مخلفات المنشآت الصناعية وبودرة الأسمنت والجير أهم المواد المستخدمة فى الإنتاج مصانع شهيرة تتلاعب فى النسب الكيميائية داخل الأسمدة لتحقيق الأرباح دون النظر إلى صحة المواطن دعوات لتشديد العقوبة الجنائية على الجريمة وتحويلها إلى جنحة وليس مجرد قضية غش تجارى عادية غياب دور «التجارة والصناعة».. «الزراعة» تواجه على استحياء 338 قضية غش أسمدة منذ بداية يناير بسجلات مباحث التموين «غمازة الكبرى» و«عرب أبوساعد» أكبر مناطق الصناعة بالجيزة مطالبة البرلمان بسرعة إصدار قانون سلامة الغذاء لحماية المواطنين استغلال أسماء شركات كبرى فى سوق الأسمدة لبيع المغشوش منها المحاصيل المُغذاة عليها تُسبب السرطان قبل أن نفيق من كارثة محققة تهدد صحة البشر واقتصاد الدولة، تداهمنا كارثة أخرى أشد قسوة وأكثر مرارة، تارة بسبب انعدام الرقابة الرسمية من أجهزة الدولة، وتارة أخرى بفعل الضمائر الخربة وتطلعات الثراء السريع من أصحاب النفوس الضعيفة. قبل أسابيع مع نهاية حصاد المحصول الصيفى انتشرت بين أوساط المزارعين على اتساع الخريطة الجغرافية للبلاد من شمالها إلى جنوبها، قصص وحكايات يدور مجملها حول تدنى إنتاجية الأراضى الزراعية، وتعرض البسطاء من أصحاب الحيازات الصغيرة للخسارة. «البوابة» التقطت طرف الخيط وبدأت رحلة البحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الكارثة الاجتماعية والاقتصادية، فتدفق سيل المعلومات المفجعة، وإن كانت غالبيتها تصب فى بوتقة واحدة، هى عدم فاعلية الأسمدة، إلا أن تداعيات استخدامها تذهب بنا إلى ما هو أبشع «تدمير الرقعة الزراعية»، بما يؤدى إلى تلاشى مساحات هائلة من الأراضى الطينية فى الوادى والدلتا. أرقام ضبطيات الأسمدة المغشوشة تدُل على ترصُد حقيقى بسوق السماد المصرية، وتُشير إلى كارثة كبرى، فوفقًا لتقرير مباحث التموين بفروعها الجغرافية، فإن عدد المصانع والورّش المضبوطة فى قضايا غش الأسمدة منذ بداية يناير 2016 حتى بداية نوفمبر من نفس العام، 338 مصنعا وورشة تصنيع، بإجمالى مضبوطات تُقارب 650 طنا من الأسمدة الزراعية المغشوشة والمُقلدة، بالإضافة لما يزيد على 4 آلاف لتر من نوع الأسمدة السائلة التى تُستخدم فى زراعات الخضروات والفاكهة. الأسمدة المغشوشة لا تتطلب بحثا كثيرًا للحصول عليها، فقط المطلوب أن تكون صاحب تجارة حقيقية لبيع السماد وتطلُب كمية كبيرة، كما أن الشرط الأساسى هو توافر المبلغ نقدًا لتوريد واستلام وتحميل السماد فور الاتفاق الشفهى مع صاحب المصنع أو الورشة. أما المناطق التى تعتبر أوكارا لهذه الصناعة، فهى منطقة «شق التعبان» بالمعادى وحلوان باعتبارها أكثر الأماكن شهرة فى بيع المغشوش من الأسمدة، كونها المنطقة الحاضنة لمصانع إنتاج الرُخام، الذى تستخدم مواده فى صناعة الأسمدة المُقلدة والمغشوشة أيضًا، حيث بدأ سطوع نجم منطقة «شق التعبان» فى المغشوش من نوع الأسمدة الفوسفاتية «سوبر فوسفات» منذ ما يقرب من 5 سنوات، حتى إنه تم ضبط 6 مصانع كُبرى تعمل بالمغشوش منذ ما يزيد على 3 سنوات من قبل شرطة البيئة والمسطحات المائية، وتمت محاكمة أصحابها ومصادرة كل الأدوات والمواتير المستخدمة فى تصنيع السماد المغشوش، تلتها حملات كُبرى للسيطرة على ظاهرة غش الأسمدة بالمنطقة، وبالرغم من ذلك ما زالت «شق التعبان» حتى الآن، ملاذًا لتُجار المغشوش فى الخفاء. نشاط انتشار صناعة الأسمدة الفوسفاتية المغشوشة حاليًا له مقر رئيسى، هو قرى مركز الصف بالجيزة، خاصة «قرية غمازة الكبرى» و«عرب أبوساعد»، كونهما قائمتين على مساحة زراعية كبيرة، وبحسب المعلومات التى حصلنا عليها من شرطة البيئة والمُسطحات المائية، فإن قرية غمازة صاحبة النصيب الأكبر من ضبطيات الأسمدة المغشوشة خلال الفترة الماضية، خاصة من نوع «سوبر فوسفات»، لعمل عدد كبير من أبنائها فى غش الأسمدة وتصديرها إلى أصحاب المناطق الصحراوية المستزرعة حديثًا وقرى ونجوع الصعيد، كما أن أغلب الأسمدة المُقلدة تتم تحت مُسمى «شركة أبوزعبل»، وهى إحدى الشركات الوطنية القاطنة بمحافظة القليوبية. أما فى نشاط غش الأسمدة السائلة «المخصبات الزراعية»، فتعتبر قرية «طواحين أكراش» بمركز الإبراهيمية فى