يبدو أن ترقب الاتحاد الأوروبي وجهازه التنفيذي (المفوضية الأوروبية) وخوفهما من نتائج الانتخابات التشريعية الإيطالية التي جرت أمس الأول (الأحد) تحول من قلق إلى حقيقة ، بعدما حققت أحزاب اليمين واليمين المتطرف اختراقا كبيرا وغير مسبوق فيها وحققت فوزا تاريخيا يتيح لها التمتع تلقائيا بسيطرة نسبية على مجلس النواب الإيطالي، الذي أصدر الرئيس سيرجيو ماتاريلا قرارا بحله في ديسمبر الماضي إثر الفوضى السياسية في البلاد والتجاذبات المستمرة بين مختلف التيارات، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ربطها المتطرفون بمعضلة الهجرة غير الشرعية. ما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إيطاليا من نتائج وضعها وشركائها في الاتحاد الأوروبي في حالة تبدو للبعض أكثر صعوبة من الخروج من عنق الزجاجة حيث جاءت النتائج مخيبة لآمال القيادات السياسية وأسواق المال في أوروبا وزرعت الخوف من الدخول في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وسط فترة من الكساد الاقتصادي العميق الذي تمر به القارة بصفة عامة ، فرضت معايير تقشف حادة لم تعرفها شعوبها ولم تضطر إليها حكوماتها منذ أمد طويل. يمثل صعود الشعبويين واليمين المتطرف فى الانتخابات التشريعية الإيطالية "صداعا" في رأس الاتحاد الأوروبي لمواقفها الرافضة والسلبية تجاة سياسات بروكسل الاقتصادية والاجتماعية وقيود الميزانية التي يفرضها الاتحاد الأمر الذي يهدد مشروع إصلاحه ويضعف الاهتمام بتعزيز الاندماج الأوروبي خاصة بعد أن فتحت بريطانيا هذا الباب. انتخابات تشريعية تحدد نتائجها مصير إيطاليا محليا وأوروبيا ، وجاء لصالح الشعبويين لتجعلها عالقة بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان الشعبويين حيث وضعت إيطاليا في مشهد سياسي ضبابي ربما يدخلها في مرحلة من عدم الاستقرار إذ تجاهل الناخبون الأحزاب التقليدية نتيجة غضبهم الشعبي من استمرار الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتدفق أكثر من 600 ألف من المهاجرين على البلاد خلال السنوات الأربع المنصرمة ، فاحتشدوا وراء الجماعات المعارضة واليمينية المتطرفة بأعداد قياسية وبذلك لم يتمكن أي من الأحزاب الثلاثة الرئيسية من الحكم بمفرده فإذا كانت إيطاليا تعاني مثل باقي الدول الأوروبية من الأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا في السنوات الأخيرة إلا أنها الأكثر تضررا من جيرانها من أزمة المهاجرين غير الشرعيين مما ولد شعورا في نفوس الإيطاليين بأنهم يواجهون المعضلة بمفردهم وعزز ذلك رفضهم للاتحاد الأوروبي معتبرين أن بلادهم كانت أقوى سياسيا واقتصاديا قبل الأزمة. سطعت حركة (خمس نجوم) في سماء الانتخابات ومنحتها النتائج صك القوة السياسية في البلاد حيث قال زعيم الحركة لويجي دي مايو تعليقا على ذلك أن تصويت 11 مليون إيطالي في الانتخابات لصالح الحركة بنسبة 5ر32% من أصوات الناخبين يمنحها قوة سياسية ويعزز عزمها على إجراء تغيير هام في جميع أنحاء البلاد، معتبرا أن التصويت لصالحها بمثابة تصويت للمستقبل. حركة خمس نجوم هي حركة سياسية معارضة حديثة الولادة تأسست في عام 2009 على يد كل من الممثل الكوميدي بيبي غريللو والمستشار في استراتيجيات الويب جيانروبرتو كاساليجيو، وتم انتخاب لويجي دي مايو البالغ من العمر 31 عاما زعيما لها، وتصف الحركة نفسها ب"الشابة والشعبوية" والبديلة للأحزاب التقليدية، وصعد نجمها بسرعة فائقة حيث فازت في يونيو الماضي في انتخابات بلدية روما وسرعان ما تصدرت الصحف المحلية والعالمية عندما سيطرت على المشهد السياسي الإيطالي في نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2018 والتي جرت قبل يومين كاسرة بذلك ثنائية اليسار الاشتراكي الديمقراطي واليمين الليبرالي اللذين استحوذا على المشهد السياسي الإيطالي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كون حركة خمس نجوم أكبر فائز فى الانتخابات يجعلها طرفا مهما في أية محادثات مستقبلية لتشكيل ائتلاف حاكم، حيث أكد ريكاردو فراكارو العضو البارز بالحركة أن أي طرف لن يتمكن من الحكم بدون الحركة.. مشددا على أنها ستتحمل مسئولية تشكيل هذه الحكومة ولكن بطريقة مختلفة وسيتم إجراء محادثات مع جميع الأحزاب بشأن ما تحتاجه البلاد، مستبعدا أي تحالفات سياسية أو مفاوضات تفضي إلى ائتلاف حكومي.