لم يبق لنا نحن المصريين إلا أن نجهز على دولتنا ونبقى بجوارها نبكي على أطلالها، وهذه هي رصاصة الرحمة التي تحتاجها البلاد في ظل الوضع الحالي بعد أن قاربت تشرف على الهلاك والخراب بيد أولادها الأبرار سواء من المعارضة أو النخبة الحاكمة. وكل ما يخيفني أن يبقى الجميع على موقفه فيتحول الوضع السيئ إلي الأسوأ، عندئذ فلن يبقى لنا إلا أن نأكل لحوم بعضنا البعض كما حدث في بلادنا المحروسة أثناء ما يعرف باسم “,”الشدة المستنصرية“,” عام 595 هجرية، في عهد المستنصر بالله الفاطمي. حيث أكثر المؤرخون من رواية حوادث قاسية، فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها. وذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها. وهرب كثير من المصريين الأحياء إلى الشام والمغرب والحجاز واليمن وتفرقوا في البلاد، ودخل القاهرة كثيرون من أبناء الريف اشتد بهم الجوع حتى إذا جاء رمضان سنة 595ه، كانت المجاعة على أشدها والمآسي التي تحدث بسببها لا يصدقها عقل. ويروي عبداللطيف البغدادي في كتابه “,”الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث“,”، أن أهل مصر وصل بهم الأمر إلى أن أكلوا أطفالهم، فكثيرًا ما يعثر عليهم ومعهم صغار مشويون أو مطبوخون فيأمر صاحب الشرطة بإحراق الفاعل لذلك والآكل، ورأيت صغيرًا مشويًا في قفة وقد أحضر إلى دار الوالي ومعه رجل وامرأة زعم الناس أنهما أبواه فأمر بإحراقهما“,”. ولكي لا تتكرر مثل هذه الكارثة، لا يبقى لنا إلا أمل واحد أن نقف سويًا في وجه هذه المخاطر المحدقة بنا، وندعو الله أن يسلم مصر من أعداء الخارج المتربصين، ومن جهل وحماقة الأخوة الأعداء في الداخل.