محافظة الشرقية وكرًا لتُجار تصنيع وبيع السائل من الأسمدة الزراعية، بالإضافة لبعض بؤر تصنيع المغشوش بالزقازيق، حيث تم ضبط 28 مصنعا لإنتاج المخصبات الزراعية المغشوشة والمُقلدة بتلك المناطق خلال الشهور القليلة الماضية، فقط من قِبل شرطة المُسطحات المائية، كما أن محافظات الدلتا، الدقهلية والغربية، خاصة بمركزى السنبلاوين وميت غمر، وأيضًا محافظة دمياط، لها صيت ذائع فى تجارة الأسمدة السائلة، المغشوش والُمقلد منها. داخل أوکار مصانع الأسمدة المغشوشة نصف ساعة تقريبًا، هى المدة الزمنية التى تفصل بين العاصمة القاهرة وقرية غمازة الكُبرى التابعة لمركز الصف بالجيزة، أكثر ما يصادفك خلال تلك المدة، سحابة سوداء خفيفة تُغطى مجموعة القرى التابعة لنفس المركز على فترات بسيطة، مركز الصف يُعتبر بؤرة تلوث بسبب ما يحتويه من مصانع فحم الكوك والحديد والصلب والأسمنت ومسابك الألومنيوم والطوب الأحمر، المُرخص منها وغير المُرخص، التى يعمل أغلبها بالمازوت المحروق، مستغنين عن الغاز، لكن تظل قرى غمازة الكبرى وعرب أبوساعد والشُرفا، الملاذ الآمن للعديد من مصانع الأسمدة غير المرخصة. «علشان تروح هناك بنفسك وتصور دى مُخاطرة كبيرة ومحتاج تخطيط أو لازم تكون هتشترى كمية سماد كبيرة وفلوسك جاهزة»، قالها أسامة رجب، الاسم المستعار لأحد أبناء قرية غمازة الكُبرى، موضحًا: «بعض أصحاب تلك المصانع والعاملين بها، عليهم أحكام جنائية واجبة التنفيذ، لذا لا بد أن تكون صاحب تجارة حقيقية للاتفاق على شراء السماد ودفع المقابل المادى له فورًا». «رجب» صاحب الأربعين ربيعًا، واحد من المتضررين من انتشار مصانع الأسمدة المغشوشة والمُقلدة، حيث إن ابنه الذى لم يبلُغ الخامسة من عمره، وُلِدَ مُصابًا بأمراض فى القلب والمُخ والُكلى بسبب بيئة التلوث المثالية الناتجة عن انتشار المصانع غير المرخصة، التى لا تُطبق أى معايير لسلامة البيئة المحيطة، ويوضح: «أغلب تلك المصانع تعمل ليلًا فقط، وينتُج عنها تلوث ملحوظ فى الهواء، ومع ملوثات المصانع الأخرى التى كانت سببًا فى انتشار الأمراض بين أهالى القرية، وأيضًا تسببت فى تشوه الأجنة للنساء الحوامل، وهو أمر مُنتشر بكثرة، خاصة فى قُرى غمازة وأبوساعد والشُرفا. بالرغم من أن قُرى «غمازة الكبرى» و«عرب أبوساعد» و«الشُرفا»، تقع شرق النيل، إلا أن تضاريسها مختلفة بعض الشىء، فبالاتجاه شرقًا أكثر مع البعد عن المنطقة السكنية بها، تجد أن تضاريسها أقرب إلى منطقة جبلية، وهى نفس المناطق التى تُقام عليها مصانع الأسمدة المغشوشة، حيث تبعُد عن بيوت ومنازل القرية مسافة تتراوح بين كيلو متر واحد إلى 3 كيلو مترات. ويفسر «رجب» اختيار تلك المناطق، قائلًا: «هم يبعدون عن المنطقة السكنية من القرية حتى يكونوا بعيدًا عن الأنظار، لدرجة أنه يحظر على أى شخص الاقتراب من أماكن تلك المصانع، ما لم يكن أحد أصحابها أو العاملين بها أو مشتريًا، لكن رغم ذلك لا يبتعدون أكثر إلى الداخل، حتى يستطيعون الاستفادة من خدمات الكهرباء والمياه لإنجاز عملهم». يصل عدد المصانع غير المرخصة التى تعمل فى غش الأسمدة بالمنطقة إلى 6 مصانع، تنتشر على امتداد الجزء الجبلى المحيط بقُرى غمازة الكبرى وعرب أبوساعد والشُرفا، بينها مصنعان على جنبات ترعة «كوم أمبو» المستخدمة فى الصرف الصحى، وهى مجاورة لنفس القُرى الثلاثة. بدأت صناعة الأسمدة المغشوشة فى الانتشار بنفس المنطقة قبل ثورة يناير بعدة شهور أو سنوات قليلة، بقدوم مجموعة أشخاص من محافظات وجه قبلى، قرروا شراء قطعة أرض وأحاطوها بسور من الطوب الأبيض، ليبدأوا نشاطهم فى صناعة وإنتاج الأسمدة المغشوشة بمباركة من بعض أهالى القُرى المجاورة، حتى أن أبناء قُرى غمازة وأبوساعد والشُرفا شاركوهم فى نفس التجارة بإقامة مصانع جديدة، أشهر أصحابها «خ أ» صاحب المصنع الأكبر. كانت مشاركة أبناء القُرى الثلاثة فى إقامة مصانع الأسمدة غير المرخصة بالاشتراك فيما بينهم سببًا رئيسيًا فى ضعف الدور الرقابى من باقى أبناء القُرى على تلك المصانع، فى ظل تلاشى الدور الرقابى من الجهات المسئولة، خاصة أن بائعى الأرض والشركاء فى المصانع والعاملين كموردين للخامات وحُراس عليها