الجيران: القدر لم يمهله للزواج من حبيبته.. ووالدته: «ابنى نايم وكمان شوية هيصحى» كان بالنسبة لأسرته المكونة من والدته وشقيقته التي تصغره بعدة سنوات، بمثابة السند وعامود المنزل الذى لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة بعد وفاة والده.. «محمود. ع» شاب خلوق ذو طباع حسنة، لم يعاد أحدًا، وبين ليلة وضحاها استيقظ أهالي المنطقة على خبر وفاته، وهو ما كان صاعقة نزلت على الجميع. داخل شارع الخضيري بمنطقة إمبابة تجولت «البوابة» لمعرفة أحداث الواقعة المؤلمة والوقوف على الأسباب التى أدت لوفاته، فقالت جارته «أم محمد»: «محمود كان من أحسن شباب المنطقة والكل بيحلف بأخلاقه، وكل أسرة تتمنى أن يصبح لديها ابن مثله». وتضيف: «كان يعيش وسط ثلاثة أفراد هم أسرته البسيطة، حياتهم هادئة وخالية من المشاكل، فالأب يذهب إلى عمله، والزوجة تمكث في المنزل لرعاية طفليها «محمود» و«ضحى»، مرت شهور وسنون والأسرة تعيش كما هي حتى تغير كل شيء فجأة، خاصة بعد تعب رب الأسرة ووفاته، وقرر الابن أن يتولى مهام والده ويساعد والدته في المعيشة وتربية شقيقته التي التحقت بعد ذلك بكلية الحقوق على أمل أن تنتهى من دراستها وتساعد أسرتها، وبالفعل صار بالنسبة لهم بمثابة السند». وتكمل الجارة: «محمود انتهى من دراسته بكلية التجارة وبعد التخرج تقدم لإحدى الوظائف التى أعلن عنها بنك مصر، وبعد شهور أعلنت إدارة البنك عن موافقتها على ضم «محمد» إلى فريق العمل بالبنك، وبدأ حياة جديدة، فقرر أن يتقدم للفتاة التى ارتبط بها خلال فترة دراسته بالكلية بعد أن جمعتهما قصة حب استمرت لسنوات، وبالفعل ذهب إلى أسرتها وطلب يدها ووافقت أسرتها وحددوا موعدا للخطوبة، ووسط حفل بسيط جمع الأسرتين تمت خطبتهما، وبعدها مرت شهور اتفق الاثنان على ميعاد زفافهما، وبدأ فى تجهيز الشقة، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث أصيب محمود بتعب فى معدته «قرحة وقولون»، وبدأ رحلة علاج لم تنته، وقررت والدته أن تصطحبه إلى أكبر الأطباء على نفقتها الخاصة دون أن تنتظر التأمين، وظل يعانى مع التعب والألم الذى أجبره عل عدم تناول الطعام لفترات طويلة حتى لا يزداد الألم، واعتمد على العصائر والسوائل، وكان يأخذ حقنتين يوميًا، واستمرت والدته فى السهر معه أياما لمساندته، حتى فوجئ الجميع بوفاته». «أم محمد» قالت إن والدته لم تصدق ما حدث مع نجلها حتى إنها يوم أعلنوا خبر وفاته أخبرتهم بأنه نائم فى الداخل وبعد دقائق سيفيق قائلة «محمود لسه نايم جوه وطلبت من خطيبته أن تدخل لتيقظه، وحضنت خطيبته وأخذت تنهمر بالبكاء». والتقط صديقه طرف الحديث، فقال: محمود كان صديق الطفولة، تربينا سويا منذ الصغر، كل شيء كنا بنعمله سوا، الخروج والفسح وحتى دخول الكلية، حتى تخرج منذ عام وعمل كمحاسب فى إحدى الشركات وأثناء ذلك قام بتقديم أوراقه للالتحاق بأحد البنوك، وبعد فترة من المقابلات والاختبارات حصل على وظيفة مدير الخدمات المصرفية بالبنك، كان فى قمة سعادته بعد تعيينه، إضافة إلى خطبته الفتاة التى كان يحبها، كل ما كان يرغب فيه حصل عليه، وقتها طلب من أصدقائنا التجمع للخروج سويا، وبالفعل التقينا على أحد المقاهي، وقتها قال لنا «أنا عازمكو النهارده على حسابي» جلسنا سويا لساعات نضحك ونلهو وبعدها عاد كل منا إلى منزله، بعد مرور ما يقرب من 6 أشهر وخاصة فى شهر فبراير من هذا العام أصيب محمود ببعض التعب فى معدته، اعتقدنا فى البداية أنه شيء طبيعي، ولكن مع مرور الوقت كان الألم يزداد، الأمر الذى أدى إلى زيارة أكثر من طبيب مشهور، كل واحد فيهم كان بيشخص المرض بطريقة مختلفة، ويقوم بصرف علاج مختلف له، لم يرغب محمود يوما فى طلب مساعدة من البنك أو العلاج على نفقته بل كان ينفق من نقوده الخاصة، استمر الوضع لعدة أشهر وقتها لم نشعر بأى تحسن فى حالته الصحية، ما أدى إلى إصابته بحالة من الإحباط النفسى خاصة بعدما أدرك أن عددا من الأطباء شخصوا مرضه بطريقة خاطئة دفعتهم إلى صرف علاجات مختلفة له. ويسكت صديق محمود للحظات ثم يكمل حديثه: كنت بجمع أصدقائنا نروح نجلس معه سويا لمساعدته فى الخروج من حالته النفسية، حتى فوجئت بوالدته تصرخ وعندما ذهبت إليها أخبرتنى بأن حالة محمود الصحية سيئة جدا ولا يتنفس، أسرعت نحوه واتصلت بسيارة الإسعاف، لكنها تأخرت مما دفعنى إلى طلب سيارة أجرة «تاكسى»، وأخذته إلى معهد ناصر للكشف عليه، ولكن أدركنا وقتها أنه توفى، وأصيبت والدته بصدمة، ولم يرغب أحد من أهالى المنطقة تصديق ما حدث لمحمود، خاصة أنه كان فى مقتبل عمره، ويوم إقامة العزاء فوجئنا بعدد كبير من المعزين. ويختتم حديثه قائلا: «محمود كان محبوبا من الجميع، ودائما يقف بجوار كل من احتاج إليه، مفيش حد كان بيحتاج لفلوس غير لما يعطيه، كان جدع ومواقفه سابقاه». كان قسم شرطة إمبابة قد تلقى إخطارًا من مستشفى معهد ناصر يفيد بوفاة شاب فى العقد الثانى من العمر، موظف بأحد البنوك، وعلى الفور انتقل ضابط القسم إلى المستشفى، وبعد عمل التحريات تبين أن المجنى عليه يدعى «محمود. ع» 26 عاما، وقد حاول الانتحار بعد إصابته بحالة اكتئاب شديد نتيجة لصراعه مع المرض، وقد أمر محمد هشام وكيل نيابة قسم إمبابة بتشريح ودفن جثة المتوفى لبيان ما إذا كانت هناك شبهة جنائية من عدمه، أدت إلى وفاته.