عُرف الراحل محفوظ عبدالرحمن بتوجهه الناصرى، وبالتالى اختلافه مع اسرة محمد على، فلم يكن من الغريب بالنسبة لشخص آمن بفكر عبدالناصر فى التحرر من قبضة العثمانيين والألبان والإنجليز، أن يعارض أسرة محمد على الذين استنزفوا ثروات مصر. ثبت «محفوظ» اسمه فى سماء الدراما العربية، بعد سنوات عديدة من التضييق الذى أجبره أن يسوق أعماله الدرامية خارج مصر؛ كان ذلك التضييق ناتجًا عن احتكار كل من يوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس لسوق الدراما والسينما فى ذلك الوقت، وكان عبدالرحمن وبعض النقاد يرون أن ظلهما ثقيل على المشهد، برؤيتهما القديمة التى تسببت فى ملل الجمهور؛ وأرجع ذلك إلى استسهال الروائيين وكتاب القصة مسألة كتابة السيناريو، وعدم إدراكهم أن هذا حقل مختلف تمامًا عن الكتابة الإبداعية، ويبدو أنهم تأثروا بالكاتب العالمى الراحل نجيب محفوظ الذى كان بالإضافة لكونه روائيًا عالميًا، سيناريست محترفًا. «محفوظ عبدالرحمن بدأ كتابة مسلسله الأشهر «بوابة الحلوانى» منذ الثمانينيات من القرن الماضى، والذى نتج عن رحلة بحث تاريخية طويلة قام بها «عبدالرحمن»؛ فكان يكره الخديوى إسماعيل المبذر الذى ورط مصر فى ديون لا حصر لها، ليفرغ من الكتابة بعد بحث طويل، ليس محبًا ولا مناصرًا للخديوى إسماعيل، وإنما ملتمسًا العذر له، ومضيئًا حول الظروف التى أحاطت بفترة حكمه، والتى دفعته إلى الإقدام على القرارات الجريئة التى إن ورطت مصر في جانب، فقد ساعدت على الازدهار من جوانب أخرى متعلقة بمستقبل الفترة، مثل قناة السويس، التى استهلك حفرها مبالغ طائلة اقترضها الخديو إسماعيل من إنجلترا وفرنسا، وراح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الذين عملوا بالسخرة. وقد عرض الجزء الأول لهذا العمل «بوابة الحلوانى» عام 1992، حيث لاقى نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ليفتح باب الجدل ليس فقط على مستوى كتاب الدراما والنقاد، وإنما للمؤرخين وأساتذة التاريخ الحديث، حيث من الصعوبة أن تفصل الجانب التاريخى فى أعمال محفوظ عبدالرحمن عن الجانب الدرامى، فهما ضفيرة متشابكة تتسم بالانسجام والترابط. توالت أعمال محفوظ عبدالرحمن بعد بوابة الحلوانى، حيث أصبح الاسم الكبير الذى لا يستطيع أى كاتب الاقتراب منه، وتخطى مرتبة أسامة أنور عكاشة بالنسبة للنقاد والمؤرخين وأوساط النخبة، كان دقيقًا فى اختيار أعماله، وحساسًا تجاه نفسية المشاهد، ودائما ما يعرف ماذا يقدم له. ولعل أبرز ما قدمه الكاتب محفوظ عبدالرحمن فى مسيرته الطويلة، والذى أسر به قلوب الجمهور، كان مسلسل «كوكب الشرق» من إخراج المخرجة إنعام محمد على، وبطولة صابرين، التى أبدعت فى آداء الشخصية، مع الاختلاف الشكلى والجسمانى بينها وبين السيدة أم كلثوم. رحل محفوظ عبدالرحمن، تاركًا فراغًا كبيرًا فى الدراما التليفزيونية، التى أصبحت سوقًا للرهانات تبتعد تمام البعد عن الدراما، وعن التاريخ وعن الفن.