شدد المشاركون فى مؤتمر نصرة القدس الذى أقيم برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى واستضافه الأزهر الشريف، فى يومه الثانى والختامى، على أن استعادة الأقصى دور الأمة جميعها. وتضمن برنامج المؤتمر عدة جلسات منها جلسة بعنوان «استعادة الوعى بقضية القدس»، و«الدور السياسى فى استعادة الوعى»، فى حضور شخصيات عربية وغربية. وانطلقت فعاليات المؤتمر أمس، فى مركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، بحضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، والرئيس الفلسطينى محمود عباس، وحشد كبير من كبار الشخصيات السياسية والدينية ورجال الفكر والثقافة، يمثلون 68 دولة، إضافة إلى حضور إعلامى تجاوز ال800 صحفى وإعلامى. وقال الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السودانى السابق، خلال كلمته، أمس الخميس: «نستبشر خيرًا أن يكون منطلق القضية الفلسطينية من الأزهر الشريف كما عودنا، فالقدس والقضية الفلسطينية ظلتا حاضرتين فى فعاليات الأزهر الشريف منذ عام 1948»، مثمنًا إعلان شيخ الأزهر، رفضه طلبًا رسميًا من نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس للقائه فى ديسمبر الماضى. وأضاف «عثمان»، «من الضرورى استعادة الوعى العربى تجاه القدس وعدم التركيز فقط على البعد الروحى، على الرغم من أهميته، لكن يجب التركيز أيضًا على أبعاد أخرى كالبعد الثقافى، والتاريخى، وحق الأرض، وتأكيد حتمية أن تكون القدس عاصمة للفلسطينيين من خلال منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والعلاقات الخارجية والتعاون الدولي. وقال برسول ديفيد، رئيس حركة المعارضة الإسرائيلية، إن الحركة تدعو وتصلى من أجل نجاح مؤتمر الأزهر العالمى لنصرة القدس، وتأمل أن يضع المؤتمر حدًا للاحتلال. وأضاف «ديفيد» فى كلمته، على هامش المؤتمر: «منذ اليوم الأول من احتلال الأراضى الفلسطينية ونحن نرفض هذا الاحتلال ونلتزم بقرار الأممالمتحدة الصادر عام 1947، وتابع: «إننا ندين باليهودية وهى الخضوع لله، وليست الصهيونية التى تعبر عن دولة طائفية». وأكد الدكتور عبدالعزيز التويجرى، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، أهمية استعادة الوعى بقضية القدس والقضية الفلسطينية، وذلك بالحضور فى الساحة الدولية، والوقوف فى وجه كل من يحاول طمس هوية المكان. أما الدكتورة فاديا كيوان، المدير السابق لمعهد العلوم السياسية فى جامعة القديس يوسف بلبنان، فقالت «إن القرار الأمريكى الأخير يمعن فى تحريك جروحنا وصفع كرامتنا والمساهمة فى قهرنا من خلال الإقرار بالقدس عاصمة لدولة صهيونية، وهو ما يشكل تحديا للمجتمع الدولى وللقانون الدولى العام ولا يجوز أن يمر مرور الكرام». وناشدت «كيوان»، القادة العرب أن يأخذوا المبادرة ويعملوا على وحدة الموقف العربى وحشد الدعم الدولى والحزم فى المواجهة. وبالمثل، أكد الوزير وليد العساف، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بفلسطين، أن تغيير هوية مدينة القدسالشرقية تطلب من الكيان الصهيونى سلسلة من الإجراءات والقوانين ضد المدينة؛ من ضمنها اتباع سياسات اقتصادية واجتماعية طاردة للفلسطينيين العرب وتشجيع إحلال اليهود مكانهم، والسيطرة على المسجد الأقصى وتقاسمه مؤقتًا زمانيا ومكانيا، وسن قوانين وفتاوى لصالح اليهود؛ لتثبيت الرواية اليهودية التاريخية والدينية المزورة والمتناقضة مع الواقع والتاريخ. وأوضح «العساف»، خلال كلمته ضمن محور «أثر تغيير الهويَّة فى إشاعة الكراهية»، أن الحكومات الإسرائيلية المحتلة المتعاقبة ومؤسساتها المختلفة اتبعت سياسات وفرضت إجراءات أدت إلى خلق مشاكل اقتصادية وحولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم متواصل. وقال عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إن مستوى وعى النشء العربى والإسلامى من طلاب مرحلة التعليم ما قبل الجامعى بقضية القدس