من بين المشكلات التي تواجهها مؤسسات المجتمع المدني، تبدو مشكلة التمويل الأجنبي الأكثر شهرة، رغم أنه من أصل نحو (45) ألف جمعية أهلية في مصر، تتلقى فقط نحو (800) منها تمويلا خارجيا. وتجمع كل البحوث على صعوبة ما يتصل بهذا التمويل، بالنظر إلى إخفاء السلطات العامة أو الجمعيات أو المانحين للمعلومات المتعلقة به في العادة، وحيث لا تقوم الدولة بإدخال القطاع الأهلي ضمن حساباتها القومية أو بيانات دخلها القومي وأنشطتها الاقتصادية، إضافة إلى التناقض الواضح بين مختلف المصادر من إيراد الأرقام أو عرض البيانات أو المصطلحات ذات الصلة بقضايا التمويل، ناهينا عن التأخير في نشر التقارير الرسمية الخاصة بها. ويشار هنا إلى أنه ورغم تعدد مصادر تمويل برامج ومشروعات الجمعيات الأهلية، فإن التمويل يمثل المشكلة الأساسية لهذه الجمعيات، بالنظر إلى ضعف حجم المعونة الحكومية، وقلة مردود الاشتراكات والتبرعات والهبات، مع ملاحظة أن اعتماد الجمعيات الأهلية على التمويل الحكومي بالنسبة إلى الجزء الأكبر من ميزانيتها أدعى إلى إضعاف قدرتها في الاعتماد على نفسها، كما يؤدي إلى رهنها لدى الحكومات، إن في توجهاتها أو اهتماماتها أو أنشطتها. أما بالنسبة إلى التمويل الأجنبي الخارجي فإن ارتفاع أهمية هذا التمويل أو انخفاض قيمة الدعم الحكومي، يؤثر على توجهات الجمعيات الأهلية، ويؤدي إلى عدم التوازن في مصادر تمويلها المتاحة، وبالتالي في أنشطتها وفاعلياتها. وفي هذا الصدد، هناك من يرى أن المخاطر التي تحيط بالعمل الأهلي، في ظل تزايد الدعم والتمويل الخارجي، تؤثر على تحويل الجمعيات الأهلية إلى مؤسسات تمتهن عملا متخصصا، يدربها مجموعة من المتفرغين، ممن يعملون كموظفين يتقاضون رواتبهم، وهو ما يعني تحول الأداء من دوافع الالتزام التطوعي إلى الأداء الوظيفي. وثم من يقترح اللجوء إلى الصيغ التعاونية، في عمل وإنتاج مشروعات تقوم بها هذه الجمعيات، كآلية مناسبة لتعبئة الموارد، خصوصا أن هذه الصيغ تجد أسانيد لها في التراث العربي. أما المساعدات الأجنبية فهناك أكثر من توصية مقدمة، ترى ضرورة تقنين هذه المساعدات، وتوفير جهة اختصاص للإشراف عليها، مع ضرورة نشر الجمعيات لميزانياتها، متضمنة كل التبرعات والمعونات، وأيضا أوجه الإنفاق بالتفصيل. ولعل إحدى إشارات ضبط المساعدات الأجنبية ما ورد في مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذي نصّ على جعل الرقابة على المؤسسات الأهلية ذاتيا أولا قبل رقابة الدولة، مع تحديد هذه الرقابة بتفادي تلقي أي أموال غير معلومة المصدر.