باكستان فى مواجهة التنظيمات الإسلامية، هكذا أصبح حال تلك الدولة الآسيوية منذ عشرات السنين بداية من حركة طالبان مرورا بتنظيم القاعدة ثم داعش، وأخيرا مع «الصوفية»، وذلك بعد أن وجدت نفسها فجأة فى مواجهة جديدة، ولكن من نوع مختلف، وتحديدا مع «الصوفية»، الذين طالما عرف عنهم التسامح ونبذ العنف. ولعل ما يزيد من خطورة هذا التطور، أن تلك الدولة الآسيوية تخوض بالفعل حربا شرسة ضد الإرهاب، فلم يعد يقتصر الصراع على «طالبان باكستان»، وتنظيم القاعدة، وجماعات منشقة عنهما، وإنما امتد أيضا ليشمل تنظيم «داعش». فعلى عكس الموروث الثقافى العربى القائل: «إن الصوفية هى الحليف الأول لمختلف الحكومات»، تعتصم جماعة صوفية تدعى «لبيك يا رسول الله» منذ بداية نوفمبر على مشارف العاصمة الباكستانية إسلام آباد، مطالبة بإقالة وزير العدل، زاهد حامد. تنظيم داعش الإرهابي « داعش».. موحد الإرهابيين نفذ 657 هجومًا إرهابيًا أسفر عن مقتل 907 أشخاص وإصابة 1543 آخرين دخل تنظيم داعش الإرهابى أيضا على خط المواجهة فى باكستان، ونفذ العديد من الجرائم الوحشية هناك، إذ نفذ أكثر من 50 عملية إرهابية. وأعلنت العديد من الجماعات المتطرفة مبايعتها لداعش فى باكستان، منها كتيبة «أبطال الإسلام» وهى جماعة متشددة وقامت بمبايعة داعش فى سبتمبر عام 2014، بعدما انشقت عن تنظيم القاعدة، ويرأس التنظيم أبويزيد عبدالقاهر خراساني، وأعلن البيعة على لسان الناطق الرسمى «أبودجانة الأفغانى» وهو مغربى الأصل. ومن ضمن الجماعات الأخرى التى بايعت داعش جماعة «أنصار التوحيد» فى الهندوباكستان، وهى جماعة متشددة غير معروفة تعمل من باكستان، وقامت بمبايعة التنظيم فى أكتوبر عام 2014، ودعت لشن هجمات على غير المسلمين فى منطقة جنوب آسيا، ردًا على غارات التحالف الدولى ضد تنظيم داعش فى سوريا والعراق، وزعيمها هو عبدالرحمن الندوى الهندي. وهناك أيضا «حركة أوزبكستان» وهى جماعة تنتشر بين باكستانوأفغانستان، وأعلنت دعمها لداعش فى أكتوبر عام 2014، وتتكون هذه الحركة المتشددة من خليط من العرب والباكستانيين والشيشان والروس والأوكرانيين والقيرغيز والأوزبك والطاجيك، وزعيم الحركة هو عثمان غازي. ومن ضمن الجماعات الإرهابية التى بايعت داعش أيضا «جماعة الأحرار»، وهم مجموعة من المتشددين من قادة حركة طالبان باكستان بينهم المُتحدث باسم الحركة شهيد الله شهيد، انشقوا عن الحركة وبايعوا داعش فى أكتوبر 2014. ومن بين قيادات طالبان الذين أعلنوا الولاء لداعش أيضا، أمراء كل من مقاطعة أوركزاى سعيد خان، ومقاطعة كرم دولت خان، ومقاطعة خيبر فاتح جل زمان، ومقاطعة هنجو خالد منصور، ومدينة بشاور المفتى حسن. وفى 25 أكتوبر 2017 أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الهجوم الانتحارى على أكاديمية للشرطة فى مدينة كويتا الباكستانية، قتل فيه مسلحون ملثمون ما لا يقل عن 59 شخصا وأصابوا أكثر من100. وفى أغسطس 2017 أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن هجوم على مدنيين أمام مستشفى فى كويتا، مما أسفر عن مقتل 70 شخصا، وفى نفس الشهر، قام بهجوم مزدوج فى سوق مزدحمة، فى باراشينار، مع اقتراب عيد الفطر، مما أدى إلى مقتل 