تناولنا فى قصة فتوى تحريم سكر القالب الموضوعات التى أثارها بعض العامة من الناس من انتشار سكر القالب المصنوع بالماكينات الغربية وانتشار خلطها بالدم المسفوح. وتدخل تجارة الشاى فى تجارة وتسويق السكر بالطبع، وقد اختلف الفقهاء فى حكم القهوة تبعا لذلك، فمنهم من رأى شربها قربة إلى الله يساعد على التنبيه على دراسة العلوم الشرعية والاستيقاظ فجرا للصلاة ومنهم من اعتبرها مسكرة كالخمر وإن المداومة عليها يؤدى لنوع من الإدمان لأن تعاطيها يكون ضرورة وتؤثر على المرء عند تركها. ظهر مشروب القهوة فى مصر فى رواق (الطلبة المغتربين) بالأزهر الشريف من أهل اليمن فكان يرتشف بعض صوفيى اليمن رشفات من القهوة لتساعدهم على الدراسة والاستيقاظ والذكر، وشيئًا فشيئًا انتشر أمر القهوة بين طلاب العلم ومن هنا كان ميلاد دخول مشروب القهوة إلى مصر فى العقد الأول من القرن السادس عشر. قوبلت القهوة بمعارضة شديدة من قبل رجال الدين والطبقات المتشددة باعتبارها مستحدثا لم يروا مثله من قبل كما كان الحال فى مكة أيضًا أثناء صوان العزاء وشرب القهوة السادة على روح الميت. ومن هذه المواقف اللطيفة قصة تحريم الشيخ زكريا الأنصارى (823 - 926 ه = 1420 - 1520 م) للقهوة الذى أصدر فتوى بمنع الناس من شربها، إلا أن المولعين بشربها من طلاب العلم فى الأزهر الشريف راجعوه فى ذلك مما دعاه إلى اختبار شاربى القهوة، وفى ليلة عقد فيها مجلس علم وعرض فناجين القهوة أمامهم برائحتها المميزة وشرب منها طلابه أمامه بعض الفناجين، حيث لم ير منهم من الكلام ما هو فاحش بل وجد منهم انبساطا قليلا ولذلك أفتي فى حلها فتوى قاطعا بالحل. فى عام 1572 قام أحد فقهاء المذهب الشافعى وهو الفقيه أحمد بن عبدالحق السنباطى بحملة عنيفة ضد المشروب الجديد عندما طرح عليه أحد السائلين سؤالًا حول شرب القهوة : «ما رأيك فى المشروب الذى يدعى قهوة والذى يزعم بعضهم أنه مباح رغم ما ينجم عنه من نتائج وعواقب فاسدة؟». فأفتى بتحريمها وبالتالى قامت ردود فعل سلبية عليها وعارضها المجتمع بشدة «فكل ما يأتى من الغرب لا يسر القلب»، استمرت معاداة القهوة ومحاولات تحريمها بضراوة لما بعد ذلك. ففى منتصف عام 1572 م أدت خطبة أحد الأئمة الموالين للفقيه أحمد السنباطى عن القهوة فى مسجد بالقاهرة إلى هياج شعبى ضدها. عدوى التحريم أصابت عموم القاهرة بعدها، حينما هاجم فقيه متشدد آخر القهوة ومن يشربونها على المنابر وهو ما دفع بعض طلاب العلم المتسرعين لتغيير هذا المنكر باليد على الفور فقاموا بتحطيم المقاهى لتعيش القاهرة حالات شغب من أجل القهوة. وفى نهاية نفس العام 1572م صدرت فتوى مفاجئة بالقاهرة تقضى بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها. ومن هنا اختلف العلماء فى أوائل القرن العاشر الميلادى فى حكم شرب القهوة وفى أمرها، حتى ذهب إلى تحريمها جماعة ترجح عندهم أنها مضرة، وآخر من ذهب إليه بالشام الشيخ شهاب الدين العيثاوى، ومن الحنفية القطب الحنبلي ابن سلطان، وبمصر الشيخ أحمد بن أحمد بن عبدالحق السنباطى، إلا أن الأكثرين ذهبوا إلى أنها مباحة.