يأخذ الكاتب أحمد القرملاوى، فى روايته "أمطار صيفية"، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، والتى وصلت اليوم للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع أدب الشباب، بوجدان القارىء وخياله، فى رحلة تنتشله من الواقع اليومى الرتيب والروتينى، بعيدًا عن الحياة الماديّة التى لا تزداد إلّا شراسة يومًا بعد يوم، مستنطقًا بداخله تساؤلات عن إمكانية بعث الموسيقى، والفن، فى عالم بات يتنكّر للروحانيات، ويراها فائضة عن حاجة الإنسان، وبل وربما مضيعة لوقته الثمين. واتخذ القرملاوى من "وكالة الموصليّ" مرتكزًا للرواية، هذه الوكالة التي تعود إلى أيام المماليك، والتي سميت على إسم الشيخ الذي أنشأ فيها قبل سبعة قرون إحدى الطرق الصوفية، وعلّم مريديه فن العزف على العود، واستخدام الموسيقى في ذكر الله، فحول هذه الوكالة وشيخها تدور الكثير من الأساطير، وتتمتع بكم كبير من الزخم التراثي، وتصبح مركزًا روحيًا يتوجّه إليه الكثير من الشبان والفتيات الراغبين باتباع الطريقة، والوصول إلى السموّ الروحي على نغمات العود. كما يتعرّض العمل إلى الصراع الأبدي بين السلفيين والصوفيين، إذ يرى السلفيين أن المتصوفة وكل طقوسهم بدعة لا تنتمي إلى الدين، بينما يرى المتصوفة أن السلفيين يدورون حول النص والحرف، مبتعدين عن روح الدين ومقاصده الجوهريّة. وتتميّز الرواية فى طريقة سردها بأسلوب سحرى فى الحكى يجذب القارىء إلى أعماق الفكر الموسيقى البنّاء، استخدمه القرملاوى في تشكيل وجدان القارئ، فلا يجد المتلقّى وسيلة للخلاص من التماهى مع بطل العمل. ومن أجواء الرواية: "سريعًا ما سيقُصُّ عليك أحدهم تاريخ الموصليّ، الذي كان صانعَ أعواد، قبل أن يصير إمامًا صوفيًّا في زمن لاحق. سيحكي لكَ كيف شرُفت مدينة الموصل بمولده، تلك التي أنجبت من قبله نبي الله يونس، كما أنجبت أفذاذ الموسيقيين في أزهى عصور الحضارة، لذلك أسماها العرب بالموصل، كونها ملتقًى يوصِل الشرق بالغرب. سيقول لكَ إن أباه كان صانعَ أعواد عُرِف بالمهارة والورع، وسقى ولده الفنَّ" والصنعة، كما زكّاه بالإيمان. شَبَّ الصبي «عبادة» على محبة العود والألحان، وابتدع في سنٍّ صغيرة مقامات موسيقية لها العجب، لم يعرفها أهلُ زمانه ولم يُقَم لها وزنٌ في حينها، فقد سادَ في زمانه الوغى والصراخ، واندهس الناس أسفل أحذية جلدية مُلطَّخة بالدماء، وسنابك خيلٍ حادة كالنصال، حيث وافقت تلك الأيام البائسة زحف المغول على الموصل؛ "تيمورلَنك" وأشياعه".