أثارت دعوة وزير الأوقاف الجزائرى، محمد عيسى، إلى تشييد مساجد افتراضية على صفحات «فيس بوك»، الكثير من ردود الفعل الإيجابية والسلبية، داخل دولة الجزائر وخارجها، بعد تكليف الوزير لأئمة المساجد باستغلال التكنولوجيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى لمحاربة التطرف والطائفية ونشر مبادئ الإسلام الحقّة. مشروع «المساجد الافتراضية» التى دعا لها الوزير، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية، جاء بعد عودته إلى الجزائر، عقب انتهاء مشاركته فى فعاليات مؤتمر وزارة الأوقاف المصرية تحت عنوان: «صناعة الإرهاب ومخاطره وحتمية المواجهة وآلياتها»، وواجهت الكثير من الاتهامات من أتباع التيارات السلفية، فمنهم من اتهمه بمحاربة أئمة السنة، واستغلوا الموقف للمطالبة بفتح المجال لمشايخ السلفيين، متهمين الوزير بالمحاباة لأنصار التيار الصوفى فى مواجهة السلفيين. وقصد الوزير الجزائرى خلال لقائه مع مسئولى القطاع وأئمة المساجد أن المجتمع الجزائرى «يحتاج إلى خطاب تربوى وتوعوى معتدل يرسخ حبّ الوطن لدى الجزائريين وتذكيرهم بنعمة الاستقرار، خاصة أن الجزائر عاشت خلال سنوات التسعينيات مرحلة صعبة» داعيًا الأئمة إلى استغلال - فضلا عن الخطاب المسجدي- فضاءات التواصل الاجتماعى بأن تخصص صفحات تحمل اسم المسجد تكون بمثابة «قلاع» لرد الدعوات الموجهة للجزائريين «من كراهية وحمل السلاح والتقسيم والطائفية والإلحاد التى تبث بقوة وبطريقة دقيقة وبعناوين مختلفة»- داعيا الأئمة إلى «نشر خطب وآراء موحدة حول قضايا الأمة». من الوهلة الأولى يبدو «المسجد الافتراضي» أمرًا غريبًا ومثيرًا للسخرية، بينما بالنظر إلى الواقع والأدوات العصرية، ربما هو ما يسمح بتحقيق دعوة الوزير الجزائري، خاصة وأن ما يزيد عن 14 مليون جزائرى يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب إحصائية ذكرها الوزير، بينما الأمر برمته على الأرجح مجرد محاولة من الوزير ليحدث نشاطًا لأئمة المساجد، كما يبدو أيضًا أنه تأثر بتلك التجارب التى استمع إليها فى المؤتمر الأخير لوزارة الأوقاف المصرية، وما سبقه من زيارة رسمية فى دولة الإمارات يومى 12 و13 فبراير الماضي. ومن جانبنا يمكن القول، إن دعوة المساجد الافتراضية تشبه إلى حد كبير دعوة وزير الأوقاف محمد مختار جمعة الخاصة بأكشاك الفتوى، التى قرر تكليف الدعاة والأئمة بالوقوف فى محطات المترو، وهو ما أثار النقد قبل وأثناء وبعد تنفيذ الفكرة على أرض الواقع. على الرغم من غرابة دعوة الوزير الجزائري، إلا أنه ليس أول من أطلقها، فسبق أن كتبت باحثة إلكترونية وداعية سلفية، أمل خيري، دراسة مطولة بعنوان «المسجد الإلكترونى.. آفاق دعوية متجددة» قالت فيها، إن الدور الدعوى للمساجد تراجع خلال السنوات الأخيرة، مما سمح بانصراف كثير من الشباب عنه، واقتصرت المساجد على أماكن لإقامة الشعائر الدينية خصوصًا لكبار السن، وبات الأمر أكثر جدية لمحاولة ابتكار أساليب جديدة تقوم بدورها الإيجابى فى تفعيل دور المسجد الحقيقى فى حياة المسلمين، وبخاصة الشباب الذى هو وقود الدعوات ومحركها الأول، بحسب الدراسة. وفى ظل العصر الرقمى الذى نحيا فيه بات تأثير التكنولوجيا واضحًا فى سائر مجالات الحياة، ولعبت شبكة الإنترنت دورًا فعالًا فى بناء المجتمعات الافتراضية، وفى تنمية طرق التواصل التفاعلية بين الأفراد، مخترقةً بذلك حواجز الزمان والمكان، وبرزت مفاهيم جديدة غيرت نظرتنا للحياة كالتجارة الإلكترونية والدفع الإلكترونى والإعلام الإلكترونى والتدريب الإلكترونى والكتاب الإلكترونى، بل والدعوة الإلكترونية، وبالتالى جاءت دعوة الوزير الجزائرى، الذى يبدو أن توصيفه جاء مبالغًا فيه بعض الشىء، ما أثار نوعًا من اللغط حوله، فى حين أن الواقع التكنولوجى سمح منذ سنوات طويلة بما يقوله عيسى، ومن يوافقه.