من المسائل الجديرة بالدراسة، شريطة أن تكون على قواعد العلم وبعيداً عن المنازلات السياسية والدعائية، ما يفعله شباب وفتيات جماعة الإخوان فى الجامعة، حيث الدليل الدامغ على الهيمنة غير العادية للتنظيم على عقل وسلوك الجيل الصاعد فى الجماعة، الذى هو قيادة الجماعة بعد سنوات قليلة، وهذا يفتح المجال لأسئلة متعددة عن هذا الجيل فيما يخصّ عدداً من المجالات مثل: طبيعتهم الذهنية والنفسية، والنشأة الاجتماعية، ونوع المواد الدراسية التى تخصصوا فيها ومستويات الأداء ومدى التحصيل العلمى، وعن أساليب تجنيدهم فى الجماعة والبرامج التثقيفية التى يتلقونها، وعن سبل التحريض والشحن المتبعة التى تجعل كل واحد منهم ينصاع ويتفانى إلى هذا الحد لمثل هذه التعليمات، برغم غرابتها غير المسبوقة والشطط الذى تذهب إليه بالهدم والتخريب فى المنشآت والمعدات، والتحلل من الذوق والكياسة فى التعامل مع الأساتذة والعمداء، وإشهار التحدى والبغض لرموز الوطن، حتى أنهم عبثوا بالأغنية الوطنية "يا أغلى إسم فى الوجود، يا مصر!"، وغيروا الكلمات ليؤكدوا على أنهم يزدرون فكرة الوطن ولا يهابون من المجاهرة بذلك، بل إنهم قد يناصبونه العداء فى حال الخلاف فى أمور السياسة!! أدنى قدر من الوعى لدى أى واحد من المشاركين فى هذه الأفعال يجعله يتوقع، وفق القواعد والقوانين المعمول بها، عقاباً شديداً سواء من خلال مجالس تأديب الجامعة، أو بالمساءلة القانونية أمام القضاء، إلا أن روح الاستشهاد تتلبسهم وتعمى البصر والبصيرة عن إدراك المخطط المرسوم من الجماعة والذى يُنفذّون هم بعض خطواته، والذى من أهم أهدافه التضحية بهم فى صدامات مع الدولة تجبرها على مواجهتهم ومعاقبتهم، لتتحقق الخسارة التى تمسّ مستقبل شباب فى مقتبل العمر، بما يوفر للجماعة مادة ميلودراماتيكية مسجلة بالصوت والصورة تستدر الدموع، تسجل بها الجماعة بعض الأهداف الصغيرة بالعمل على تشويه الثورة التى قام بها الشعب ضدهم، وبادعاء أنها ليست ثورة شعبية وإنما هو انقلاب عسكرى دامٍ ضد ما يصرون على تسميته بالشرعية! ويرى البعض أن دفعهم بالأمور إلى هذا السقف قد يوفر لهم أوراقا تساعدهم على تحسين شروط التفاوض على ما سيكون عليه مستقبلهم! والدليل المباشر الواضح على أن هذا مخطط مرسوم، هو أن هذا الأداء من شباب الإخوان مُسْتَجَد، كما أن أحداً لم يتوقعه على الأخصّ من فتياتهم، ولم يُشاهَد له شبيه فى السنوات والعقود الماضية، ثم أن تجيئ الأفعال فى شكل ظاهرة تمشى وفق تصور واحد، ينفى عنها الارتجال أو الاجتهاد من المشاركين فيها، وكأن الأمر كان مُعَدّا سلفاً فى مثل الحالة التى وجد الإخوان أنفسهم فيها بعد أن نجح الشعب فى الإطاحة بحكمهم! وتتجلى أهمية دراسة هذا الموضوع من أن هؤلاء الشباب هم الباقون خلال السنوات المقبلة التى يصعب تقدير مداها الزمنى، وستنتقل إليهم قيادة الجماعة إما بحكم مرور الزمن وغياب المسئولين الحاليين، أو لأن المرجح أن السجون سوف تغيب عددا من هؤلاء القيادات ممن تورطوا فى أحداث العنف والقتل واستغلال النفوذ والعدوان على أجهزة الدولة السيادية..إلخ، كما أنه سيكون من الخطأ الجسيم افتراض أن هذا الجيل الشاب سوف يتلاشى بعد هذه الهزيمة التى حاقت بالجماعة، بل من المهم التعامل مع كل الاحتمالات، والتى من أكثرها ترجيحاً استمرار هذا الفكر طويلاً فى المجتمع المصرى. ولكن، هل سيسير هؤلاء الشباب مستقبلاً على نهج أساتذتهم؟ مثلاً: هل سيعتمدون الكذب والخديعة خطاباً يومياً مع الشعب ومع القوى والتيارات السياسية الأخرى؟ هل سيصرون على الالتواء وادعاء نبذ العنف فى الوقت الذى يدربون فيه أتباعهم على المواجهات المادية بالعضلات والسلاح ضد المنافسين السياسيين؟ هل سيبقون على جناح سرى للعمليات القذرة ضد مناوئيهم من السياسيين العزل؟ هل سيستمرون فى علاقاتهم السرية مع التنظيم الدولى حيث يُبت فى شأن الوطن من الخارج؟ هل سيحرصون على كتمان مصادر تمويلهم؟ هل سيقاومون الخضوع مثلهم مثل نظرائهم للقانون والرقابة؟ هل سيبقون على الشعوذة التى تخلط الدين بالسياسة؟ هل سيلجأون إلى تكفير المخالفين معهم فى أمور الدنيا والحياة اليومية؟ لو سار الجيل الجديد على نهج أساتذته، فلن يكون هذا أفضل الخيارات لا فى صالحهم ولا فى الصالح العام، كما أن الدراسة المأمول أجراؤها لن تحل وهدها المشاكل ولن تجدى إذا لم تؤخذ بالجدية التى يمكن أن تقى الوطن من مخاطر محتملة. ومن المؤكد أن العلم يمكنه أن يتوصل إلى احتمالات المستقبل فى مثل هذه الموضوعات، ولكن هذا وحده لا يكفى، فقد قام الدكتور سعد الدين ابراهيم بإجراء دراسة جادة فى السبعينيات من القرن الماضى على المحبوسين من تنظيمى التحرير والتكفير والهجرة الذين أدينوا فى جريمتى اقتحام الكلية الفنية العسكرية واغتيال الشيخ الذهبى، وقد اعتمدت الدراسة عدداً من المناهج منها المقابلة الشخصية، وبعد تحليل دقيق خلُصت الدراسة إلى أن الاتجاه العام لدى هؤلاء الشباب الذين كانوا قابعين وراء الأسوار هو إلى مزيد من التطرف، وأن تفكيرهم آنذاك كان فى اغتيال الرئيس أنور السادات، وقد نُشرت الدراسة فى نهاية السبعينيات، ولم يهتم بها أولو الأمر، فنجح المتطرفون فى مسعاهم! [email protected]