39 شخصا، وإصابة أكثر من 200 آخرين. وفى 5 أكتوبر 2017 قتل التنظيم المتطرف أكثر من 18 قتيلًا فى هجوم انتحارى على مزار صوفى باكستاني، ووقع الحادث فى منطقة جنداوا فى إقليم بلوشستان الواقع على الحدود مع إيرانوأفغانستان، ووفقا لدراسة بحثية باكستانية وقع 657 هجوما إرهابيا، منها 41 ضد الشيعة، عام 2016، مما أسفر عن مقتل 907 أشخاص وإصابة 1543 آخرين، وتسببت فى خسارة بمليارات الدولارات. حركة لبيك يا رسول الله اقتراح برلمانى يشعل الأزمة.. واشتباكات دامية بين الشرطة وحركة «لبيك يا رسول الله» الحركة تنتمى للطريقة «البريلوية».. وتتبنى التصعيد ضد أى متطاول على «النبى» بدأت القصة فى أكتوبر الماضي، عندما حل الوزير موضع الأزمة ضيفًا على جلسة برلمانية طالب فيها بتعديل الفقرات الأولى والثانية والثالثة من قانون معنى بنص القسم البرلماني، وخص المقترح المثير للجدل المقدم من الوزير، تغييرًا يمس الإقرار بكون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، إذ استخدم كلمة «أعتقد» بدلًا من «أقسم رسميًا». وتسبب المقترح فى ضجة واسعة داخل المجتمع الباكستاني، ما دفع باتجاه الإبقاء على النص القديم من القسم البرلماني، فيما اعتذر الوزير الباكستانى عن ما أسماه «خطأ غير مقصود»، إلا أن الضجة لم تهدأ على الأقل فى الوسط الصوفى، الذى خرج منه جماعة تدعى «لبيك يا رسول الله» -تعرف بغيرتها على الرسول- حشدت 2000 من مؤيديها بين العاصمة إسلام آباد ومدينة روالبندى شمال شرقى باكستان، وأغلقت الطريق السريع للعاصمة الباكستانية، كان ذلك فى الثانى من نوفمبر، حيث اتهمت الحركة الوزير بالتجديف عمدًا والتطاول على الرسول من باب إرضاء الجماعة القاديانية «تؤمن بميرزا غلام أحمد رسولا بعد محمد بن عبدالله»، ودخلت الحركة فى اعتصام حتى الآن تخللته اشتباكات مع الشرطة الباكستانية، السبت 25 نوفمبر، وأدت لوفاة 6 من المعتصمين، كما طالبت الحكومة بتدخل الجيش لفض الاعتصام، بعدما اعتبرت المحكمة العليا فى إسلام آباد الاعتصام «عمل إرهابى مخالف للقانون». من هى جماعة «لبيك يا رسول الله»؟ تسيطر باكستان على أغلب عناوين الأخبار القادمة من القارة الآسيوية المعنية بقضايا الإرهاب، لهذا السبب تصنف فى المخيلة العربية كإحدى أخطر البؤر على مستوى العالم، إلا أن غير المعروف عنها، أنها ذات توجهات صوفية. هذا الوجه المتصوف تناولته الصحفية الأمريكية سابرينا تافيرنيزى، فى مقالة بعنوان: «الصوفية لا تزال تجد متنفسًا فى باكستان»، وتقول فيها: «ربما يصاب الذين يعتقدون أن النهج السائد من الإسلام فى باكستان هو النهج المتشدد بحالة من الدهشة خلال هذا الاحتفال السنوى للطرق الصوفية، فقد شهدت مدينة «لاهور»، الواقعة شرق باكستان، هذا الشهر، تدافع آلاف المسلمين الذين قدموا من جميع أنحاء البلاد للاحتفال بمولد شيخ الصوفية، بالرقص ودق الطبول وطهى الطعام، ربما لا تكون هذه هى الصورة النمطية المرتبطة بأذهان الكثيرين عن باكستان، التى يسيطر إقليمها الحدودى الشمالى الغربى على عناوين الأنباء، لكنها مع ذلك مكون مهم من الصورة التى يمارس بها الإسلام هنا فى باكستان، وتقليد يمتد بجذوره إلى ألف عام فى جنوب آسيا». إنها