كثيرون حكموا على أكشاك الفتاوى بمترو الأنفاق بشكل سريع، الأغلبية رافضة والأقلية مؤيدة ومدافعة عن الفكرة الجديدة. لم يتوقف الطرفان لرصد ظاهرة الإقبال على تلك الأكشاك وتحليل الأسئلة التى يتم الإفتاء حولها على غرار: مكانة مجدى يعقوب «المواطن المسيحى المصرى الأصل» فى الجنة أم فى النار؟ وهذا أمر غريب يجب التوقف أمامه. نحن أمام ظاهرتين.. أولهما الإقبال غير المتوقع على تلك الأكشاك، وثانيهما نوعية الأسئلة التى يطرحها الآن فى عام 2017 فى موضوعات وقضايا.. كنّا نظن أنها انتهت وحُسمت فى سياق دولة المواطنة المصرية، وهو ما يعنى أنه رغم وجود المواطنة فى النص الدستورى.. إلا أنها كمفهوم ومنظومة لا تزال خارج حيِّز التنفيذ فى المعاملات اليومية للمجتمع المصرى. وهو ما ينسحب على مكانة المرأة المصرية، وعلى مكانة ذوى الاحتياجات الخاصة، الذين لا تزال نظرة المجتمع والمؤسسات لهم نظرة تعاطف وشفقة، لا نظرة حق إنسانى أصيل. الأمر الآن أصبح أكبر من مجرد رفض أكشاك الفتوى أو الموافقة عليها. الأمر الآن مرتبط بشكل وثيق بالذهنية العامة لغالبية الشعب المصرى، والتشويه الذى حدث له سواء فى نظرته لنفسه ولوطنه، أوفى موقفه من المعاملات اليومية فى حياته بتفسيرات وتأويلات صحراوية وبدوية لا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد. والنموذج الواضح لذلك هو تراجع رجال الدين الإسلامى المصرى لحساب شيوخ «مستوردين» ليس لغالبيتهم سند فقهى أو علمى دينى، أو لصالح بعض الدعاة الجدد المرتبطين بأحد رجال الأعمال أو بأحد مقدمى «التوك شو».. ومنهم من يدعى الصوفية وغيره من يدعى الاهتمام بالتنمية البشرية. والمشترك بينهم جميعا هو انتشارهم على الميديا وعلى مواقع التواصل الاجتماعى. الدين لا يمكن أن يحل مكان الدولة لأنه يمثل قيمًا ومبادئ إنسانية عليا، كما لا يمكن أن تحل الدولة مكان الدين لأنها ترتكز على منظومة القيم والمبادئ التى تقرها الأديان، فى نشر العدالة والمساواة من خلال قوة النص القانونى وعدالة التشريعات الدستورية، دون إقصاء أو استبعاد أو تهميش لأى مواطن بسبب دينه أو نوعه الاجتماعى أو طبقته الاجتماعية أو درجته العلمية أو موطنه الجغرافى. الدين مكون رئيسى للوجدان المصرى على مر التاريخ، لا يمكن تجاهله أو تهميشه. ولكن يمكن الحفاظ عليه لنشر القيم والمبادئ فى إطار دولة القانون المصرية، وليس فى إطار برامج «التوك شو» أو جلسات القصور والمنازل التى بدأت تعود مرة أخرى بقوة. نقطة ومن أول السطر الدولة المدنية هى دولة القانون المصرية التى تحافظ على الدين فى سياق الثوابت الوطنية للدولة بعيدًا عن توظيف الدين للسياسة الذى يرسخ الدولة الفاشية الدينية، وبعيدًا عن توظيف السياسة للدين الذى يتم فيه تأويل النصوص الدينية لتنفيذ أهداف سياسية.