“,”كم يكون رائعًا لو أمكننا أن نقيّض لكل خدعة جدلية اسمًا مختصرا، وبَيّنَ الملاءمة بحيث يتسنى لنا كلما ارتكب أحد هذه الخدعة المعينة أن نوبخه عليها للتو واللحظة“,”.. بتلك المقولة المنطقية ل“,”أرثر شوبنهاور“,” يُصدّر لنا المفكر الدكتور عادل مصطفى كتابه الجديدة “,”المغالطات المنطقية“,”. إن الدكتور عادل مصطفى واحد من أهم نقاد الفلسفة الحديثة، وقد حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة عام 2005، كما حصل على جائزة أندريه لالاند العالمية للفلسفة، وله عشرات المؤلفات في هذا الشأن. لقد شاهد الكاتب حوارات جدلية كل يوم على شاشات الفضائيات، يتم فيها استخدام أغلاط واضحة في منطق الحوار، مما دفعه إلى أن يكتب ذلك الكتاب ليقدم للقارئ العربي أصول الحوار المثمر وقواعد الجدل الصحيح بعد أن أصبح المنطق غير الصوري هو أصل كثير من المناظرات والحوارات. لماذا يكسب الجهلاء؟ يفسّر الكتاب لماذا يكسب الجدل- في كثير من الأحيان- من هم أقل علمًا أو أضعف وعيًا، وينقل لنا المؤلف محاورة شهيرة لأفلاطون يقول فيها: “,”إن الحلواني كفيل بهزيمة الطبيب أمام جمهور من الأطفال في جدال يدور حول الطعام، كما أن السياسي المتسلح بالقدرة الخطابية كفيل بهزيمة عسكري أو مهندس في حديث أمام الكبار بشأن تشييد الحصون“,”. ويضيف “,”إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشد إقناعًا من أي احتكام إلى العقل“,”. ويقدم الباحث وصاياه في كيفية التعامل مع المنطق المغلوط أو الصوري، فيؤكد ضرورة تبيان المغالطة ولماذا هي مغالطة؟ على أن يفعل ذلك بليونة وخفة وإيجاز دون تكلف أو تعالم أو حذلقة، ومثلا لو كان الحديث بشأن استخدام نتائج صناديق الانتخابات لتأييد سياسات استبدادية، فإن الرد المنطقي لدحض ذلك يكون: “,”إن توجهك يتكئ بشدة على التأييد الشعبي وفوزه الساحق في الاستفتاء الأخير، نعم لقد صوّت الناس لهذا التوجه، وهذا حقهم في بلد ديمقراطي، لكنه لا يجعل من الرأي السائد لدى ذلك التيار معيارًا للحق، ولا يجعله حقًّا بالضرورة، فالحق والباطل لهما معايير أخرى، لقد قفز هتلر إلى السلطة من صناديق الاقتراع، وقاد ألمانيا إلى الهاوية، كذلك لقد حظي الرق في بعض العصور بتأييد الأغلبية في الولايات المتحدة“,”. ويعرض الكاتب لمغالطة المنشأ، مشيرًا إلى خطأ الاعتماد على مقولة شخص ذي ثقة لدى الجمهور بعيدًا عن مضمون ومنطقية تلك المقولة، إنه يرى ببساطة أن صواب الفكرة لا يحددها مصدرها الذي منه أتت بل الدليل الذي تستند إليه. فكرة الرنجة الحمراء: ومن بين حيل المغالطين المنطقيين اللجوء لفكرة “,”الرنجة الحمراء“,”، وهي ترجع لقصة قديمة تقول إن اللصوص الهاربين من الشرطة كانوا يضللون الكلاب البوليسية بإلقائه رنجة حمراء في بعض الأماكن البعيدة عنهم حتى تجذبهم رائحتها، فينشغلون بها عن المطاردة، وفي المحاورات يحترف البعض استهلاك خصمه في ترهات خارجة بعيدة عن موضوع الحديث بما يثير مشاعر الجمهور، فينسى الخصم والجمهور أصل المجادلة. ومنها أيضًا القدح الشخصي؛ حيث يقوم القادح بصرف الانتباه عن الحجة الأصلية للتصريح بعيوب أو مثالب محاوره، ومن الأمثلة على ذلك قول أحد السياسيين ردًّا على انتقادات الصحافة: “,” لماذا أبالي بآراء هؤلاء الصحفيين.. إنهم حفنة من المرتزقة“,”. تسميم البئر: وهناك فكرة “,”تسميم البئر“,” وهي بأن تبادر إلى ضربة وقائية ضد خصمك وتصفه مثلاً بأنه لا يولي الحقيقة أي اعتبار مثل قول بعض العلماء “,”ليس سوى مأفون مَن يعارض إضافة الفلورين إلى الماء“,” أو قول أحد الساسة على خصم له “,”هذا رجل فاشي معروف وأي رأي يبدر منه سيصب في النهاية في مصلحة العدو“,” فضلاً عن ذلك هناك كثير من المغالطات مثل “,”مناشدة الشفقة“,” أو “,”الاحتكام إلى عامة الناس“,” أو “,”التأسي بالنخبة“,”، و“,”التذرع بالوطنية“,” وغيرها من المغالطات. وتبرز أيضًا فكرة استخدام العصا في الحوار، وهي كما يرى المؤلف اللجوء إلى التهديد أو التخويف؛ مما يجعل الحوار أشبه بلعبة “,”تحطيب“,”، وفي ظنه أن العصا أفشل أداة إقناع وأسوأ مفتاح للعقل والقلب، وأن اللجوء إلى العنف لدعم قضية مثل اللجوء إلى الممحاة لإزالة الظل. وهناك فكرة أخرى ضمن مغالطات المنطق تركز على الاحتكام للجهل، ويذكر الكاتب قصة جحا الشهيرة عندما ادعى أنه يعلم كل شيء عن نفسه، فسأله رجل: كم عدد شعرات رأسك فأجاب: ستة آلاف وخمسمائة وواحد وأربعين. فقال له الرجل: كيف عرفت؟ فرد جحا: إن لم تكن تصدقني فقم وعدّها، وفي هذا المغالطة يحتكم جحا إلى جهل الآخر، واستحالة التوصل للمعلومة.