الصوفية، تلك الصورة الروحية من الإسلام التى انتشرت فى جنوب آسيا عبر علماء رحالة من شبه الجزيرة العربية نشروا الدين فى شرق آسيا وجنوبه، حاملين معهم قيم المساواة التى لاقت قبولًا بين هذه المجتمعات الفطرية التى مزقتها «الفرقة والفقر». ومن بين هذه الجماعات حركة «لبيك يا رسول الله» المتزعمة لاعتصام الصوفية فى باكستان، ويتلخص هدف الحركة فى إقامة دولة تطبق بها الشريعة الإسلامية فى باكستان، ولكن ليس على النهج الأصولى الذى ترفعه الجماعات المتطرفة، إذ ترى الوصول لهذه الدولة يكون من خلال القانون وعملية سياسية متأنية. تنحدر «لبيك يا رسول الله» من الطريقة البريلوية الصوفية، ونشأت فى أغسطس 2015 فى مدينة كراتشي، جنوبىباكستان، كحركة اجتماعية سياسية، وأخذت الحركة من الطائفة البريلوية التحيز للرسول، والتصعيد ضد أى طرف ترى أنه تطاول عليه أو يمهد لأى عمل يخالف الشريعة الإسلامية. أعمال الشغب التنظيمات المتطرفة.. العدو الأول ل«إسلام آباد» تصفية 2255 إرهابيًا والقبض على 4388 وإعدام 450 خلال عامين وتعد باكستان من أهم الدول التى يرتكز فيها تنظيم القاعدة، وكانت مكان اختباء الزعيم الروحى للتنظيم أسامة بن لادن قبل مقتله، وهناك العديد من الجماعات المسلحة التى أعلنت بيعتها للقاعدة منذ التسعينيات. ويحاول تنظيم «القاعدة» فى باكستان العمل للحفاظ على نطاق نفوذه هناك، كما أسس التنظيم «القاعدة فى شبه القارة الهندية» فى سبتمبر 2014، وعين «عاصم عمر»، وهو جهادى مخضرم من أصول هندية، أميرًا وهو أمر غير مألوف فى تنظيم «القاعدة» الذى يهيمن عليه العرب، وظهر الزعيم الحالى للتنظيم أيمن الظواهرى إلى جانب عاصم عمر فى رسالة عبر الفيديو، رسمت الفرع الجديد للتنظيم، مؤكدًا مواصلته السيطرة على شئون «القاعدة». ويواجه تنظيم «القاعدة» تحديًا كبيرًا يتمثل فى أعداد ملحوظة من أبرز قادته، إما قتلوا فى غارات أمريكية فى باكستان، أو اعتقلتهم الحكومة الباكستانية، وقد دعمت أزمة القيادة الناتجة عن ذلك، مكاسب «داعش» فى باكستان، إلى جانب قدرة الأخير على جذب مجندين جدد. جماعات مسلحة أخرى وبجانب طالبان باكستان، توجد العديد من الجماعات المسلحة المتشددة الأخرى، التى تتبنى العديد من العمليات الإرهابية، ويأتى فى مقدمتها تنظيما «القاعدة وداعش»، وغيرها، والتى تشن هجمات متنوعة على القوات الحكومية والمزارات الصوفية. الجماعات المسلحة هناك، هى جماعات منشقة عن حركة طالبان الباكستانية، ولديها درجات متفاوتة من الولاء لقادة حركة طالبان الأفغانية، لا سيما الملا عمر، ولكنها تشترك جميعًا فى الهدف العام المتمثل فى تطبيق حكم الشريعة الإسلامية فى باكستان، وطرد القوات الأمريكية من المنطقة، ومنها: جماعة الملا نذير وتعمل فى جنوب وزير ستان، وتستهدف الجيش الباكستاني، والقوات الأمريكية فى أفغانستان. جماعة تركستان بيتانى وتعمل فى جنوب وزير ستان، وتحارب حركة «طالبان باكستان» بعد انفصالها عن حليفها السابق بيت الله محسود فى 2007، كما يعتقد أنها تستهدف أحيانًا القوات الأمريكية فى أفغانستان، ولكن ليس الأفراد العسكريون أو المدنيين الباكستانيين. شبكة حقانى تعمل فى شمال وزيرستان، وتستهدف القوات الأمريكية