من أبناء نفس القرى، بحُكم أنها تجنى مئات الآلاف شهريًا دون تكاليف تُذكر. تعتمد المصانع المنتشرة فى حيز القُرى الثلاثة فى إنتاج الأسمدة المغشوشة على بودرة الأسمنت التى تتوافر فى مقالب القومية وحلوان، حيث تتم تعبئة تلك البودرة فى عبوات من قِبل العاملين بالمصانع، وتحميلها فى سيارات ربع نقل إلى المنطقة القاطنة بها، فى رحلة لا تزيد مسافتها على 35 كيلومترا ذهابًا وإيابًا، كما تعتمد فى خامات التصنيع أيضًا على الجير ومواد كيماوية لونها أسمر، وبعض المواد المجهولة أحيانًا، بالإضافة إلى ماكينات تغليف أو خياطة غالبًا حجمها صغير، غير أن الشكائر المستخدمة فى تعبئة الأسمدة المغشوشة، يتم تصنيعها بالاتفاق بين أصاحب المصنع ومطابع تعمل فى بيع الأغلفة، تدون عليها أسماء شركات كبرى تعمل فى مجال الأسمدة، خاصة «أبوقير» فى حالة أسمدة اليوريا و«أبوزعبل» و«حلوان» فى أسمدة الفوسفات. مساحة المصنع الواحد من بين ال6 مصانع تبدأ من 1000 متر وحتى 4 آلاف متر، حسب إمكانية التصنيع والإنتاج والقدرة على التوزيع لتُجار الأسمدة، حيث تُقسم مساحة المصنع من الداخل إلى جزء لخلط المواد والتعبئة، والجزء الأكبر للتخزين، ويتخطى عدد العاملين بالمصنع الواحد 7 أفراد، كما رصدت «البوابة» أثناء إعداد التحقيق البدء منذ أيام قليلة فى إنشاء مصنع جديد فى حيز نفس المنطقة. غالبًا ما تعتمد تلك المصانع على مواعيد ومواقيت غير محددة للعمل، حسبما أكد «محمود عثمان»، الاسم المستعار لأحد أبناء قرية الشُرفا، ويوضح: «قد يعمل المصنع يوم الأربعاء مثلًا، ثم يتوقف عن العمل لمدة 3 أيام متوالية، بالإضافة لعدم التزامه بمواقيت معينة للعمل، لكنها غالبًا تكون ليلًا». ويؤكد الشاب الثلاثينى، فى مفاجأة، أن أحد المصانع الذى تم إغلاقه وتشميعه بالشمع الأحمر منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، بواسطة حملة من شرطة البيئة والمسطحات المائية، الذى يمتلكه أحد أبناء القرية المعروفين بالعمل فى الأسمدة المغشوشة منذ سنوات عديدة، قد عاد إلى الحياة مرة أخرى منذ شهر تقريبًا، ليعمل فى تصنيع الأسمدة على استحياء كل عدة أيام، دون أن يقوم بتقنين وضعه. ويشير «عثمان» إلى جانب آخر من النتائج السيئة لانتشار مصانع الأسمدة المغشوشة والمُقلدة بقُرى مركز الصف، حيث إن الأراضى الزراعية قاربت من أن تكون عديمة النفع، بسبب المياه الجوفية المليئة بالأملاح والبيئة المحيطة الملوثة، والانبعاثات الضارة الناتجة عن أدخنة المصانع غير المرخصة، والأسمدة الفاسدة والمغشوشة المنتشرة بالقرية، مضيفًا أن الأراضى التى تُروى بمياه الصرف الصحى بقرية الشُرفا أصبحت أفضل من غيرها. ليست فقط قرى غمازة الكبرى وعرب أبوساعد والشُرفا وكرًا لصناعة وتجارة الأسمدة المغشوشة بمركز الصف فى الجيزة، ففى ديسمبر 2014، تقدم أهالى قرية عرب الحصار البحرية بنفس المركز، بشكوى إلى الوحدة المحلية لمركز ومدينة الصف، يتهمون فيه «و. ك» بإقامة مصنع لتصنيع كيماويات الأسمدة الزراعية بدون ترخيص، ويقام على أرض مملوكة للدولة، بعدما عانوا من وجوده وسط المنازل، وانبعاث روائح كريهة منه ضارة بالإنسان والبيئة. حتى أصدرت الشئون القانونية للوحدة المحلية لمركز ومدينة الصف قرارها رقم 130 لسنة 2014، حصلت «البوابة» على نسخته، بناء على معاينة لجنة من وحدة مركز الصف فى 16 ديسمبر 2014 أثبتت وجود المخالفات، التى نصت على غلق المصنع القاطن بعرب الحصار البحرية، وذلك لإدارته دون ترخيص، بالمخالفة لأحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 الخاص بتراخيص المحال التجارية والصناعية، وإقامته على أرض مساحتها 30 مترا فى 70 مترا، ملك الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بالمخالفة لبنود العقد، بعدما سجلت أيضًا اللجنة فى معاينتها وجود كسارة فوسفات بالمصنع وحوض للمياه وعدد 7 خلاط صغيرة. بيع المغشوش لمحافظات الصعيد سعر شراء طن سماد السوبر فوسفات من داخل مصنع وشركة معروفة، يتراوح بين 890 و900 جنيه، ومعظم تجار الأسمدة لا يتعاملون مع تلك الشركات والمصانع مباشرة، إلا فى حالة طلب كميات كبيرة وتوريد فورى لمقابلها المادى، مما يدفع