اغتسلوا بالعشق قبل أن تصلوا فالصلاة في حضرة العشق الإلهي إمام، إنها قواعد العشق الأربعون للكاتبة إليف شافاك، بحس راقٍ حولتها الكاتبة رشا عبدالمنعم إلى مسرحية وأخرجها المبدع عادل حسان وتعرض الآن على مسرح السلام بالقاهرة، فأحيته بعد ممات طويل وأثبتت أن مصر وفنها وثقافتها ما زالوا بخير وفي رقي وازدهار بفضل هؤلاء العباقرة الذين جسدوا لنا ذلك العشق من خلال العلاقة التي كانت بين جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، تلك الشمس التي سطعت أنوارها على خشبة المسرح وفي قلوب العاشقين، فإذا أردت أن تسافر سفرًا طويلًا فعليك منذ البدء أن تسافر في داخلك أولًا لعلك تبلغ الأسباب أو تمضي حقبًا، لترى الجمال، وصفاء النفس وهدوء السريرة، في عشق يسمو بالإنسان إلى عالم روحاني هو العشق الصوفي الذي يتمثل في أهل الكرامات والتقرب إلى الله والاعتقاد أيضًا بأن الله يحل في جسد الولي أو الفقيه الصوفي وهنا نقطة فارقة وهي التعبير عن ذلك من خلال المسرح لتظل الصورة راسخة في أذهان المشاهدين، ليصبح هذا الإنسان هو صورة الله في الأرض، وكيف أن قواعد العشق الأربعين تمثل الأربعين يومًا التي قضاها شمس التبريزي في حضرة جلال الدين الرومي حين جاءه شمس من أقصى البلاد ليسأل عن الفرق بين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبين أبي يزيد البسطامي لينبهر الرومي بشمس الدين التبريزي وتظل المحبة بينهما فترة طويلة من الحياة إلى أن يُقتل شمس الدين التبريزي بسبب أفكاره ومعتقداته فقد كانوا يسمونه بالدرويش، وليس أدل على ذلك من صناعته رقصة الدراويش التي تمثل بمفردها عشقًا إلهيًا خالصًا، وهو التوحد مع الله الخالق لتظل اليد اليمنى مرفوعة إلى الأعلى واليسرى منخفضة ليدل على أن هناك من يطلب من الله ما يشاء وأن اليد الأخرى التي تعني الأرض أو الانخفاض هي في انتظار رضا المولى عليها، وأيضًا تلك الرقصة التي يدور فيها الإنسان في لحظات التجلي تعرف بالرقصة المولوية، والتي فيها تتمثل حركة الكون والكرة الأرضية في دورانها وتعاقب الفصول الأربعة، وبها العديد من الفوائد الروحية التي من شأنها أن تسمو بالنفس إلى حالة روحية رائعة. وقد استوقفتني بعض العبارات في المسرحية نحو " الإسلام والكفر يتبادلان " فقد يكون الإنسان كافرًا بالإسلام ثم يقبل الإسلام. وعبارة " اغتسلوا قبل أن تصلوا " وهنا يشير إلى أهمية الحضرة والذكر والتقرب إلى الله، فيجب الاغتسال وليس الوضوء لأنه سيدخل عالمًا آخر فيه ارتقاء بالنفس وعلو بالقلب، كما أن هناك عبارة أخرى أيضًا استوقفتني في المسرحية حين كنت أشاهدها بالأمس وهي " يمكنك أن ترى الله في كل شيء" أي أن قدرة الخالق تتجلى في كل الأشياء، وكيف أن قلب العاشق الولهان بحب الله هو المكان الوحيد الذي يتسع لله، بالفعل إنها أربعون يومًا من العشق عشناها عبر مراحل المسرحية الرائعة التي أعادت لنا مجد المسرح، مع مجموعة من الأغاني الصوفية أسبغت على العمل روحًا فياضة بحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وأوليائه الصالحين. وعن ترنيمة مريم العذراء يأتي السؤال لماذا لا توجد لدى المسلمين مريم العذراء المتفردة؟! والإجابة بكل بساطة أن جميع المسلمات هن مريم العذراء وهن الطهارة والعفاف والضعف الذي كان عند مريم العذراء.. كما ناقشت المسرحية القضية الشائكة في الموسيقى وهل الموسيقى حرام أم حلال لنرى إبداع الكاتبة حين اقتبست هذه الجزئية من النص الأصلي وكيف أن الموسيقى تحدث صفاء للنفس وعشقًا مع النغمة التي ترقى بالذوق.. لقد كانت مسرحية "قواعد العشق الأربعون " التي شاهدتها على مسرح السلام بالقاهرة هي المعبرة عن كثير مما نحياه لأن الأدب ما هو إلا تعبير عن الحياة وحين يأتي الأدب بهذه الرقة وتلك العذوبة فلابد أن يقابل بالحب والتقدير لأننا نرى أنفسنا وعشقنا أمامنا على المسرح نرى الحياة بكل ما فيها تمثل أمامنا... لكل ذلك أشكر فريق العمل الذي كان يعمل بروح واحدة، تلك الروح التي كانت موجودة في المسرحية نفسها من قصائد مغناة بأصوات رائعة مثل الفنان الراقي سمير عزمي الذي شدا بأعذب القصائد مثل " زدني بفرط الحب فيك تحيرا " و" قمر " والفنانة أميرة أبو زيد، كما كانت تلك الروح تسكن قلب جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، كما أن المخرج عادل حسان معروف بعبقريته في مثل هذه الكتابات واكتملت عناصر الجمال المسرحي في الصوت الواضح والإضاءة المتماشية مع الحدث المسرحي والديكور الذي أبهر الجميع في كافة أركان المسرح. في النهاية لا بد وأن أعترف أن الأغنية عليها عامل كبير في إثراء الروح وهو ما كان ناجحًا في العمل وأيضًا الرقصة المولوية أعطت العمل حياة تضاف إلى حياته الأولى فغدا في جنات الدنيا.