تجربة إبداعية متجاوزة للنوع.. هو التوصيف الذي يمكن الإشارة به إلى كتابات الشاعرة والروائية الإماراتية "ميسون صقر"، والتي تعيش منذ صغرها متنقلة بين القاهرة والإمارات، وصدر لها العديد من الدواوين، وحازت مؤخرًا جائزة كفافيس في الشعر، وقد صدر لها 12 ديوانًا من أبرزها: "الآخر في عتمته" "هكذا أسمى الأشياء"، "جريان في مادة الجسد"، "البيت.. رجل مجنون لا يحبني" وصولا إلى ديوانها الأخير "جمالي في الصور" لم تتوقف ميسون أمام الشعر كلون أدبى وحيد ترتاد آفاقه، فخاضت مجال السرد والحكي في رواية وحيدة هي "ريحانة"، إضافة إلى سبعة معارض للفن التشكيلي أقيمت في عدة دول عربية وأوروبية، كما كانت لها عدة تجارب مع الأطفال، وفيلم تجريبي بعنوان "خيط وراء خيط ". التقتها البوابة نيوز للوقوف على تجربتها، ومسيرتها مع الإبداع والكتابة، فكان هذا الحوار في البداية سألناها عن فوزها بجائزة كفافيس مؤخرًا، وكيف تلقت خبر الفوز بالجائزة لهذا العام؟ لم يكن حصولي على جائزة "كفافيس" السابقة الأولى من نوعها لي، كما تتناقل بعض المواقع الإخبارية على الشبكة العنكبوتية، أي حصول أديب غير مصري على جائزة الشعر، فقد سبق وحصل عليها كل من محمود درويش، سعدي يوسف ونازك الملائكة، لكنها تعطى لشاعر مصري وشاعر غير مصري، ثم اقتصرت في السنوات الأخيرة على شاعرٍ واحدٍ كل عامين. هذا العام كان لجائزة كفافيس أكثر من فرع تمنح فيه فقد حصل محمد المنسي قنديل على جائزة الرواية، وحصلت أنا عليها في الشعر، كما حصل شاعر يوناني وشاعر مصري على الجائزة نفسها، كما أقيم معرضان للفن التشكيلي تحت عنوان "أنا وكفافيس". وعن رد الفعل المصري والعربي فقد كان جيدًا، وأسعدني للغاية، فقد هنأني المبدعون من المصريين والعرب، واحتفوا بي، وكانت هذه أكبر جائزة منحت لي في الوسط الثقافي المصري والعربي، ألا وهى "جائزة محبة الناس". جربت ميسون صقر عدة ألوان وأجناس أدبية ما بين الشعر والرواية والفن التشكيلي وتجربة سينمائية واحدة.. فأيها الاقرب إلى نفسك؟ أظن أن أساس كل هذه الطرق في التعبير الأدبي والفني كان الشعر، لأني أساسًا نشأت في بيت شعري، كان الوالد عماده ومن ثم كانت لدينا مكتبة تراثية وشعرية ضخمة، كانت اللبنة الأساسية والأولى في نشأتي، كما كانت الأمسيات الشعرية التي يقيمها الوالد، ويحضرها كثير من الكتاب العرب والمصريين، جزءا لا يتجزأ من هذه الثقافة الشعرية التي نشأت عليها، إضافةً إلى أني مؤمنة بتداخل الفنون، وأن منبعها اللحظة الإبداعية، لكن طرقها تختلف في وسائل التعبير. في ديوانك الأخير "جمالي في الصور"، تطغى بكثافة تجربتك مع شباب وطوائف الشعب المصري مختلفة الأطياف في ميدان التحرير، إبان ثورة يناير 2011، كيف ترصدين هذه التجربة الآن بعد ما يقارب الثلاث سنوات؟ لم أشارك فى ثورة يناير لسببين: أولهما أني كنت في هذه الأثناء أقوم بعملية جراحية في قدمي، لم تمكني من الوقوف أو الحركة، أما السبب الآخر فهو أنني كنت أراها ثورة مصرية خالصة من الشعب المصري تجاه التغيير والمطالبة بحقوقه المشروعة، لكني كنت أشارك فيها عن طريق الآراء والكتابة والمتابعة مثلى مثل كل من يحب مصر قلبا وقالبا، وما لفت نظري وعلق بذهني في هذه الثورة كان هناك مشهدان أساسيان، تلك الابتسامة على وجوه الموتى، ابتسامة خافتة مؤلمة بدت جليةً في صورهم، وهو ما جعلني أكتب "جمالي في الصور"، الجمال الذى تلتقطه العدسة في لحظات قد لا تكون جميلة أصلا، فكم من الصور الفوتوغرافية التي حصلت على الجوائز العالمية منها والمحلية، لكن كان موضوعها وأبطالها الموت..الوجع والألم. قديما كان الشعر ديوان العرب، فهل فقد عرشه بعدما صارت الرواية تتصدر اهتمام الكتاب والنقاد في الوطن العربي؟ وكيف ترى ميسون صقر تلك المقولة؟ تداول النقاد في الفترة الماضية فكرة أن الرواية هي ديوان العرب، وكان ذلك إجحافًا شديدًا للشعر الذي قد يكون قد فقد علاقته بالعامة، والمتلقي العادي، وعدم تواصله مع اللغة العربية، وعدم استطاعة الشعر أن ينتمي للمجاهرة والصوت العالي والمباشرة، خاصة الشعر الحديث، حيث الصوت الخافت والملتصق بفكرة التفاصيل الصغيرة ولغة الجسد وغير متواصل مع فكرة الموسيقى الخارجية ذات الرنين العالي التي قد تجذب كثيرا من المتلقين العاديين. إذًا العيب ليس في الشعر، ولكن في المتلقي الذى انفصلت لغته اليومية عما يُكتب وأصبح الشعر منعزلًا إلى حد ما مقصورًا على المثقفين. أما الرواية فهي أقرب إلى سرد الواقع، ومرتبطة بقضايا المجتمع المعيشية والحياتية اليومية، لغتها سهلة واقعية في صلب الحياة، مما جعلها أقرب إلى كل المتلقين ولها قطاع أكبر من التلقي عن الشعر. كيف ترصد ميسون صقر الواقع الثقافي العربي إثر ما سُمى بالربيع العربي؟ في هذه اللحظة يصعب علينا أن نقيم هذه الحقبة من تاريخ المجتمع العربي، لأننا الآن على فوهة بركان لا نعرف إلى أين ستصل بنا، جميعنا متشبث بالأمل، وراغبون في أوطان مستقرة تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة للمواطنين والاستقرار الأمني وتحقيق مفهوم الدولة، الدولة التي كادت أن ينفرط عقدها، لولا إرادة الشعب ووعيه في مصر، ووعي الشعب بأن الجيش هو عماد أي دولة، وأن أي دولة مستقرة آمنة لا بد ألا تكون ذات توجه لفئة وحيدة صغيرة على حساب المجتمع بأكمله. الأنظار كلها الآن متجهة إلى مصر، فهي مركز الثقل ورابطة العقد في المنطقة، والأحداث فيها سواء بالسلب أو الايجاب تؤثر في بقية دول الجوار من حولها. أخيرًا ما جديد الشاعرة: ميسون صقر؟ أحضر لرواية جديدة أكتب فيها منذ فترة طويلة كما أحضر لمعرض تشكيلي بالأبيض والأسود وأحتفى بالجائزة.