هؤلاء التجار إلى التعامل مع وسطاء من أصحاب المحلات الكبرى فى بيع الأسمدة، لتوريد ما يلزمهم من احتياجات بفواتير شراء يدون عليها اسم صاحب التجارة، مقابل التأكد من رخصة التجارة وامتلاك السجل التجارى، حسبما أكده حسن جابر، الاسم المستعار لصاحب أحد محال بيع الأسمدة والمبيدات بمركز الصف، الجيرة. ويكمل جابر: «معظم الأسمدة لدينا إما من مصانع وشركات كبرى قاطنة بحلوان فى حالة سماد الفوسفات، وإما من إسكندرية بالنسبة لأسمدة الماغنسيوم، وأتحمل خلالها أجرة تحميل السماد من قلب المصنع أو من عند صاحب التجارة الكبرى، كتكاليف إضافية لسعر الطن، وفى النهاية أبيع هذا الطن من الفوسفات بمبلغ 950 جنيها، أو بإضافة مكسب 1 أو 2 جنيه على العبوة الواحدة، بصافى ربح 30 أو 40 جنيها فى الطن، أما أصحاب تجارة الأسمدة المغشوشة المنتشرون فى مركز الصف يكون سعر سماد الفوسفات لديهم بمبلغ لا يتخطى 800 جنيه للطن الواحد بأى حال». رغم فروق الأسعار الكبيرة بين الأسمدة السليمة والأسمدة المغشوشة، إلا أن «جابر» ينفى تأثر تجارته بانتشار مصانع المغشوش بالمنطقة القاطن بها، موضحًا: «الفلاح نفسه عندما يجد أن الأسمدة التى يشتريها لا فائدة منها وأنها مُقلدة، لا يعود مرة أخرى للشراء من نفس التاجر، لذلك يبتعد أصحاب مصانع الأسمدة المغشوشة من التعامل مع أبناء قُراهم بالبيع أو الشراء، ويبيعونها لتُجار بمحافظتى المنيا وأسيوط، والأماكن البعيدة الأخرى، تجنبًا للمشاكل، وأيضًا يبتعد أهالى القُرى عنهم، لأنهم على علمٍ تام بما يصنعونه أمام أعينهم». وينوّه بأنه منذ مدة تُقارب الشهرين تم غلق أحد المصانع التى تعمل فى غش الأسمدة بقرية عرب أبوساعد بعد القبض على صاحبها، ويشير «جابر» إلى أن انتشار المصانع غير المرخصة التى تعمل فى الأسمدة بمركز الصف يرجع إلى سببين، الأول سهولة تصنيع البعض منها كالسوبر فوسفات، والثانى لأن بعض المسئولين بالمركز تربطهم علاقات مصالح بأصحاب تلك المصانع، وهو ما يساعد على ازدياد فجوة عدم الرقابة من قبل أفراد الشرطة، خاصة أنها ضعيفة بالفعل. «محمود كارم»، 43 عاما، قال: «إن السماد المُصنع فى قُرى مركز الصف، يعود إليها مرة أخرى عن طريق التُجار»، ويوضح: «إنتاج المصانع غير المرخصة القاطنة بقرية غمازة الكُبرى يتم تحميله على «تريلات» لتخرج أمام مرأى ومسمع من الجميع إلى خارج المركز تمامًا، قاصدة محافظات وجه بحرى، والأغلبية منها يتجه إلى تُجار قرى ومراكز محافظات الصعيد، لكن بعض التُجار يعود به إلى داخل قُرى مركز الصف مرة أخرى بعد عمليات بيع وشراء متوالية، بعدما يكون اطمأن الجميع أن المغشوش ابتعد عن سوق شرائهم». سهولة غش الأسمدة المُحببة طُرق عديدة تتبعها المصانع والورّش لغش الأسمدة الزراعية الُمحببة، بداية من تخفيف نسب المُركبات الموجودة فعليا بالسماد، واستبدالها بمُركبات كيماوية أقل سعرًا، مرورًا بإعادة تغليف الأسمدة منتهية الصلاحية بتواريخ جديدة وبيعها، وصولًا بإضافة خامات مجهولة المصدر ليس لها علاقة بالسماد، مثل إضافة الحجر الجيرى، والجبس وبودرة السيراميك والرُخام والبودرة الملونة، والرمال والأحجار المطحونة. يُرجح «الشاذلى الصاوى»، موظف بشركة السويس للأسمدة، انتشار غش الأسمدة المُحببة، خاصة سوبر فوسفات، كون صناعتها شبه يدوية، ما يجعل طريقة تصنيعها أسهل، حيث إن سوبر الفوسفات على سبيل المثال، تتم صناعته داخل مصانع الأسمدة على مرحلتين، الأولى مزج الفوسفات بعد طحنه مع حمض الكبريتيك المُركز حتى يتحول من فوسفات ثُلاثى إلى أحادى الذرة، والثانية تحويله من مُنتج ناعم إلى مُحبب كغلة القمح أو أقل فى الحجم، ليكون الناتج النهائى هو سماد السوبر فوسفات المتوفر فى الأسواق، مشيرًا إلى أنه فى حالة صناعة سماد الفوسفات داخل ورشة، تتلاشى جودته نهائيًا لاختفاء تطبيق النسب الصحيحة فى تصنيعه. وأضاف «الصاوى» أنه يصعب التلاعب فى تصنيع أسمدة سُلفات النشادر وحامض الكبريتيك، لأنهما يتطلبان تكنولوجيا حديثة، كما أن غاز الأمونيا المستخدم فى تصنيع أسمدة النشادر يصعب تداوله بين الناس، لأنه سام ومُميت، منوهًا بأن الغش فى أسمدة النشادر والكبريتيك يعنى تبديلًا كاملًا للمواد