في مقهى "متاتيا" الواقع بين العتبة وميدان الأوبرا كان يوزع السعوط بيمينه والثورة بيساره. جمال الدين الأفغاني.. ذلك الغامض الذي تعددت الروايات والمصادر في نسبة أصله ومنشأه، هل كان ينتمي إلى أصل هندي، أفغاني، عراقي، إيراني، أم أنه نزح من استنابول؟ كما ذهب الدكتور لويس عوض في كتابه "تاريخ مصر الحديث.. المبحث الاجتماعي" وما بين الخلاف عليه وحول فكره والأسباب الرئيسية لمجيئه مصر، ومنها حبه للمتنزهات وأماكن التجمع العامة والملاهي، وقد عرف عنه حبه للكونياك في غير ترخص أو ابتذال، كما قال عنه معاصره الشيخ محمد عبده المفكر الحر المتفلسف، إلا أنه لم يبدأ نشاطه السياسي في مصر إلا عام 1877، والذي بلغ ذروته 1878وما بعد ذلك حتى طرده الخديو توفيق من مصر عام 1879. لكن ما دور الأفغاني في ثورة عرابي؟ ساير الأفغاني دعوة "مصر للمصريين" ليؤلب الناس على الحكومة الأوروبية، حكومة نوبار باشا اسمًا فقط، بينما الإدارة والفعل الحقيقي ل"ريفرز ويلسون الإنجليزي، ودي بليير الفرنسي" الممثلين لصندوق الدين والمراقبة الثنائية. خرج الأفغاني من دائرة النخبة المتعلمة المثقفة الضيقة، إلى دائرة الشارع المصري الأوسع والقاعدة الجماهيرية الأعرض انتشارًا، فألقى الأحجار في المياه الراكدة، وخطب في قاعة زيزينيا خطبة في النساء، جمعت ألوفا من "الفرنكات"، وزعت بإيماءة منه على الفقراء لاستمالتهم لدعوته الثورية. يقول عنه محمد عبده في كتابه "أسباب الثورة العُرابية": إن مصر ظلت رغم أن الخديو إسماعيل أقام برلمانا صوريا منذ عام 1866، تخضع للحكم الاستبدادي، ولكن درجة درجة منذ قدوم الأفغاني إلى مصر 1871وبفضل تعاليمه، انتشرت بين المصريين روح الثورة على حكوماتهم الاستبدادية فاستيقظت مشاعر وانتبهت عقول وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خاصةً القاهرة. وقد اشتهر الأفغاني بعدائه للإنجليز وبحملاته عليهم، ما أثر في إزكاء الروح الوطنية المصرية، إلى جانب دوره في دفع حركة الإصلاح الديني والاجتماعي في مصر وغيرها من البلاد الاسلامية، ففي مقالة منشورة له بجريدة "مصر"، بتاريخ 1879 يقول: هناك جملة من أسباب تحول دون مناقشة الشرقيين لموضوع الحكومة الجمهورية، ومن هذه الأسباب استبداد الطغاة الذي يجرد الرعايا من حقوقهم، وانتشار الخرافات بين الشعوب الشرقية، وهي التي تجعل هذه الشعوب تستميت في مقاومة العلوم الفلسفية الحقة. كما سعى فى خطبه الى أبراز دور (القوميات) والتي أسماها (جنسيات) فى نهضة الامم وأدانته للتعصب الديني واستبداد الحكام ودعوته لإنشاء تنظيم سياسي هو: (الحزب الوطني) ليحمي النظام النيابي ودعوته لحرية الاجتماع (التظاهرات) وحرية الصحافة وتعليم المرأة والأخذ عامة بأسباب القوة والعلم والتقدم فى الحضارات الأجنبية الأوروبية.