قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر: إن ما يواجهه العالم، اليوم، من تحديات، وما يُوصَم به الإسلام من تُهَم وافتراءات نتيجة ما يرتكبه بعض المنتمين إليه من جرائم لا يُقرها دينٌ صحيح، ولا يقبلها عقلٌ سليم، ولا تستسيغها فطرةٌ سوية، فضلًا عما يروِّج له بعض أصحاب المصالح والأهواء- مسلمين وغير مسلمين- من ادعاءات أثارت كثيرًا من الفتن التي هددت أمن المجتمعات وزعزعت استقرارها، وجعلت الناس يتخبطون في ظلمات كقِطع الليل المظلم؛ كل ذلك جعل حديث الناس، اليوم، لا ينفك حول دور الأزهر الشريف في تجديد الخطاب الديني باعتباره المرجعية الإسلامية المعتبَرة محليًّا وعالميًّا. وأردف خلال مشاركته بمؤتمر لبنان: "دور المؤسسات الدينية في عمليات بناء السلام والحوار"، المنعقد الآن، بات هذا الموضوع الشغل الشاغل للمتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء، فلا تكاد تخلو وسيلة إعلامية أو صحفية أو مجلس من المجالس من الحديث في هذا الأمر، دون إدراك لماهية التجديد ووسائله، ودون وعي بأدوات المجدد ومؤهلاته، ودون معرفة بالثابت الذي لا يقبل التجديد والمتغير الذي هو محل التجديد ومحوره، وهو كثير جدًّا إذا ما قورن بالثابت الذي لا يقبل التجديد في شريعتنا الإسلامية، قائلا: ويظن أكثر الناس أن أمر تجديد الخطاب الديني هذا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، أو بضغطة زِر، وكأن الأزهر الشريف يملك عصا سحرية لتغيير ما عَلقَ في أذهان الناس وتراكم في عقولهم على مدار عقود من الزمان أريدَ للأزهر فيها أن يتقوقع، وسُمح لغيره من المتشددين وأصحاب المصالح الحزبية الضيقة ممن نجني أشواك ما غرسوه في عقول الناس اليوم، أن يشاركوه المنابر وساحات الدعوة، بل أُفسح لهم المجال إفساحًا لمصالح محدودة أو اعتبارات وقتية! واشار وكيل الأزهر أن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الأزهر الشريف يؤمن إيمانًا لا لبس فيه ولا غموض بمسألة التجديد في الفكر الإسلامي مراعاةً للزمان والمكان وأحوال الناس وما يستجد في حياتهم. وأكد "شومان" أن العالم الإسلامي يمر بمرحلة من أخطر مراحله التاريخية، محذرًا شعوب المنطقة من خطورة أن يتسبب أحد في التفرقة بينهما. وتابع، إن الوسطية والاعتدال، والفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، والمحافظة على الهوية، وعدم التفريط في الثوابت المتفق عليها، تمثل سماتٍ أساسيةً في المنهج الأزهري الذي امتاز به الأزهريون عبر العصور، ولم يحيدوا عنه على الرغم من التحولات السياسية والفكرية العاصفة التي وقعت في أثناء تاريخ تلك المؤسسة العريقة الممتد لعشرات القرون. وهو منهج واضح وثابت لم- ولن- يرتبط بحاكم أو شيخ معين، فديدن الأزهر الشريف على مدار العصور الجهر بما ينفع الناس في شئون دينهم ودنياهم، مشددًا على أن يبقى عالِمُ الدين بعيدًا عن المعترك السياسي بمعناه الحزبي الضيق، وأن يضطلع فقط بدوره في توعية الناس وتنويرهم، وبيانِ ما تستقيم به حياتُهم، وتقويمِ المعوج منها، وتصحيح ما فُهم على غير وجهه من التشريعات الإلهية السمحة، ولا يعني ذلك فصلًا للدين عن السياسة بالمعنى الذي تسعى إليه وتبتغيه بعض التيارات الفكرية، فالدين منهجُ حياة. وأوضح شعوب المنطقة مسلمين ومسيحيين يدركوا أننا إما أن نكون أو لا نكون لأنه إذا دخل أحد بيننا فلن نكون، مبينًا أن حرمة الكنائس كحرمة المساجد سواء بسواء. وحول موقف الازهر من الإرهاب والفتنة الطائفية قال شومان، إن مواقف الأزهر ودوره لا يقبل المزايدة، مضيفًا أن الأزهر الشريف أسبق المؤسسات على الإطلاق في استشعار الأخطار وأكثرها عملا لوحدة الصف ولم الشمل، وأنه دائم الجهر بما ينفع الناس في شئون دينهم ودنياهم. طالب وكيل الأزهر المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية بأن تعمل مع الأزهر في إطار خطاب هادف يناسب العصر ويدعم جهود المؤسسات الأمنية والعسكرية لتوفير الأمن وبسط السلام. وشدد بأنه لا علاقة بين الهجمات الإرهابية والمناهج التعليمية، مستطردً وإن كان تطويرها الدائم مطلوبًا لمواكبة العصر وتحدياته، مردفًا لا يعقل أن تؤثر مناهج الأزهر في غير دارسيها لانتهاج العنف بينما أكثر من مائة دولة تدرسها ولم يفجر واحد منهم نفسه لا في مصر ولا خارجها. وحول الخطاب الديني أوضح شومان أننا نحتاج لخطاب فكري جديد يعي الفرق بين التجديد والتبديد ويدرك خطورة المرحلة ويعلي المصلحة العامة على المصالح الخاصة أو الانتماءات السياسية أو الفكرية.