المكونة لتلك الأسمدة. فيما أشار «عبد الناصر. م»، عامل خط إنتاج بمصنع حلوان للأسمدة، إلى أن تصنيع سماد اليوريا يتم من خلال دخول الغاز الطبيعى إلى خطوط إنتاج عديدة لتنقيته من التبريد وبعض المواد، ثم يتعرض لدرجة حرارة معينة يتحول من خلالها الغاز إلى الأمونيا، ومنها إلى مفاعلات أخرى حتى يتكون «اليوريا» المُنتج النهائى، وبذلك يصعُب غشه من قبل الورش والمصانع إلا فى حالة امتلاكها خطوط إنتاج تُمكنها من التلاعب فى نسب الغازات المستخدمة والأمونيا، مشددًا على أنه فى كل مراحل إنتاج سماد اليوريا يكون التحكم إلكترونيًا وبالأجهزة الحديثة، ولا توجد صلاحية للتحكم اليدوى لأى عامل أو موظف. فوضى بيع ماکينات تغليف الأسمدة تصنيع الأسمدة المغشوشة والمقلدة يعتمد بشكل كبير على طريقة التعبئة، فمع كل ضبطية تقوم بها مباحث التموين أو شرطة البيئة والمسطحات المائية، يتم العثور داخل المصانع والورش غير المرخصة وغير المطابقة لأى مواصفات، على ماكينات تغليف وخياطة لغلق العبوات، وأيضًا إستيكر يستخدم فى اللصق على تلك العبوات بأسماء شركات وهمية. «فيه ماكينات تغليف خاصة بالأسمدة عندكم؟» توجهنا بالسؤال لأحد فروع الشركات الكبرى التى تعمل فى مجال ماكينات التغليف والتعبئة فى مصر، فكان الرد نصًا من الطرف الآخر للمكالمة: «موجود عندنا للنوعين، السائل والمُحبب، حسب ما تحتاجه من أوزان، لكن حضرتك لازم تشرفنا بالزيارة لاختيار ما يلزمك من بين الأنواع المختلفة». شراء ماكينات تغليف الأسمدة السائلة والمُحببة بالأوزان المختلفة من مئات الشركات، لا يتطلب أى شروط، حتى دون الكشف عن هوية المُشترى، وهو ما يمثل فوضى تُساعد على انتشار إنتاج وتصنيع المغشوش والمُقلد من الأسمدة الزراعية، وتبدأ أسعار بيع ماكينات تعبئة الأسمدة السائلة من 10 آلاف جنيه، حسبما قال «سالم محمود»، أحد العاملين بشركة بيع ماكينات تعبئة وتغليف، موضحًا: «مكينة تعبئة السماد السائل تستطيع أن تملأ زجاجات من 1 ملليمتر حتى 5 لترات، أما بالنسبة لماكينات تعبئة الحبيبات بالنظام الحجمى «الكميات الكبيرة» فتبدأ أسعارها لدينا من 81 ألف جنيه». وينوّه «محمود» أن ارتفاع أسعار ماكينات تغليف الأسمدة السائلة والمُحببة، الأوتوماتيك والنصف أوتوماتيك منها، يعتبر عبئًا على أصحاب الورش غير المرخصة فى تصنيع الأسمدة، ما يجعلهم يلجأون إلى ماكينات تغليف قديمة عفا عليها الزمن أو طُرق بدائية فى التغليف أحيانًا، حتى لا يتكلفون أعباء مادية زائدة، وأيضًا لتناسب تجارتهم المُهددة بالغلق والوقف فى أى لحظة. سبب انتشار السرطان «قضايا غش الأسمدة ومُحسنات التُربة بالآلاف سنويًا.. وغش بعض الأسمدة مش محتاج حرفنة»، بدأ بها سميح عبد القادر، أستاذ المبيدات والسموم بالمركز القومى للبحوث الزراعية، موضحًا أن أدوات بسيطة كالبراميل والمضارب، مع شراء خامات ليست لها قيمة للتربة الزراعية وأدوات تغليف داخل مصانع وورش «بير السلم»، تُصنع وتنتج آلاف الأطنان سنويًا من الأسمدة التى يستخدمها المزارعون. ويُشير أستاذ السموم إلى أن أسمدة اليوريا التى تُستخدم بحذر شديد من قبل المزارعين، فى حالة التلاعب فى النسب المكونة لها، تكون النباتات والمحاصيل المُغذاة عليها سبابًا مباشرًا للإصابة بالسرطانات، ويُضيف عبد القادر: «الأسمدة المغشوشة لا تُحقق الفائدة الغذائية المطلوبة للتُربة، كما تنعكس نتائجها على النواحى الاقتصادية على الاستزراع والمحاصيل، وفى حالة احتوائها على مواد ليست مفيدة فقط بل ضارة، قد تقتل «فلورا التُربة» بما تحتويه من كائنات كثيرة تعمل على انتعاش الجذور، بالإضافة إلى أن جميع الملوثات الزراعية تمُر بدورة تنتهى إلى جسم الإنسان، وبالتالى قد تؤثر على صحته وليس فقط اقتصاده». الأسمدة القابلة للخلط أشد خطرًا أزمة الأسمدة المغشوشة ليست بعيدة عن الجهات الزراعية الحكومية أيضًا، فمنذ فترة ليست ببعيدة، تورط بعض المسئولين بمركز البحوث الزراعية فى التعاقد مع مصانع وشركات كُبرى فى إنتاج الأسمدة، التى يقوم المركز بتوزيعها على المزارع البستانية للمحاصيل المختلفة، وكانت تلك الأسمدة فى حقيقة الأمر مُنتهية الصلاحية، ومنها ما قاربت صلاحيتها على