الكشف عن الفساد المستشري في الحكومة التركية ليس سوى جزء من سيناريو احتراق "ورقة" حكومة العثماني أردوغان، بعد أن لعبت بها أوروبا وأمريكا . كان صعود أردوغان وحزب العدالة والتنمية "الاسلامي" قد جاء بدعم أوروبي وأمريكي قوي، عندما التقت الأهواء على أن أردوغان يمكن أن يحقق لهما عدة أهداف، فقد رأت فيه أوروبا الشخص المناسب لإبعاد أنظار الأتراك عن حلم الانضمام الى الاتحاد الأوروبي بحلم أكثر جاذبية عن استعادة الخلافة العثمانية، بينما رأت فيه أمريكا "حصان طرواده" الذي يمكن أن يعينها على تنفيذ الخطة المعدلة ل "الشرق الأوسط الجديد"، التي تستبدل الاحتلال الأمريكي المباشر للمنطقة بتقطيع أوصال الدول الرئيسية، حتى يسهل ابتلاعها أو احتوائها. وجاء انتعاش الاقتصاد التركي في ظل حكومة أردوعان بفضل الحقن الهرموني للاقتصاد التركي الهش، فقد انهالت المساعدات من أوروبا وأمريكا وأتباعهما على تركيا، سرا وعلانية، ليلتف الأتراك حوله، ويبدو أردوغان وكأنه "ساحر الشرق الجديد" القادر على انتشاله من الجمود والفقر والاستبداد، وتقديم النموذج المناسب لتطوره. كان أردوغان قد انشق عن جماعة نجم الدين أربكان الاسلامي المعروف بعدائه للغرب واسرائيل، ليرتمي تحت عباءة الملياردير الاسلامي فتح الله جولن، صاحب الامبراطورية الواسعة في مجالات التعليم والاعلام والمال والأعمال، والقريب من أمريكا واسرائيل، واعتمد أوجلان على نفوذ الملياردير كولن في الوصول الى سدة الحكم. وعندما خرجت أمريكا تلعق جراحها وهي تلعق أذيال الخيبة من العراق، قررت تغيير خطة "الشرق الأوسط الجديد" الذي يقع تحت سيطرتها المباشرة، الى "الشرق الأوسط الكثير" المقسم والمتفتت، والذي يسهل التلاعب به وهضم أجزائه المتناثرة، ووجدت في أردوغان حليف المرحلة، مع كل من جماعة الاخوان وامارة قطر، الذي كان أميرها حمد يسعى ليكون الوكيل المعتمد للمصالح الاسرائيلية والأمريكية في المنطقة. بدأ الزحف التركي نحو الشرق بمناورة عقدت فيها حكومة أردوغان عشرات الاتفاقيات الاقتصادية مع سوريا وايران، لإنشاء مشروعات ضخمة مشتركة، وكان الهدف هو تخدير الدولتين، حتى يتمكن من التسلل بكل هدوء الى المنطقة، ثم ينقض عليهما. وجاءت تمثيلية الصدام الكلامي بين أردوغان وقادة اسرائيل ليزيد من لمعان صورة أردوغان، بينما كان يجري تأهيل جماعة الاخوان لتكون أداة أردوغان الرئيسية في احياء الامبراطورية العثمانية "الموعودة". وكانت "ثورات الربيع العربي" قد أحدثت الفجوات المطلوبة ليبدأ مشروع "الشرق الأوسط الكثير"، وتدفق الدعم المالي والسياسي على جماعة الاخوان وحلفائها السلفيين، لتعتلي حكم مصر، وجاء أردوغان الى مصر ليحتفل ب"الفتح الإخواني" لأهم دول المنطقة، بينما كانت الحدود التركية معبرا لآلاف المرتزقة "الاسلاميين" استعدادا ل "فتح" سوريا، ليكون سقوط الدولتين ايذانا بالإعلان عن عودة دولة الخلافة العثمانية في نسختها الجديدة. لكن المشروع الأمريكي التركي الإخواني أخذ في التعثر، وجاءت ثورة 30 يونيو لتوجه أقوى الضربات للمشروع، كما جاء صمود سوريا أمام مرتزقة تسللوا من نحو 80 دولة ليربك الحسابات الأمريكية الأوروبية، ويترنح حلم أردوغان، لدرجة تكاد تذهب بعقله، مثلما أطاحت بما تبقى من عقول قادة جماعة الاخوان، فراحوا يتخبطون، ليكون سقوطهم أكثر ترويعا. أدركت أمريكا وأوروبا أن انتصار الاخوان لن يتحقق، حتى اذا استعانوا بكل الجماعات الارهابية المتطرفة، والتي قد تهدد مصالحهم في المستقبل، وأصبح الثمن الذي يتوجب عليهما دفعه يكبر بمرور الوقت، ويتحول دعم الاخوان وأردوغان الى عبء، بدلا من أن يكون ربحا، ولهذا يجرى اعادة النظر في مخطط "الشرق الأوسط الكثير" ودور أردوغان والاخوان وقطر، ليهوي نجم أردوغان بأسرع من رحلة صعوده.