مع صباح كل يوم يبحر الصيادون بمدينة طلخا فى محافظة الدقهلية فى نهر النيل بحثًا عن قوت يومهم، إلا أن قلة الرزق وضيق الحال، جعلهم يعيشون معاناة كبرى، بعد اختفاء الزريعة السمكية وندرة الأسماك النيلية. «8 ساعات» كانت عمر رحلة «البوابة» مع عدد من صيادى النهر بمدينة طلخا ومعايشة واقعهم بدءًا من السادسة صباحًا وحتى الثانية ظهرًا، بداية من تجهيز القارب، والشباك والأدوات، حتى تبدأ رحلة البحث بإلقاء الشباك بالمياه، والضرب فيها بعصا غليظة حتى يفر السمك جهة الشباك، والتى تبدأ المأساة مع انتهاء جمعها، ففى كل مرة تخرج عدة أسماك قليلة، وربما بعضها صغير الحجم. نصر فاروق، صياد 47 سنة، مقيم بمدينة طلخا، اصطحبنا معه داخل النيل برفقة نجله محمد، بقارب لم يتجاوز المترين، وطيلة الثمانى ساعات لم يكن الرزق كافيًا أن يقضى له احتياجاته اليومية من مصروفات «الرزق قل يا بيه ومنهم لله مسئولى حماية النيل كراكتهم خربت البحر». يقول نصر: «أعمل فى المهنة منذ 30 عامًا وكانت مصدر رزق وخير لنا ولجميع الصيادين بتلك المنطقة، ولكن بدأ الرزق يتناقص حتى اختفت الأسماك وأصبح معدل الصيد لا يتجاوز العشرة كيلوات، وتابع نصر والدموع تنهمر من عينيه حزنًا: «نفسى أفرح ببناتى وأسترهم قبل ما أموت، الرزق مبقاش كافى وبناتى مش قادر أجهزهم، ويا ريتنى كنت أفهم فى مهنة أخرى كانت ساعدتنى». وأضاف نصر: فى السابق كانت تأتى لجان من وزارة الزراعة معنية بزيادة الثروة السمكية وتنميتها وإلقاء الزريعة السمكية من حين إلى آخر، للمساهمة فى زيادة عدد الأسماك النيلية وبأنواع مختلفة، إلا أن هؤلاء المسئولين اختفوا تمامًا منذ عام 2010، مما ساهم فى قلة الأسماك بشكل كبير. وأوضح الصياد، أن مطاردات الحكومة للصيادين أصبحت أحد عوامل التطفيش المتبعه تجاهنا، بدءًا من وقف إصدار الرخص لصغار الصيادين بالنيل، ونزول كراكات إزالة النسيلة التى كانت تنبت بمياه النيل، وتساهم بشكل كبير فى زيادة عدد الأسماك نظرًا لتجمع الأسماك حولها للحصول على غذاء. أما نجله محمد نصر، فيلتقط أطراف الحديث بنبرة من الحزن، ليؤكد «معرفتش فى حياتى مهنة غير دى ودلوقتى بقت بتغنى عن الشحاتة، أو نمد أيدينا للناس ومبقناش قادرين نوفر متطلبات حياتنا». وتابع الشاب العشرينى، قائلًا: «تركت المدرسة فى مرحلة الإعدادية بناء على طلب والدى لمساعدته على توفير نفقات الأسرة، وبدأت عملى بمجال الصيد على متن القارب الذى يمتلكه والدي، وكنت أمر بحالة من البهجة والسعادة حينما أعود برزق كبير نقوم ببيعه، أما فى الوقت الراهن فأصبحنا لا نستيطع إيجاد ما يكفينا يوميًا. فيما عاود نصر مواصلة حديثة مطالبا الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالنظر بعين العطف والرحمة إلى الصياد الحر بالنيل، ووضع آليات جديدة تعمل على تنمية الثروة السمكية بنهر النيل، وإيجاد وسائل بديلة للتطهير بديلًا عن الكراكات التى تطفش الأسماك، وتموت الزريعة واليرقات الصغيرة. وخلال جولتنا داخل نهر النيل، أكد عماد حمدي، 26 سنة، صياد، هو الآخر أن ممارسات جهاز حماية النيل بسبب الكراكات هى السبب فى قلة الأسماك حاليًا. وعن سبب إصراره على العمل بتلك المهنة قال: «مينفعش أسيب مهنتى أنا حبتها علشان ورثتها من جدودي، ولم أرتح فى أى مهنة أخرى، ورغم أننى حاولت بسبب ضيق الحال العمل على توك توك، ولكن عدت إلى مهنتى «الصيد»، وقررت أن أستكمل باقى حياتى أملا فى أن يعود الازدهار إليها من جديد». وعن أسباب ارتفاع أسعار الأسماك فى الوقت الراهن، أكد أن أدوات الصيد أصبحت أسعارها مرتفعة للغاية نظرا لارتفاع سعر الرصاص والشباك. وأشار إلى أن التدمير المستمر لنهر النيل بسبب ظهور الكراكات التى تعمل على إزالة النسيلة من المياه، أدى إلى اختفاء أنواع عدة، أهمها أسماك الشفاء، والراي، والمبروكة والبياض، مؤكدا أن السمك البلطى أصبح الوحيد فى النيل وقليل.