الانتهاء بعد أيام قليلة، وحدث التلاعب بأن تم «ضرب تيكت» جديد لتلك الأسمدة مدون عليه تواريخ صلاحية جديدة، حسبما أكده محمد فضل الله عثمان، الأستاذ بمركز البحوث الزراعية، واختتم قائلًا: «موضوع الأسمدة فيه تلاعب كبير.. ومقدرش أوضح لك أكتر من كده». مع عدم قدرة المزارع على تحمل تكاليف إضافية لتحليل سماد محلى أو مستورد مع كل عملية شراء جديدة، للتأكد من صحة النِسَب المدونة على الغُلاف، واختفاء الدور الرقابى لوزارة الزراعة والجهات المنوط بها مراقبة سوق الأسمدة والمُخصبات، تنتشر ظاهرة الأسمدة المغشوشة فى الأسواق، السائل منها والمُحبب على حد سواء، حسبما أكده خليل المالكى، أستاذ المبيدات ووقاية النبات بمركز البحوث الزراعية، مضيفًا أن الفلاح ضحية غش الأسمدة، لخسارته مبالغ مالية مقابل أصناف مضروبة، وأيضًا لأن محصوله لا يأتى بالنتيجة المرجوة، لعدم وجود العناصر الغذائية المطلوبة للتُربة أو للنبات فى السماد المغشوش. ويوضح «المالكى»: «يحتاج المزارع إلى سماد أو مخصبات للتربة بها نسبة نيتروجين عالية، وبصورة مُركزة فى فترة ما للمحصول، وفى فترة أخرى كفترة الإثمار مثلًا يحتاج إلى تقليل نسبة النيتروجين وزيادة نسبة البوتاسيوم لزيادة حجم الثمرة، وتكوين مرحلتها الأخيرة، وإذا ما تم التعامل مع أسمدة ومخصبات مغشوشة، يخسر جزءًا كبيرًا من محصوله، أو مواصفات الثمار المطلوبة، وفى نفس الوقت يكون قد دفع الثمن مقابل مُنتج سبب له خسارة مادية وله أضرار على التُربة». الأخطر من ذلك بحسب «المالكى»، أن بعض المبيدات القابلة للخلط يستخدمها المزارعون لتوفير تكاليف الرش، عندما يتم خلطها بأسمدة ومخصبات مغشوشة وملعوب فى نسب تكوينها، مثل الأسمدة المخلبية، كالحديد والمنجنيز المخلبى، تؤدى إلى مخاطر وكوارث ليس فقط للتربة الزراعية بل لثمار المحاصيل، وهو ما يُشكل خطرًا على الصحة العامة. وجه آخر لغش الأسمدة يتهم «منتصر البحارى»، 42 عاما، الجمعيات الزراعية بمركز دشنا، محافظة قنا، بغش الأسمدة أيضًا، قائلًا: «بعض أنواع الأسمدة التى يتم توزيعها على المزارعين من الجمعيات الزراعية خلال فترات معينة، يكون وزنها 47 أو 48 كيلوجراما بدلًا من 50 كيلو، مثل اليوريا بأنواعها، وهى أسمدة يتم استخدامها مع المحاصيل الصيفية والشتوية، وأيضًا محصول القصب الذى من المفترض أن توفر له الجمعية 13 عبوة من سماد اليوريا للفدان الواحد، وبالمناسبة هى كمية غير كافية، فقط يتم تسلمينا 6 أكياس منه، وتفرض علينا استلام الكمية المُتبقية من سماد فيرميكس، وهو غير مناسب لمحصول القصب، وتحول لونه من الأخضر الغامق إلى الأصفر، وسعره يتخطى 85 جنيها، كما أنه أقل فى الحجم، لدرجة أن كل 5 عبوات من اليوريا يُقابلها 10 من الفيرميكس، حتى تعطى نفس النتيجة». ويؤكد أن بعض المسئولين داخل الجمعيات الزراعية يقومون ببيع الكميات الواردة من السماد إلى تُجار بعينهم، مقابل الاتفاق على استلام مبلغ معين عن كل عبوة مُباعة، وذلك بسبب عدم وجود رقابة على تلك الجمعيات، حتى إن بعض الزراعات، مثل القصب، على مشارف حصدها وجمعها، لم يتسلم أصحابها الكميات المُخصصة لها نتيجة ذلك. ويُشير «البحارى» إلى أن عدم كفاية عبوات الأسمدة المُخصصة لكل حيازة زراعية فى الجمعيات الزراعية وعدم توافرها فى بعض الأحيان لمحاصيل مثل القمح، يدفع المزارعين إلى الاتجاه نحو الشراء من تُجار السوق السوداء بأسعار أغلى، تتراوح زيادتها بين 20 و50 جنيها لبعض الأسمدة، كما يُعرضهم إلى أسمدة مغشوشة، مثلما حدث معه أثناء شراء سوبر الفوسفات واليوريا، المُتلاعب فى نسبها، وكانت تحمل اسم «العين السخنة». ويضيف «البحارى»: «عند الشراء من بعض التجار الذين تربطنا بهم علاقات قديمة، نجد أن هناك سعرين لنوع سماد معين، وحينما تسأله يقول لك وهو يشير بيده تجاه العبوات صاحبة السعر الأقل، صناعة تحت بير السلم، وغالبًا تأتى تلك الأسمدة فى صفقات إلى التُجار من محافظات حلوان والدقهلية وخاصة المنيا، وكُلها غير مُفيدة للأرض أو للمحصول، وفى حالة استخدامها نقول كأنك يابو زيد ما غزيت لعدم نفعها». بينما قال «مصطفى علم الدين»، 36 عاما: «إن الجمعية الزراعية بمركز إسنا الأقصر، بدأت