الشريف، ليس على المستوى المطلوب، فقد شُغلت أو أُشغلت كلُّ دولة من عالمنا العربى والإسلامى عن قضية العرب والمسلمين المحورية بهمومٍ وقضايا ومشكلات داخليٍ وأحداث جِسام جرَها علينا أعداؤنا وقوى الشر المتربصة بمنطقتنا. وأضاف أن النشء تقتصر معرفته بهذه القضية على بعض معلومات سطحية متناثرة فى كتبه الدراسية ينقصها كثيرٌ من العمق والتركيز والاستقصاء، ناهيك عن بعض أخبار تتناولها نشرات الأخبار بين الفَينة والأخرى. وطالب المؤسسات التعليمية فى وطننا العربى والإسلامى بتدارك هذا التقصير سريعًا قبل أن تختلط الأمور فى العقول الناشئة، خاصةً فى ظل حملةٍ لا هَوادةَ فيها لتزييف تاريخ تلك المدينة المقدسة وطمسِ هُويتِها. وتابع حتى لا يكونَ هذا الكلامُ مجردَ تنظير أو توصية، فقد شَرَعَ الأزهر الشريف فى اتخاذ خطوات عملية فى هذا الصدد، فى مبادرة لعلها تجد مَن يحذو حذوها؛ حيث اعتمد الأزهر مقررًا دراسيًا يدرس بدايةً من المرحلتين الإعدادية والثانوية فى التعليم ما قبل الجامعى وصولًا إلى مرحلة التعليم الجامعى، ولا شك أن هذا المقرر سيؤتى ثمارَه المرجوة خاصةً إذا عُرف أن مجموع الطلاب المستهدفين سنويا يزيد على مليونى طالب. وأوضح أن هذا المقرر سيُعنى بالتأصيل التاريخى لفلسطين العربية، وبيانِ المكانةِ الدينية للقدس الشريف مهدِ المسيح عيسى عليه السلام ومسرى محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومعراجِه، والتأصيلِ التاريخى للصراع العربى الإسرائيلى بدايةً من زرع هذا الكيان الصهيونى اللقيط فى منطقتنا تنفيذًا لوعد مشئوم قبل مائة عام. وأكد شومان سنعلِّم أبناءنا وبناتِنا أن القدسَ بأرضِها، وبيوتِها، ومَعالمِها، ومآذنِها، وكنائسِها، وأقصاها، وقُبةِ صخرتِها، كانت وما زالت وستبقى عربيةً عاصمةً أبديةً لدولة فلسطين، ولن يغير قرارُ ترامب ومسايرةُ بعضِ الدول مجهولةِ الموقع على خريطة العالم له من هُوية القدس وتاريخِها شيئًا، ولعل الصفعةَ التى تلقاها القرار فى الهيئات الأممية والمؤسسات الدولية خيرُ شاهد على ذلك. وشدد مدير المركز الكاثوليكى للإعلام بلبنان، على أن «مؤتمر الأزهر العالمى لنصرة القدس» يشكل مبادرة كريمة طيبة من مبادرات الأزهر الجليلة؛ لتجسيده الوحدة حول قضية القدس، سائلًا الله أن يعزز هذه الوحدة لما فيها حماية المدينة المقدسة وحفظ هويتها الروحية التاريخية خدمة للسلام الإقليمى والدولي. وأوضح أن الكنيسة تجد نفسها معنية بتوظيف وسائل الإعلام فى سبيل العدالة والسلام وإظهار الحقيقة وتبنى الدفاع عن قضايا الحق والضعفاء والمستضعفين. وقدم خطة من أجل استعادة الوعى الإعلامى بتاريخ وهوية القدس، تتضمن محورين، الأول قصير المدى، ويشمل برامج إعلامية خاصة بمدينة القدس تاريخًا وهوية، وإطلاق لقاء مفتوح على وسائل التواصل الاجتماعى، وإقامة أيام إعلامية دورية فى مختلف وسائل الإعلام، وإقامة مؤتمرات إقليمية ودولية حول القدس. وأوضح أن الخطة بعيدة المدى تركز على ضرورة التواصل مع وسائل الإعلام الغربية واختراق السيطرة الصهيونية عليها، وخلق قوة إعلامية عربية ضاغطة على الرأى العام العالمي. وقال مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن واجبنا كعرب ومسلمين أن نعزز صمود القدس وأن نساعد أهلها المقدسيين لإبقائهم فى مكانهم، مؤكدًا أن الشعب الفلسطينى قادر على أن يخلق أنماطا وصورا جديدةً من المقاومة الشعبية، وقد فعلها بالفعل. وأوضح رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، كنا نحسب أن الولاياتالمتحدة شريك فى الحرب على الإرهاب، ووسيط نزيه يمكن أن يصنع السلام فى المنطقة ثم ظهر أن ذلك كان مجرد أضغاث أحلام. وأكد مكرم، أن المهمة الآن ألا نفزع كما فزع جيل النكبة خوفًا من عصابات اليهود؛ بل نثبت فى أرضنا ونتشبث بها فإما النصر وإما الشهادة، مذكرًا بما قاله الإمام الأكبر من أن كل احتلال إلى زوال وكل قوة غاشمة لا بد لها من نهاية.