فى أفغانستان، وتتلقى دعمًا من تنظيم القاعدة والمقاتلين الأجانب، ولها علاقات مع الملا عمر، ولكنها تضع الخطط الاستراتيجية بشكل مستقل. مجموعة غول بهادور تعمل فى شمال وزيرستان، وتستهدف القوات الباكستانية فى شمال وزيرستان والقوات الأمريكية فى أفغانستان. عسكر الإسلام تعمل فى منطقة خيبر، وتستهدف المدنيين الباكستانيين، وتتلقى دعمها من الطائفة الديوبندية المسلمة المتشددة، وتخوض المجموعة معارك ضد خصومها المتشددين للسيطرة على منطقة خيبر. زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى «القاعدة».. بداية الانهيار استهداف قياداته تسبب فى تراجع ظهوره على الساحة الباكستانية كتب- وليد منصور تعتبر باكستان من أكثر الدول تعرضا للإرهاب فى العالم، وتزايدت أعمال العنف فيها بعد أحداث سبتمبر 2001، وفى مؤشر الإرهاب العالمى احتلت باكستان المركز الخامس فى العالم، حيث بلغ عدد القتلى 956 حالة فى 736 حادثة إرهاب العام الماضى فقط 2016، وتبنت «داعش» العديد من تفجيرات المساجد الشيعية هناك. ويعد 16 ديسمبر 2014 من أسوأ أيام باكستان، عندما قتل أكثر من 150 شخصًا فى هجوم إرهابى على مدرسة الجيش العامة فى بيشاور، وكان أغلبهم من الأطفال الأبرياء، ووفقًا للإحصائيات الرسمية الباكستانية، فإن 2255 إرهابيا لقوا مصرعهم، وقبض على 4388 مسلحا خلال العامين الماضيين، وحكم على 450 منهم بالإعدام. وتخوض تلك الدولة حربًا معلنة مع حركة طالبان باكستان وغيرها من الفصائل والجماعات المتشددة، وتعيش تحديات صعبة بسبب استمرار هذه الحرب لفترات طويلة وتسببها بخسائر اقتصادية وبشرية كبيرة، إذ بلغت خسائرها 80 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى مقتل 50 ألفًا من المدنيين منذ عام 2001. طالبان باكستان تعتبر حركة «طالبان باكستان» المتشددة طرفا أساسيا فى الصراع مع الحكومة المركزية الباكستانية، ومن بين ما تقوم به، المواجهة مع الجيش الباكستاني، وتزعم أنها تسعى لفرض تطبيق الشريعة فى باكستان. وشكلت مجموعة متشددة بقيادة بيت الله محسود «طالبان باكستان»، التى تعمل انطلاقًا من قواعد فى المنطقة القبلية فى جنوب وشمال إقليم وزيرستان على الحدود مع أفغانستان. وكان ظهور الحركة فى 2002، حين قام الجيش الباكستانى بفرض سيطرته على منطقة القبائل، بغرض وقف تنقل المسلحين على الحدود مع أفغانستان، وفى 2007 أعلن تشكيل تلك الحركة رسميا بقيادة بيت الله محسود. وتقود الحركة تقليديًا عمليات مسلحة فى مختلف أنحاء الشمال، وبعد وفاة زعيمها بيت الله محسود فى غارة أمريكية أغسطس 2009، أصبح زعيمها الجديد حكيم الله محسود، يعمل بشكل رئيسى فى موطنه الأصلى بمنطقة أوراكزاي، واستهدفت الحركة فى البداية الجيش الباكستاني، ولكنها سرعان ما استهدفت المدنيين، وعادة ما تنفذ تفجيرات انتحارية فى الأسواق. ويقدر عدد المقاتلين فى صفوف الحركة ما بين 30 و35 ألف مسلح، معظمهم من خريجى ومنتسبى المدارس الدينية، التى تتبع ما يعرف بالمدرسة الديوبندية، التى تدرس فقه الإمام أبوحنيفة. ورغم احتفاظها حتى الآن باسم حركة طالبان باكستان فى وسائل الإعلام، إلا أنها غيرت اسمها إلى «مجلس شورى المجاهدين» يوم 23 فبراير 2009.