منذ ما يقرب من العام، فى بيع أسمدة خلاف التى يتم توزيعها على الحيازات الزراعية، تحت مُسمى (كيماوى حر)، وهو أغلى سعرًا من الأسمدة الشبيهة له لدى التُجار وأقل كفاءة، غير أن المزارعين يُقبلون على شرائها فى حالة توافرها بدلا من التعامل مع بعض التُجار، الذ ويؤكد «علم الدين» أن سوبر الفوسفات يُعتبر أكثر الأسمدة المغشوشة توافرًا لدى التجار، تحت مُسميات شركات عديدة، أشهرها «العين السخنة» و«أبوزعبل»، وهو عبارة عن حجر جيرى وجبس وبودرة، تم خلطها بطريقة معينة ثم تعبئتها وتغليفها، لدرجة أن بعض التُجار المشهورين لديهم عشرات الأطنان غير المباعة منذ فترة، بعد اكتشاف المزارعين تلك الأصناف، خاصة أنها لا تذوب فى تربة الأرض، وتظل حبيباتها الرفيعة اللامعة موجودة داخل الأرض لمدة أسابيع. مصانع کبرى تغش في النِسَب «فريد واصل»، نقيب الفلاحين، أكد أن أسواق السماد مليئة بالمغشوش منها، الذى يتم تداوله بصفة أكبر فى الأراضى الصحراوية، بسبب حاجة أصحابها إلى كميات كبيرة من الأسمدة والمخصبات الزراعية، لإثراء التُربة بالعناصر المطلوبة، وأنه حدثت الفوضى بسوق الأسمدة بشكل كبير بسبب اختفاء دور «الإرشاد الزراعى»، الذى بدوره كان قبلة الفلاحين الأولى للنصيحة والتعليمات الزراعية المُفيدة، وله دور رئيسي فى حماية وتوعية الفلاح بأنواع الأسمدة السليمة واختلافها عن المغشوشة والمُقلدة، مضيفًا أن الدور الرقابى بوزارتى الزراعة والتموين، أصبح ضعيفًا ومجرد حبر على ورق، ما ساعد فى انتشار أسواق الأسمدة المغشوشة بالمحافظات المختلفة، التى- على حد قوله، انتصرت على الدولة والفلاح والمواطن المصرى. وينوّه «واصل» أن بعض الفلاحين يتعرضون إلى السجن بسبب الأسمدة المغشوشة، فبعد أن يلجأون إلى بنك التنمية الزراعى للحصول على قروض ليشترون بها بذور وأسمدة ومبيدات، فيحدث أن محصولهم لا يُغطى التكاليف ويُحقق خسائر، يتخذ بعدها البنك إجراءاته القانونية ضدهم، ما يتسبب فى السجن لبعضهم، مشيرًا إلى أن غش الأسمدة والمخصبات الزراعية جزء من المُشكلات الحالية المتمثلة فى أزمات اختفاء الأرز والسُكر والفول، وأيضًا زيادة معدلات استيراد المحاصيل الزراعية من الخارج. ويلفّت «واصل» إلى أن بعض مصانع الأسمدة الكُبرى المُنتجة للبوتاسيوم والفسفورات التى تُستخدم كعناصر مُكملة للعملية الزراعية، تقوم بغش منتجاتها عن طريق كتابة نسب غير النسب الحقيقية الموجودة داخل العبوة، مُستغلة ثقة الفلاحين بها، وهو ما اكتشفه بعض المزارعين بعد تحليلهم سمادا معينا لمعرفة مدى صحة نسبة البوتاسيوم المدونة على العبوة التي تقدر بنسبة 46٪، فوجدوا أن نسب عناصر البوتاسيوم فقط 6٪، وهو ما يعتبر جريمة غش تُعاقب عليها تلك الشركات، لتدوينها بيانات على العبوات غير حقيقية بالمرة. وعن عجز السماد داخل الجمعيات الزراعية وعدم توافره أحيانًا، قال «واصل» إن الجمعية الزراعية أصبح فقط دورها «دُكانة»، إن أرسلت لها الوزارة سمادًا تجدها مفتوحة فقط، بالرغم من أنها تمتلك رأسمالًا خاصًا بها تستطيع من خلاله إنشاء مصانع أسمدة تساهم فى عملية القضاء على عجز الأسمدة. ارتفاع أسعار الأسمدة اجتماع لجنة الأسمدة بوزارة الزراعة مع مندوبى وزارات البترول والاستثمار والتجارة والصناعة، منذ أيام قليلة، الذى كانت نتائجه الاتفاق على رفع أسعار الأسمدة الأزوتية إلى 3 آلاف جنيه للطن بدلا من السعر الحالى 1950 جنيها للطن، قد يساعد فى انتشار واسع لعمليات غش الأسمدة، بسبب اتجاه المزارعين للإقبال على الأسمدة الأقل سعرًا. وفقًا لبيان صادر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان، فإنه لا توجد أزمة فى إنتاج الأسمدة بمصر، ولكن لا بد من إعادة النظر فى منظومة التوزيع والرقابة على الأسمدة الأزوتية، بما يتفق مع توفير الاحتياجات الأساسية بالسوق المحلية، حيث يبلغ الإنتاج السنوى من الأسمدة فى مصر حوالى 18 مليون طن، فى حين الاستهلاك المحلى لا يتجاوز 9 ملايين طن سنويا، كما تُنتج مصر سنويا حوالى 10 ملايين طن أسمدة أزوتية، فى الوقت الذى لا يتجاوز فيه الاستهلاك المحلى 8.5 مليون طن، ويصل عدد الشركات المنتجة للأسمدة الأزوتية إلى 8 شركات، بينما