سعى لتهدئة التوترات في شبه الجزيرة الكورية والقيام بدور "الوسيط النزيه" بين ترامب وكيم جونج، يقول جون ديلوري؛ الأكاديمي في جامعة يونسي الكورية الجنوبية إن "ما يحدث ليس هجوم السحر والجاذبية من بيونج يانج وانما هو الهجوم القادم من سول".
وسواء فى الحالة الكورية أو غيرها من بؤر التوترات حول العالم، كانت تجليات "الحروب الثقافية" تتجدد بصورة تعيد للأذهان أجواء عصر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق؛ فضلا عن الصين، فيما باتت هذه الحروب تستخدم ضمن ممارساتها لافتات حقوق الإنسان.
ومنذ اندلاع الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن العشرين، تحولت شبه الجزيرة الكورية بشطريها الشمالي والجنوبي- اللذين مازالا رسميا في حالة حرب حتى الآن - إلى ذروة من ذرى الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي ودخلت ضمن الحروب الثقافية بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، فضلا عما استحدثته هذه الحرب الباردة من نظريات وأفكار أزهقت الكثير من أرواح البشر كفكرة "الحرب بالوكالة".
ويتحدث الكاتب والروائي طارق علي بمرارة عن ممارسات قمعية أمريكية ضد الكوريين بعد الحرب العالمية الثانية لحد أنهم استعانوا بعناصر من قوات الاحتلال الياباني السابق لإحكام السيطرة على القوى الوطنية الكورية، بينما اكتظت السجون في سول بدعاة استقلال كوريا وتعرض كل من يشتبه في تعاطفه مع الأفكار الاشتراكية لمعاملة وحشية، معتبرا أن التدخلات الأمريكية والسوفيتية معا في شؤون شبه الجزيرة الكورية هي التي حالت دون وحدتها الطبيعية.
ولا ريب أن الحرب الكورية التي بدأت في الخامس والعشرين من يونيو عام 1950 وأزهقت أرواح أكثر من مليوني كوري على الجانبين حتى توقفت نيرانها في السابع والعشرين من يوليو عام 1953 باتفاق للهدنة لم يتحول أبدا لمعاهدة سلام، هي في حد ذاتها ثمرة مريرة من ثمار الحرب الباردة التي بدأت بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
وإذا كان انهيار الاتحاد السوفيتى ودول المنظومة الشيوعية التي دارت في فلك موسكو قد أفضى لفتح ملفات الأرشيف السري وكشف طرف من الحروب الثقافية التي دارت بين المنظومتين الغربية الرأسمالية والشيوعية وأسهمت بقوة في خلخلة الاتحاد السوفييتي السابق، فإن هذه الحروب تتجدد الآن بصيغ متعددة يرصدها المحللون في حالات مثل استهداف الغرب بقيادة الولايات المتحدة لكوريا الشمالية ناهيك عن التجربة الاقتصادية الصينية التي أسفرت عن انجازات عملاقة تزعج الغرب بما تنطوي عليه من تهديد لمصالحها.
ويقول طارق علي إن التدخل الأمريكي في الشأن الكوري ازداد ضراوة بعد نجاح الثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونج عام 1949، حيث لم تكن واشنطن مستعدة بأي حال من الأحوال للسماح بانتشار هذا المد الثوري لبلدان أخرى في شرق آسيا ، ومن ثم فقد تصدت بقوة لقوات الشطر الكوري الشمالي بقيادة كيم ايل سونج لتندلع الحرب الكورية في العام التالي لنجاح الثورة الصينية، وتعرضت بيونج يانج لقصف جوي أمريكي وحشي كاد يعيدها للعصر الحجري مع "غارات متوالية بالنابالم" دون أي احتجاجات من جانب دعاة حقوق الإنسان في الغرب.
وفي تلك المرحلة بالتحديد ازدادت حدة الحروب الثقافية واستخدمت كغطاء لتبرير ممارسات لا يمكن قبولها إنسانيا في الحرب بالنيران التي اكتوى بها الكوريون، حتى أن بيونج يانج كادت تختفي من الوجود تحت وطأة القصف الأمريكي، كما يستعيد طارق علي.
وللكاتبة والباحثة البريطانية فرانسيس ستونر سوندرز كتاب بعنوان "من دفع للزمار: الحرب الباردة الثقافية"، يتضمن معلومات مثيرة حول تلك المنطقة الرمادية التى تستخدم فيها أجهزة المخابرات مجال الثقافة في لعبة الأمم والحروب السرية وتشكيل العقول وتفجير الدول من الداخل.
وحسب هذا الكتاب، فإن بعض أصحاب القامات الفكرية العالية في الغرب شاركوا في "حروب كسب العقول والقلوب" التي قادتها المخابرات الأمريكية وكانت تصب في نهاية المطاف في خدمة الهيمنة الثقافية الأمريكية والتلاعب والسيطرة على منابر الكتب والفن والسينما والموسيقى.
