تنفَّس مسئولو هيئات الأمن في أوروبا الصَّعداء بعد مقتل منفِّذ هجوم برلين أنيس عامري في مدينة ميلانو الإيطالية، وسط تساؤلات بشأن الظروف الأمنية في بلدان القارة العجوز. ولقي عامري المشتَبه به الرئيسي في تنفيذ عملية دهس أودت بأرواح 12 شخصًا في سوق مزدحمة لأعياد الميلاد وسط برلين، الإثنين الماضي، مصرعه في ساعة مبكرة من الجمعة 23 ديسمبر، متأثرًا بجروح أصيب بها جراء تبادل لإطلاق النار مع شرطة مدينة ميلانو شمال إيطاليا. وأعلن وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي، أثناء مؤتمر صحفي عقَده الجمعة، أن الرجل الذي قُتل برصاص الشرطة في ميلانو لم يستدعِ أي شبهة، وأوقفه الضابطان أثناء تأدية مهامهما الروتينية، لكن البصمات تشير إلى أن القتيل كان الإثنين الماضي وراء مقود الشاحنة لحظة استهدافها حشدًا من المواطنين المتجمعين حول أكشاك خشبية تبيع النبيذ والنقانق في قلب برلين. وتؤكد جميع المعطيات أن القضاء على عامري لم يكن نتيجة التعاون بين قوات الأمن والاستخبارات الألمانية والإيطالية فحسب، بل كانت بالعكس صُدفة ناجحة للشرطة الإيطالية فقط، إذ تبيَّن أن المطلوب رقم واحد عالميًّا في هذه الأيام تمكَّن دون أي عوائق من قطع مسافة تتجاوز ألف كيلومتر باستخدام وسائل النقل العام، وذلك في وقتٍ كانت هيئات الأمن في ألمانيا مقتنعة تمامًا بأن منفِّذ الاعتداء الذي هز العالم بأكمله والذي أُلصقت صوره في كل مكتب للشرطة في القارة العجوز، لن يستطيع الفرار إلى خارج الحدود. علاوة على ذلك اتضح أن التسجيل الذي نُشر في أعقاب الهجوم ويعلن فيه عامري مبايعته لتنظيم "داعش"، تم تصويره في وضح النهار بالقرب من مقر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ويثير كل ذلك تساؤلات جدية منطقية بشأن قدرة الهيئات المناسبة في أوروبا، بالدرجة الأولى داخل ألمانيا، على ضمان أمن مواطنيها، علمًا بأن سلطات هذه البلاد فقدت أثرًا مشتَبهًا فيه بالتطرف حذَّرتها الاستخبارات المغربية مرتين من أنه يتبع الأفكار المتشددة، ثم أظهرت السلطات الألمانية كامل عجزها عن منعه من مغادرة أراضي البلاد، حين كانت تستند إلى تقارير تشير إلى أن وجه المطلوب تَعرَّض لإصابات. وأشارت مصادر إعلامية إيطالية وألمانية إلى أن شرطة ميلانو عثرت عند القتيل على تذكرة قطار فرنسي، مرجحة أن عامري صعد على متن القطار في مدينة شامبيري بجبال الألب الفرنسية، على مقربة من الحدود الإيطالية والسويسرية، متوجهًا إلى مدينة تورينو شمال إيطاليا، ليركب هناك قطارًا آخر نقله إلى ميلانو. في المقابل ترجح مصادر فرنسية أن عامري وصل إلى شامبيري من مدينة ليون بالسكك الحديد، ثم توجه مباشرة إلى ميلانو بقطار سريع. في الوقت نفسه لم يتضح بعدُ ما إذا كان المتشدد غادر الأراضي الألمانية على متن القطار أو بالحافلة، لكن صحيفة "جارديان" البريطانية تشير إلى أن طريق السكك الحديد كان الأخطر بين هذين السبيلين بالنسبة لعامري، إذ تُتخذ في المحطات الحدودية مع فرنسا إجراءات أمنية مشددة بعد حادث إطلاق نار داخل قطار متوجه من آمستردام إلى باريس في 21 أغسطس 2015. في الوقت نفسه تفيد "جارديان" بأن حافلات تابعة لعدة شركات ألمانية تنقل زبائنها إلى جبال الألب الفرنسية ولا تبعد وجهتها إلا كيلومترات معدودة عن شامبيري. وأضافت الصحيفة أن سائق الحافلة هو المسئول الوحيد الذي يفتش جوازات ركابه أثناء سفرهم من ألمانيا إلى إيطاليا، مرجحة أن عدة سائقين قد لا يكونون مؤهلين لتأدية هذه المهمة. في الوقت نفسه تشير التقارير إلى أن عامري، عند وصوله إلى ميلانو، لم يكن بحوزته إلا 100 يورو، ما يثير الشبهات بأن المتشدد كان يأمل في الحصول على المساعدة داخل المدينة، علمًا بأن إيطاليا هي الدولة التي دخل عبرها القارة العجوز عام 2011.