يصل عدد الشركات المنتجة للأسمدة الفوسفاتية إلى 3 شركات. وأشار بيان مركز الأرض إلى أن مظاهر أزمة الأسمدة الكيماوية فى مصر، تتمثل فى التلاعب فى حصة بنك التنمية والائتمان الزراعى من الأسمدة الكيماوية التى تصل إلى 35٪ من الإنتاج الكلى المحلى، وذلك من قِبَل موظفى البنك، فى ظل عدم شفافية قرارات وتعليمات إدارية تؤدى فى النهاية إلى عدم وصول السماد إلى المزارعين، كما أن بعض المزارعين يشكون من تجاوزات تتم فى تعامل البنك معهم، مثل ربط شراء أنواع أخرى من الأسمدة والبذور والمبيدات التى لا يحتاجها المزارع بشراء الأسمدة الكيماوية التى يحتاجها، وحدوث عمليات تهريب للأسمدة من البنك للبيع فى السوق السوداء. يقول «أحمد الشربينى»، 52 عاما، بقرية نوسة الغيط بالدقهلية، إن مزارعي القرية أحجموا عن شراء الأسمدة الزراعية المتوافرة لدى تُجار قرية سلكا، بعدما انتشرت الأسمدة والمبيدات المغشوشة لديهم، مما أثرت على المساحة الزراعية فى القرية، وتسببت فى نقصانها، كما أن نتائجها أثرت أيضًا على إنتاجية المحاصيل الزراعية، مضيفًا أن الجمعية الزراعية أضحت السبيل الوحيد أمام المزارعين لشراء السماد، حتى وإن كانت لا توفره بالكميات المطلوبة، مستنكرًا ملامح قرارات زيادة الأسمدة، قائلًا: «الزرع مش جايب همه، والمزارع على قد حاله بسبب زيادة الأسعار، ولا يمكن تحمل زيادة أسعار الأسمدة أيضًا، لأن بعض مزارعي القرية حاليًا لا يعطون الزرع الكمية المطلوبة من السماد، ما بالك لو ارتفعت أسعاره». خبراء الزراعة خارج الخدمة تتعدد الجهات المسئولة عن مراقبة واكتشاف وضبط مخالفات الأسمدة، فتقع تلك المسئولية على مباحث وزارة التموين وشرطة البيئة والمسطحات المائية، فيما كان دور وزارة الزراعة فى مراقبة سوق الأسمدة على استحياء، واختفاء كامل لدور وزارة التجارة والصناعة. تفتُت الدور الرقابى قد يكون سببًا رئيسيًا فى عدم وجود رقابة حقيقية على سوق الأسمدة، هو ما أكده جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى، مُشددًا على ضرورة اقتصار الرقابة على أسواق الأسمدة والمخصبات الزراعية والمبيدات على جهة محددة، يكون لخبراء وزارة الزراعة دور رئيسي بها، يستخدمون فيها وسائل اكتشاف حديثة للغش، لأنهم على دراية علمية وعملية بالمغشوش والسليم من الأسمدة، لأن رجال الشرطة قد يكونون على غير علم بالمغشوش والمُقلد أحيانًا من الأسمدة. ويضيف «صيام»: «لابد أيضًا من تشديد العقوبة القانونية على غش الأسمدة والمخصبات والمبيدات بأنواعها المختلفة، فلا يمكن اعتبارها مجرد قضية غش تجارى عادية، تُعامل كأنها جُنحة، لأنها فى الحقيقة يُمكن القول إن غش السماد يعنى الإضرار بصحة النبات والإنسان، وأيضًا إهدارا للموارد ويؤثر على الإنتاجية الزراعية فى مصر، ويتسبب فى مشاكل ضخمة للفلاح من حيث الدخل والربحية». فيما يعاود خليل المالكى، أستاذ المبيدات، قائلًا: إنه لا بد أن يُعاقب أى مصنع مُرخص مُنتج للأسمدة وتم إثبات غِشه، بسحب الترخيص والحُكم الرادع لمن لا يمتلكون الحق فى التصنيع، لأن غش السماد لا يقل خطورة عن غش الأدوية، ويوضح: «للأسف النيابة تتعامل مع غش الأسمدة وأيضًا المبيدات، على أنهما قضيتا غش تجارية بسيطة، بالضبط جنحة، كما أن الكميات الُمتحفظ عليها تضعها النيابة تحت حراسة صاحب المكان، وهذا يشجع الكثيرين على الاستمرار فى طريق غش الأسمدة والمبيدات، لتأكده بأن الأمر فى النهاية سيكون شهر حبسا لا أكثر، وهو ما يُعتبر سببًا فى زيادة ظاهرة المبيدات المغشوشة وليس القضاء عليها». سعاد الديب، رئيس جمعية حماية المستهلك، طالبت الحكومة والبرلمان بضرورة الإسراع فى إصدار قانون سلامة الغذاء المُتعلق بصحة وسلامة الإنسان المصرى، لما سُيتيحه من قُدرة على تتبع الغذاء المُستهلك منذ بداية زراعته فى الأرض، حتى وصوله إلى يد المستهلك، مشيرةً إلى أن الإسراع فى إصدار هذا القانون سيُساهم بدوره وبشكل كبير فى القضاء على الأسمدة والمبيدات والمخصبات الزراعية المغشوشة، وأضافت «الديب» أن غش الأسمدة، مثل انتشار الغش فى مجالات مختلفة، يقوم به أشخاص منعدمو الضمير، لأنه فى النهاية يكون له أثره المباشر على صحة الإنسان.