تابلوه فني نادر وبطولة درامية رائعة جسدتها" أمل" التي لم تترك سبيلا إلا وسلكته، لم يوصف لها بابا إلا وطرقته على استحياء، إلا أن مساعيها كلها باءت بالفشل، لذا خرت باكية بعد أن اتخذت وضع القرفصاء وافترشت الطريق يائسة، تشكو حالها لمن لا يغفل، بتمتمات وطلاسم لم تُفهم من كثرة النحيب، الصدفة وحدها جمعتنا بها في محافظة الشرقية، وجعلتنا نقترب منها على استحياء لمعرفة تفاصيل ما تعانيه، وما أثقل كاهلها من هموم ومشكلات تخص شبابها المعاق. وعلى الرغم من الحزن الذي كسى وجهها والأحمال التي أضعفت قواها استقبلت المرأة يومها بابتسامة وكأنها الفجر، وبابتسامة ساخرة تنم عن هم أنهك بدنها بعد رحلة شاقة من المعاناة مع أبنائها وزوجها الذى وافته المنية منذ عامين ما بين لذهاب والإياب من مكتب المحافظ لرئيس الحي لمديرية الشئون للمحكمة ثم الكثير من المصالح الحكومية التي لا ترعى للفقراء مصالح باتت المرأة في حلقة مفرغة، وأصبحت تلك المشاوير بمثابة روتين يومى منذ أن تستيقظ وحتى أنتهاء مواعيد العمل الرسمية لتعود جثة هامدة بلا أي إنجازات، حسب ما ذكرته. "مستقبل أبنائي ال 4 الذين يعدوا ضمن ذوى الاحتياجات الخاصة في مهب الريح.. والتركة تقطم الوسط.. فعلا تعبت والله تعبت" هكذا راحت تفضفض، قبل دخولها مجددا في نوبة. فما بين ثلاثة شباب مصابون بالصرع ورابع معاق بقصر قدم عن الأخرى تواصل، الأم المجاهدة، أمل علي فؤاد، طريقها في البحث عن مستقبل أولادها. ومن أمام ديوان عام محافظة الشرقية جلست فاقدة أي معنى يحمله اسمها، تملأ قسمات وجهها الحيرة، تقول: "منذ عام 2010 وأنا أتنقل بين المكاتب والمصالح ولا أحد يهتم، شقيت على ولادي رغم مرضهم وأصريت على استكمال تعليمهم ومن وقت تخرج الابن الأكبر من كلية التجارة، وأعلنت الضرائب عن مسابقة للتوظيف، تقدم إليها باعتباره ضمن نسبة ال 5٪ معاقين، وله الأحقية فى التعيين بناء على تحديد نسبة الإعاقة التي أقرتها شهادة الإعفاء من الجيش، وكذلك اللجنة الطبية المختصة، ولكن الواسطة والمحسوبية أطاحت بحلم ابني " المعاق" لتضع مكانه أبناء أصحاب الواسطة على الرغم من ضعف تقديرهم الدراسى. وتستمر أمل في سرد المعاناة قائلة:" وكلت محامى لرفع قضية والطعن فى قرارات التعيين، وبالفعل صدر قرار من المحكمة إما بتعيين ابنى أو إلغاء المسابقة وإعادتها من جديد، ولكن تبقى القرارات حبيسة الأدراج لا تنفيذ ولا بت فيها بسبب امتناع هيئة الضرائب بالقاهرة عن التنفيذ ورفضهم تعيين ابنى، وبعد هذا العناء رضيت بنصيبى فى هذا الابن ولكن مازالت المشكلة الأكبر تكمن فى الثلاثة الآخرين المصابون بالصرع فمنذ عهد المحافظ الدكتور سعيد عبدالعزيز، وحتى الحالى اللواء خالد سعيد، وأنا أطرق أبوابهم ولكن لا حياة لمن تنادى، فإغلاق الباب فى وجهى بات قدرا محتوما يدعوني لليأس والبكاء ليل نهار". باكية أكملت الأم أمل: على وفؤاد ومحمد ثلاثة شباب هم أبنائي مصابون بالصرع لا يقدرون على العمل ولكن لظروفنا المادية الصعبة بعد وفاة والدهم، اضطروا للعمل فى أشغال مرهقة جسديا للغاية، يخرجون في الصباح قهرا مجبرين علي أعمال شاقة ويعودوا في المساء للمنزل في حالة تجعلني اتمنى الموت، نوبات الصرع والتشنجات تتملك من الثلاثة ويتحول البيت لكهف مرعب وصراخ واستغاثة بالجيران. يتكلف علاج أبنائي شهريا 800 جنيه، لا يتوافر معي ربعها في نهاية كل شهر، قواي كلها خارت وضعفت. "الخيارات كلها صعبة أمامي " جملة قاسية قالتها الأم، اتبعتها بمناشدة للرئيس عبدالفتاح السيسى، وكل وزير مسئول يخاف الله، أن يتدخل لحل مشكلتها مع أبنائها ومساعدتها بشكل عملي لإنقاذ مستقبل شباب يحاول العيش والاجتهاد رغم المرض، بتوفير فرصة عمل لهم تعينهم على الحياة. "أرجوكم رجاء أم خاب سعيها وغلبتها الدنيا أسألكم بالله، تعيين أبنائي في أي وظائف، فلم يعد لدي جهد ولا موطأ قدم لمعاناة أو بكاء".. رسالة أطلقتها الأم بشفافية علها تجد صداها وتلقي أمل ما تبتغيه من الله ومن المسئولين.. فهل من مجيب؟.