حالة من الجدل في الوسط الأثري بعدما تداولت أنباء عن دمج وزارة الآثار مع الثقافة بحيث تصبح الأولى قطاعًا من قطاعات الثانية، الأمر الذي رآه البعض لا جدوى منه، حيث افتقار وزارة الثقافة للموارد التي قدر تدعم الآثار التي تعاني من عجز الموارد في الفترة الأخيرة، كما يرى الأثريون أنه لا جدوى من الدمج مع وزارة السياحة التي تعاني تجارتها ركودًا كبير. "البوابة نيوز"، تواصلت مع عدد من الأثريين الذين أبدوا استيائهم من فكرة الدمج مع الثقافة ففي البداية رفض الباحث الأثري الكبير زاهي حواس، المقترح الذي ينص على دمج وزارتي الثقافة والآثار، قائلًا إنه يرفض ذلك الدمج منذ بداية حدوثه في عهد فاروق حسني، لرفضه فكرة أن تؤخذ الميزانية الخاصة بالآثار لعمل المهرجانات والمسارح والسينمات. وأكد حواس، أنه طالما طالب بألا تتبع الآثار وزارة ويوكل لإدارتها أحد الوزراء، مشيرًا إلى ضرورة تحويل تبعيتها إلى مجلس أعلى يتبع رئاسة الوزراء. وقال الدكتور أحمد صالح مدير عام آثار أسوان، إن عدم استقرار وزير لوزارة الآثار له تبعات أهمها عدم الاستقرار لدى الأثريين أنفسهم، وأرفض فكرة دمج الآثار أو ضمها إلى وزارة، ليكن الثقافة على سبيل المثال فتتحول من وزارة إلى قطاع، وهنا تقل قيمة الوزارة لعدم تفرغ الوزير لشؤونها وتفاصيلها الكاملة. وأضاف صالح، من البداية كنت أرفض فكرة وزارة الأثار وفكرة انضمامها إلى وزارة أخرى، وكنت أطالب دائما بجعل الآثار هيئة مستقلة تابعة لرئيس الجمهورية أو تابعة لمجلس الوزراء، فنحن نعاني في الوقت الحالي من قلة الموارد، وعندما كنا مندمجين مع الثقافة كانت الثقافة عبئًا علينا، وحاليًا لو انضممنا على الثقافة سنظل كما كنا بدون الحصول على موارد من الثقافة لأنها وزارة خدمية، ومن المفترض أن لا تكون مواردي مستقلة، حيث يجب أن تخصص الدولة ميزانية كافية لوزارة الآثار لأننا في حالة استثنائية وبعدها ستتعافى الوزارة مرة أخرى، وقد حدث آثار سلبية من تحولها إلى وزارة مستقلة ومن الأفضل أن تتحول إلى مجلس أعلى للآثار. ومن جانبه قال الدكتور عبدالفتاح البنا، أستاذ ترميم الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة والخبير في الترميم الأثري، إن دمج الآثار مع الثقافة أو السياحة أو كيان آخر فشل رؤى وإدارة، فمصر في أشد الحاجة لوزارة تراث وطني تضم 3 قطاعات رئيسية هي: "الأثار - دار المحفوظات والوثائق - المحميات الطبيعية". وأضاف البنا، المقترح يسمح بفتح المجال أمام كثير من الخريجين وتثبيت مبدأ إدارة المواقع السياحية التاريخية منها والطبيعية، وبهذا التصور يكون لدينا ثلاث مجالس أعلى لكل قطاع بتنظيماتهم الهيكلية وبذلك سنستوعب خريجين من الآثار والجيولوجيا والعلوم البحرية والمكتبات والوثائق. وأضاف البنا أن ضم الآثار على أي من الوزارات التي يتردد ضمها إليها لفشل الأثريين في إدارة ليس هو الحل، مؤكدًا أن كل من حمل حقيبة وزارة الآثار إلى الآن فاقد للرؤية فقط يشغل منصب. وقال سامح الزهار، الكاتب والباحث في الآثار الإسلامية والقبطية، إن تخفيف النفقات ليس مبررًا للدمج فحسب؛ لأن ذلك لن يفيد إلا في بعض الحالات التي يجب قبلها اتخاذ كافة التدابير بين المؤسسات والوزارات والهيئات المعنية لوضع رؤية عامة وشاملة واستراتيجية بمستهدف يتم من خلاله تقديم عدد من الإنجازات على أرض الواقع التي لا تتأثر برحيل وزير وتكليف آخر، ليكون الاعتماد على السياسات هو الأمر الافتراضي للحيلولة دون العبث الذي يتكرر مرارًا ويضر بالمنظومة ككل، وبالتالي يضر بالدولة بأسرها. وأضاف "الزهار": إذا افترضنا أنه قد يكون هناك دمج وفق آليات محددة ستحددها الدولة وتضمن تنفيذها فإن الدمج يجب أن يكون بين وزارة لديها اعتمادات مالية كبيرة بجانب وزارة هي الأضعف ماديًا بحيث يتم تعويض الجانب المادي ذي القصور، وبالتالي تتم عملية التنمية المستدامة حيث توافر الاعتمادات المالية أحد أهم سبل نجاح الهيكلة والبناء، وفي حالة وزارة الآثار التي تفتقر إلى الموارد المالية بدليل استدانتها من وزارة المالية مبالغًا كبيرة منذ 2011 والتي وصلت إلى حوالي 5 مليارات جنيه، لا يجب على الإطلاق تحميل الأمور فوق طاقتها حيث إن الأحوال المادية بوزارة السياحة في أسوأ حالاتها وكذلك الثقافة". وأشار "الزهار" إلى أن الدمج إن كان من باب تحقيق المنفعة الإدارية داخل الحكومة فإنه من الأنسب أن يكون مع وزارة الثقافة، لطبيعة عمل الوزارتين بين التراث المادي والتراث المعنوي، كذلك للتشابه الكبير بين الهيكل الإداري والتنظيمي بالوزارتين، أما وزارة السياحة فهي أقرب إلى الطيران المدني، وإذا وجب الدمج فمن الأفضل لجميع الأطراف أن يكون الدمج بين الثقافة والآثار وعلى الجانب الآخر السياحة والطيران المدني. وأضاف: أن الآثار هي قاطرة التنمية الحقيقية إذا حسن استغلالها بأيد مبدعين قادرين على إحداث حراك من خلال التراث المصري العظيم الذي نتميز به عن شعوب الدنيا، أما إذا استمر الحال على أن يكون على رأس الآثار موظف بدرجة كبيرة له مستشاران وهيكل مترهل وبيروقراطية ورؤية كانت تصح إذا ما تم تطبيقها في القرن قبل الماضي، فلن تكون منظومة الآثار إلا فجوة كبيرة تهدر المال العام وقلبه تهدر التاريخ والتراث الإنساني، ولن نجنى منها إلا الندم، وسنظل نعاتب أنفسنا كما حدث كثيرًا.