لاحظت في الفترة الأخيرة، أن هناك هجوما كبيرًا موجها للجمعيات الأهلية لحصولها علي منح وإعانات من جهات أجنبية، وصفت في كثير من الأحيان بأنها مشبوهة، وخاصة تلك المنح التي تقدمها الولاياتالمتحدةالأمريكية وباعتباري واحدة من العاملين في مجال العمل الأهلي، وأرأس مجلس ادارة واحدة من الجمعيات الاهلية، فقد وجدت أنه من واجبي الرد علي هذا الهجوم ليس ردا من باب الدفاع فحسب، وإنما توضيحًا لموقف الجمعيات من التمويل، وكيف أن هناك نوعا من الخلط بين التمويل الأجنبي المشروع وغير المشروع، ولهذا أجد انه يجب أن تكون لنا هنا وقفة اوضح من خلالها ماهية التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية، حتي لا تصبح هذه وصمة في جبين الجمعيات الأهلية. إن التمويل يعد من أكثر الجوانب اهمية وحيوية بالنسبة للجمعيات الأهلية، فعليه يتوقف حجم نشاطها وتنوعه ومستواه وأثره علي المجتمع الذي تخدمه، وتزداد هذه الأهمية نتيجة لطبيعة مصادر تمويل الجمعيات التي تتسم بالمرونة والتغيير وتأثرها بالمناخ السياسي والاجتماعي للبلاد، بالاضافة إلي ما يمثله التمويل من مساهمة كبيرة في القيمة الاقتصادية للقطاع الأهلي ككل. ووفقًا لقانون الجمعيات رقم "84" لعام 2002، يمكن تقسيم مصادر تمويل الجمعيات الأهلية إلي ثلاثة مصادر رئيسية هي: - مصادر ذاتية تتمثل في اشتراكات الأعضاء، والتبرعات، الهبات، وعائد المنتجات والخدمات التي تقدمها الجمعيات. - مصادر حكومية والتي تتمثل في الاعانات التي يقررها صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الخاصة والاتحادات وفقًا للنظم والقواعد التي يضعها. - مصادر التمويل الأجنبية. وفي فترة السبعينيات، ظهر توجه عالمي تم فيه الاتفاق علي تخصيص 1% من الدخل القومي لدول العالم الأول لصالح الدول النامية، وقد جاء هذا التوجه تعبيرا عن المسئولية والكفالة المجتمعية، وبحلول الثمانينات، قررت هذه الدول المانحة تخصيص نسبة من تبرعاتها للجمعيات الأهلية العاملة داخل الدول النامية علي أن هذا يتم بمعرفة ومتابعة ومراقبة الدولة نفسها، وفي اواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة قررت الدول الصناعية الكبري مثل إيطاليا وسويسرا جدولة ديونها في الدولة النامية في شكل مساعدات للجمعيات الأهلية. وبالنسبة لمصادر التمويل الأجنبي في مصر فإن القانون يشترط الحصول علي موافقة وزارة الشئون الاجتماعية قبل الحصول علي الهيئات الأجنبية، وتتمثل هذه المصادر في كل ما تحصل عليه الجمعيات الأهلية من معونات نقدية أو عينية من جهات أجنبية سواء كانت دولاً أو منظمات أهلية، ويجب هنا أن نفرق بين التمويل الأجنبي المشروع والذي توافق عليه الدولة وتراقبه وتتابعه وتشرف عليه بصفة مستمرة، وبين التمويل غير المشروع يجب أيضا ان نفرق بين التمويل الذي يدفع بالجمعية إلي تغيير نشاطها وأهدافها وتوجهاتها للحصول علي المنحة المقدمة لها وبين الجمعيات التي تحافظ علي كيانها وتسير علي نفس الوتيرة ولها تاريخ تسعي للحفاظ عليه فلا تغير مبادئها للحصول علي تمويل أيا كان مصدره. والحقيقة أنني اري مبالغة كبيرة وراء الضجة التي اثيرت حول التمويل الأجنبي والذي وصف بالمشبوه للجمعيات الأهلية، حيث إن التقديرات تذهب إلي أن التمويل الاجنبي يمثل فقط يقرب من 30 مليون دولار أمريكي من إجمالي تمويل الجمعيات الأهلية والذي يصل إلي 110 ملايين دولار أي انه يمثل فقط ماحوالي 27% من حجم التمويل بالكامل. وبالرغم من أن جمعية نهوض وتنمية المرأة لم تتلق مطلقا أي معونة أو منحة من الحكومة الأمريكية، إلا اننا في الوقت نفسه نري أن الجمعيات الأهلية الاخري لا يمكن القاء اللوم عليها لتلقيها هذه المعونات طالما أنها في النهاية لا تتبني أهدافًا غير أهدافها، وطالما أن حصولها علي هذه المعونات لا يضر بالصالح العام ولا يضر بمصلحة ا لوطن، وإذا كنا نهاجم التمويل الأجنبي ونصفه بالمغرض والمشبوه فمن أين لهذه الجمعيات بالتمويل اللازم لممارسة انشطتها التي لا تجد من يدعمها إذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة الجمعيات التي تعينها الحكومة وفقًا لاحصاء عام 1994 لا يتجاوز 5.31% أي ما يقرب من 4467 جمعية من إجمالي عدد الجمعيات، كما أن مساهمة القطاع الخاص في مصر لا تتجاوز نسبة ال 3.8%، وإن كان من الملاحظ أن السنوات الأخيرة قد شهدت ارتفاع نسبة تبرع رجال الأعمال كأفراد إلي 5.21%. خلاصة القول، التمويل الأجنبي مشروع في حدود واضحة، وليست كل الجمعيات تتلقي معونات أجنبية ولا سيما الأمريكية، وإذا كنا ندعو لرفض التمويل الأجنبي فلابد من وجود مصدر آخر للتمويل لهذه الجمعيات، والواضح أن هناك خلطا في المفاهيم وهناك خلط بين الجمعيات التي لها تاريخ وأهداف ثابتة والجمعيات التي يمكن أن تغير جلدها لمجرد الحصول علي معونة من أي جهة، هناك جمعيات شريفة هدفها الوحيد مصلحة المواطن المصري ومصلحة هذا الوطن، ولا يمكن أن تبيع هذا لمن يشتريه مهما كان هذا المقابل مغريًا. أوجه من خلال مقالي هذا رسالة إلي كل من يكيل الاتهامات للجمعيات الأهلية أن يتحققوا من اتهاماتهم قبل نشرها علنا وتشويه صورة الجمعيات الأهلية والاساءة إلي سمعتها، أرجو ان يتذكروا دائمًا أن هناك جمعيات تعبر عن احتياجات المواطنين وتقدم لهم الخدمات وتسعي دائمًا لحل مشكلاتهم، يتبعون لرقابة ومتابعة وزارة الشئون الاجتماعية، فلا داعي لأن يظلموا الشرفاء الذين يحبون وطنهم ويحرصون علي مصلحته ومستقبله، وإذا كانت هناك قلة قليلة تسيء إلي العمل الأهلي فلا يجوز خلط الصالح بالطالح كما يقولون.