ربطت بينهما علاقة خاصة جدا.. هى حفيدته ومن أقرب الناس إليه، وهو جدها وأستاذها الأول ومثلها الأعلى فى الحياة.. إنها نهى محمود المذيعة بقطاع الأخبار بالتليفزيون المصرى، وابنة السيدة هدى منصور وكيلة إدارة التسويق بمؤسسة دار المعارف ومجلة أكتوبر– ابنة أخ الأستاذ أنيس منصور- والتى تحدثت فى حوار شامل ل «أكتوبر» عن علاقتها بجدها أنيس منصور. فتقول، لا أستطيع وصف علاقتى بجدو أنيس، فقد كان كل شيء بالنسبة لى، وهو الذى زرع فى داخلى حب الإعلام منذ الصغر، خاصة أنى أعشق كتابة الشعر والقصص القصيرة، فكان يشجعنى ويدعمنى، وفى مرحلة الثانوية العامة أردت الالتحاق بكلية الهندسة، ولكنه كان يشعر بأنى موهوبة فى مجال الكتابة، فشجعنى على الالتحاق بكلية الإعلام، وأثناء سنوات الدراسة ساعدنى فى التدريب فى مجلة أكتوبر وجريدة الأهرام التى عملت بها بعد تخرجى، فى تلك الفترة أردت استكمال الدراسات العليا، ولكنه لم يرحب بالفكرة قائلا (صاحب بالين كداب) وذكرنى بأنه ترك مجال التدريس فى الجامعة من أجل أن يكون صحفيا.. ولأنه أقرب إنسان لى نفذت كلامه على الفور، بعدها عرض علىّ أحد المخرجين أن أقدم برنامجا، فلما حكيت لجدى ما حدث، وشعر بأنى أريد العمل بمجال التقديم التليفزيونى، وقف بجانبى كعادته، وذهب معى لقطاع الأخبار، وقابلنا عبد اللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار السابق، وبالفعل تدربت عدة أشهر بالقطاع، حتى ظهرت لأول مرة على الهواء فى 29 يوليو 2008 وقدمت النشرة الجوية، وتستكمل نهى حديثها قائلة، جدى كان يقول لى سأضعك على بداية السلم، وأنت بمجهودك تكملين المشوار، وأتذكر عندما ظهرت لأول مرة على الهواء كان سعيدا جدا، وكان يتابعنى باستمرار، ويبدى ملاحظاته على ملابسى وطريقة نطقى، ويوجهنى لكى أظهر فى أفضل صورة، وكان دائما يقول بسعادة فى أى مكان ( نهى دى حفيدتى)، ومرة عندما كان ضيفا فى إحدى حلقات برنامج «مصر النهاردة»، وبعد انتهاء الحلقة طلب منى أن أذهب إليه فى الاستديو، فذهبت إليه و «قبّلت يده»وهو الأمر الذى أفعله دائما عندما أراه، فعندما قمت بذلك كان سعيدا جدا، وقال (أنا بعتلك مخصوص عشان أشوفك هتعملى كده، ولا لما بقيتى مذيعة هيصيبك الغرور) وتتذكر نهى بعض المواقف مع الأستاذ فتقول، عندما كنت أعمل فى الأهرام، أحضر لى جدو تليفزيون، وقال تفتحيه 24 ساعة على الأخبار، وكان دائما ما يسألنى فى المعلومات العامة، وعندما يجلس مع بعض أصدقائه من المفكرين والسياسيين، يدعونى لحضور تلك اللقاءات، ويشركنى فى الحوار لكى أستفيد. ومن المواقف التى لا تنساها نهى أن الأستاذ كان يحكى لها عن جلسات تحضير الأرواح التى يقيمها، فتقول، كنت أستمع بشغف إليه وهو يحكى عن تلك الجلسات، وكيف أنه فى إحدى المرات حضّر روحا ولم يستطع أن يصرفها، وهو لم يكن يحضّر روح إنسان معين، ولكنه كان يحضر روح أى حد، وكانت أمنية حياتى أن أحضر معه إحدى هذه الجلسات، ولكنه كان يرفض بشدة بسبب خوفه علىّ، وتضيف، كان يحكى لى كثيرا عن مواقف مر بها، وأذكر مرة حكى لى أنه كان يسكن فى شارع 26 يوليو عند جامع السلطان أبو العلا، وفى إحدى خطب الجمعة وجد الخطيب بيدعى عليه، فنزل وسأل المصلين من أنيس منصور الذين تدعون عليه، فقال لهم واحد كافر وملحد و....