وإذا كان كتاب "من دفع للزمار"، يتناول باستفاضة دور المخابرات الأمريكية في صياغة الحياة الثقافية والفنية في الغرب إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتى السابق واستخدام الأساليب الثقافية والقوى الناعمة والجوائز، بل وتجنيد شخصيات من النخب الثقافية ذات الثقل العالمي لمناوئة الفكر الشيوعي، فإن الأمر بحاجة لاكتشاف ودراسة الصيغ المغايرة والجديدة للحروب الثقافية المتجددة والتي طالت العالم العربي كما طالت شبه الجزيرة الكورية.
فمع كل تصاعد للتوترات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يحتفي الغرب عبر صحافته ومنابره الثقافية بالكتابات المناوئة لبيونج يانج، مثلما حدث عند التصاعد الأخير في التوترات خلال العام الماضي مع مجموعة قصصية قصيرة بعنوان "الاتهام"؛ قيل إنها لمؤلف كوري شمالي كتبها باسم مستعار، وتعبر عن توجهات مناهضة لنظام كيم جونج اون.
وبقدر ما أثار اهتمام الصحافة الثقافية الغربية بمجموعة قصص قصيرة لمؤلف كوري شمالي مجهول تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاهتمام جزءا من الحملة على النظام الحاكم في بيونج يانج، بقدر ما أثارت هذه المجموعة القصصية فضولا لأنها أول عمل أدبي يكتبه شخص داخل كوريا الشمالية ويناهض بوضوح هذا النظام.
فبالتزامن مع الموجة الأخيرة للتوترات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، راحت الصحافة الثقافية الأمريكية والغربية على وجه العموم تنشر ما تصفه بقصص مهربة لمنشق عن النظام الحاكم في بيونج يانج دون أن تغفل الاشارة إلى أن هذا المنشق مازال يعيش داخل كوريا الشمالية، الأمر الذي ينطوي على مخاطر جسيمة يمكن أن يتعرض لها هو وعائلته حال اكتشاف هويته.
وإذ صدرت هذه المجموعة القصصية بعنوان "الاتهام" باسم مستعار للمؤلف الكوري الشمالي هو "باندي" أضفى نقاد في صحف غربية كبرى كنيويورك تايمز والجارديان صفات مثل الشجاعة والاقدام على هذا المؤلف المجهول.
وعلى حد قول ميجان والش، فإن هذه المجموعة القصصية تشكل "عملا أدبيا غير مسبوق وشجاعا"، فيما كان مخطوط المجموعة قد جرى تهريبه من كوريا الشمالية عبر أحد أقارب المؤلف الذي مازال يعيش في الداخل الكوري الشمالي.
وقضية "من يعيش في الداخل الكوري الشمالي ومن فر للخارج"، تنطوي على جوانب إنسانية إلى جانب تعقيداتها السياسية، فيما كان والدا الرئيس الكوري الجنوبي الحالي مون جي ان، قد فرا من الشمال للجنوب في بداية الحرب الكورية عام 1950 وقال: "أمي تبلغ من العمر 90 عاما وأمنيتها الأخيرة أن ترى أختها الصغرى التي ما زالت تعيش في الشمال".
ويصعب أن تجد في خضم الحروب الثقافية التي تستهدف الشمال من يتحدث مثلا في الصحافة الثقافية الغربية بموضوعية عن أيديولوجية "الزوتشية" التي يتبناها النظام الحاكم في بيونج يانج وتدعو للاعتماد على الذات وتقييم منصف لما حققته من إنجازات وحقيقة مثل أن التعليم مجاني في جميع المراحل بل واجباري حتى نهاية المرحلة الثانوية.
وفي المقابل فإن مثقفا يساريا يتسم بالنزاهة مثل طارق علي يؤكد على الطابع الشمولي للنظام الحاكم في بيونج يانج وممارسات حكم الفرد وعبادة الزعيم كما عاينها خلال زيارته غير مرة لكوريا الشمالية، معددا أوجه الحياة القاسية هناك حتى أنه يتذكر أن سفير كوبا في هذا البلد حينئذ أخبره في زيارته الأولى عام 1970 أنه جاء كعقاب بعد أن وجه انتقادات للزعيم الكوبي فيدل كاسترو.
وفي معرض التناول النقدي والتعليق على المجموعة القصصية "الاتهام"، حرصت الصحافة الثقافية الغربية على وصف كوريا الشمالية بصفات مخيفة مثل "مملكة الخوف التي يعيش شعبها داخل سجن كبير منذ تقسيم شبه الجزيرة الكورية في عام 1945"، مع التأكيد على أن الأدب المكتوب والمنشور داخل هذه الدولة إن صح وصفه بالأدب- وظيفته الوحيدة تمجيد الحاكم والترويج لأيديولوجية النظام الشمولي.
وقامت ديبورا سميث وهي مترجمة بريطانية متخصصة في ترجمة الأدب الكوري للانجليزية بترجمة مجموعة "الاتهام"، فيما وصفت الترجمة في صحف غربية بأنها "حاذقة ومعبرة عن قدرات ثقافية رفيعة المستوى للمترجمة" التي حصلت من قبل على جائزة "مان بوكر" الدولية.
وفي هذه المجموعة يلتقي القاريء بالخوف بمعانيه وألوانه المتعددة كما ترسمها صور قلمية للمؤلف المجهول والذي يرى أن كل شخص وكل شيء "متهم" في بلاده بينما يسيطر الخوف على الجميع سواء كان مسؤولا كبيرا في الحزب الحاكم أو طفلا صغيرا.
فالكل خائف من ارتكاب شيء غير مسموح به أو جريمة غير مرئية والاتهام كامن دوما في جوهر الأشياء وألوان الحياة اليومية بكوريا الشمالية، كما يراها المؤلف صاحب الاسم المستعار"باندي"، معتبرا أن "الخوف يزعزع كل مواطنيه" والهلاك مصير من يرتكب أفعالا قد تبدو عادية في أماكن أخرى من العالم.
والصور المخيفة تتوالى في مجموعة "الاتهام" مثل مصير آباء وأمهات من قد يشعر أطفالهم بنوع من الخوف أو الذعر الظاهر على ملامحهم عند رؤية ملصقات وصور للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج اون، أو والده أو جده، فضلا عن ذلك الفتى الذي ضبط متلبسا بجرم الامساك بيد فتاة وقطف زهرة لها أثناء الحداد الذي امتد طويلا عقب رحيل الزعيم كيم ايل سونج.
وتبارى النقاد في الصحافة الثقافية الغربية في كيل المديح لهذا المؤلف الكوري الشمالي المجهول وهو يمضي في رسم صور الخوف ببلاده والكتابة عن العقوبات الشنيعة التي حلت بأشخاص ارتكبوا أفعالا مثل الحاق أضرار دون قصد بشتلات أرز كانت مخصصة لمزارع جماعية، أو ذلك الشاب الذي توجه دون إذن أو تصريح لزيارة أمه التي كانت على فراش الموت.
ويبدو صوت المؤلف "باندي" متسائلا عن حقيقة الجرم الذي ارتكبه شخص مثل ذلك الذي عجز عن كبح جماح رغبته في وداع أمه قبيل رحيلها فيما يوميء عبر قصصه القصيرة إلى أن مثل تلك التساؤلات محظورة تماما في كوريا الشمالية ولا يمكن أن يجهر بها أي شخص وإلا فإن عقوبات قد لا تخطر بباله ستكون في انتظاره.
وتدور قصص مجموعة "الاتهام" بين عامي 1989 و1995 لتشمل السنوات الأخيرة من حكم الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم ايل سونج الذي مازال يجري الاحتفال في بلاده بيوم مولده باعتباره "يوم الشمس"، بينما يوصف المؤلف المجهول لهذه المجموعة القصصية القصيرة بأنه "الممثل الوحيد لهؤلاء الذين كتبت عليهم الحياة في جب عميق من الظلمات".
وكاتب مجموعة "الاتهام" لا يفتقر للقدرة على رصد تفاصيل وجزئيات تشكل معا صورة مرعبة كبيرة لما يمكن وصفه "بدراما البؤس في أرض الخوف"، بينما يبدو للعين الناقدة متأثرا بقصص وروايات لأدباء وكتاب كبار مثل الروسيين مكسيم جوركي والكسندر سولجنيتسين والصيني يان ليانك.
ومع التسليم بالموهبة الأدبية الفذة لأديب النوبلي الروسي الراحل الكسندر سولجنتسين ، فإن الغرب إبان عصر الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي لم يدخر جهدا في سياق الحروب الثقافية للتهليل لهذا الأديب المنشق على النظام الشيوعي والترويج لأعماله مثل روايته "ارخبيل الكولاج" التي تناول فيها مأساة ملايين البشر في معسكرات العمل الاجباري.
والقصص التي يرويها منشقون نجحوا في الفرار من كوريا الشمالية - والتي تحتفي بها الصحافة الغربية- تروج صورة لانتهاكات مروعة حقا لحقوق الانسان ولا نظير لها في العالم المعاصر، فيما كان الرئيس الكوري الجنوبي مون جي ان، قد قال للصحفيين: "والدي هرب من الشمال كارها للشيوعية وأنا نفسي أكره النظام الشيوعي وذلك لا يعني ترك الناس في الشمال يعانون في ظل نظام قمعي".
وإذا كان من الطبيعي أن يتساءل المثقفون عما إذا كانت التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية ستفضي حقا لتسوية تاريخية عادلة أم ستعود "سياسات حافة الهاوية والحروب الثقافية ومفردات اللغة المجنونة" في التهديدات المتبادلة بين بيونج يانج وواشنطن، فإن الحروب الثقافية تثير في نفس الناقد النزيه نوعا من الحذر خشية الوقوع في غوايتها وتحقيق أغراض من يخططون لها دون أي اعتبار لقيم الإبداع النزيه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.