، وكلام كثير، فقال له جدى ( أنيس منصور ده الله يخرب بيته) وفى رأيى أن الكثيرين كانوا يفهمونه غلط، مع إنه إنسان متدين جدا.. وتتطرق نهى لعلاقة الأستاذ مع أسرته، كما كان يحكى لها فتقول: كان جدى متعلقا بشكل كبير بوالدته، وكان يستشيرها فى كل ما يتعلق بحياته، ولما توفيت شعر بصدمة كبيرة، وبعد وفاتها كان يعتبر أخته «إخلاص» الأقرب إليه، وكان يحبها جدا ومتعلقا بها، ولكنه كان يخشى أن يفقدها خاصة أنها كانت مريضة بالسرطان، وبالفعل توفيت وعمرها 53 عاما، مما سبب له حزنا وألما كبيرا. وبسبب اقترابها منه، كانت شاهدة على الأيام الأخيرة فى حياته، فتقول، منذ عام 2007 بدأ جدو يفقد وزنه بشكل كبير، ومشيته أصبحت أبطأ، ولكنه بشكل عام كانت صحته جيدة، وفى شهر مارس الماضى سافر لفرنسا ليجرى فحصا شاملا، ولكنه عاد على كرسى متحرك، وشعرنا أن هذه الرحلة (وشها وحش عليه) ومن ساعتها بدأ يتعب، وتضيف نهى، فى رأيى أن ما أتعبه أكثر المذكرات التى بدأ يكتبها فى شهر أغسطس الماضى، فقد كان مصمما على الانتهاء منها رغم مرضه (مكنش بيقوم من على الورقة والقلم) لم يكن يأكل إلا القليل، فقد وزنه بشكل غير طبيعى، كلنا حاولنا أن نقنعه أن يستريح،كنت أقول له تعال نخرج معا، نأكل فى أى مطعم، نغير جو، فيرفض بحسم قائلا (أنا ورايا حاجات بعملها ولازم أخلصها، لازم أخلص من كتابة مذكراتى) وبالفعل انتهى من كتابة مذكراته كما أراد، كما انتهى من كتابة العديد من المقالات الخاصة بالعمود، بعدها عرفت أنه دخل المستشفى يوم الجمعة، فذهبت إليه يوم السبت مع والدتى، وكنت فاكرة إنه تعب شوية وهيروح، ولكنى فوجئت بأنه فقد وزنه بشكل كبير لدرجة تغير شكله، وكان تعبان جدا، فبدأت والدتى فى البكاء بشدة، ونحن نحاول إقناعها بعدم البكاء، فحاول حارسه محمد شبل أن يكلمه قائلا له « نهى جت» ففتح عينيه وابتسم، ثم نام مرة أخرى، وظللنا واقفين بجانبه نتمنى أن يكلمنا، بعدها قال لى بصوت منخفض، فقد كان صوته (مش طالع) انت عرفتى، انت جيتى ليه، هو أنت مش عندك نشرة، فقد كان يفكر فى مصلحتى حتى فى مرضه، بعدها تركناه أنا ووالدتى حتى لا نتعبه أكثر، وتضيف، وأنا عائدة إلى المنزل استرجعت كل ذكرياتى معه مشهدا مشهدا، كلامه، نصائحه، عندما كان يقرأ الشعر الذى أكتبه ويسخر منه، بعدها ظللت أزوره يوميا، ولكنى لا أستطيع أن أدخل الغرفة، حتى جاء يوم الأربعاء قبل وفاته بيومين، وصممت أن أدخل لأطمئن عليه، وتكلمنا بعض الوقت، وسألنى عن شغلى، فقلت سأقدم النشرة يومى الخميس والجمعة، فقال (عايزك تطلعى فى النشرة اللى هيعلنوا فيها خبر وفاتى) أصابتنى صدمة شديدة من كلامه، فاستكمل حديثه قائلا (النشرة دى هتبقى مشاهدتها عالية، فعاوزك تطلعى فيها) وعندما علمت بوفاته صباح الجمعة، انتابتنى حالة من الصدمة وعدم التصديق، وكلمونى الزملاء، وقالوا ستقوم زميلة بتقديم النشرة الجوية بدلا منك الليلة نظرا للظروف، ولكنى رفضت وصممت أن أظهر لأنها وصيته، وبالفعل ظهرت يوم وفاته ليلا فى نشرة التاسعة، وبالفعل كانت بشهادة ناس كثيرة أفضل نشرة قدمتها.