فى الفترة التى صعد فيها نجم الأنبا بيشوى، مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى، لم يكن هناك صوت يتصدى له ولأفكاره غير الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط المستنير، الذى أصبح قبلة دعاة الإصلاح الكنسى، حيث قدم نيافته أفكارًا متميزة ورائدة ما زالت صالحة لإنقاذ الكنيسة، منها مطالبته بتكوين مجلس أعلى ليعاون البطريرك والأساقفة فى إدارة شئون الكنيسة. بعد جلوس البطريرك تواضروس الثانى على الكرسى المرقسى، لم يقدم الأنبا بفنوتيوس أيا من الكتب الإصلاحية الجديدة إلا منذ أيام قليلة، حيث خرج للنور كتابه «المرأة فى المسيحية»، الذى عاد فيه إلى موقعه الإصلاحى المهم، ليؤكد أن الاستنارة أسلوب حياة لا يتغير. جاء كتابه الجديد «المرأة فى المسيحية» ليتحدى عددا ممَن أطلقوا على أنفسهم ألقابًا غريبة لا علاقة لها بالمسيحية مثل «حماة الإيمان»، واتخذوا من تزييف الحقائق طريقا، ومن السلفية الفكرية والحياتية سدا منيعا ليقفوا ضد كتابات الآباء المستنيرين، ليتساوى مع أحد شيوخ السلفية الذى يرى الحيض فعلا شيطانيا، وكانت بداية تجدد قضية موقع المرأة فى المسيحية كتابا مهما أصدره الراهب الجليل يوئيل المقارى، دافع فيه من منطلق آبائى عن تناول المرأة فى صلاة القداس من جسد المسيح ودمه أثناء فترة الحيض، حيث كما هو واضح لا علاقة للتناول بهذا الأمر الذى نظمه الله الخالق فى جسد المرأة. وأثار الكتاب حفيظة الجهال، والذين قادتهم امرأة تعمل مذيعة بإحدى القنوات الدينية المسيحية ولا ترى عيبًا فى اعتبار المرأة نجسة عدة أيام من الشهر، وهنا دخل الأنبا بفنوتيوس بثقله الروحى الكبير ومكانته فى الكنيسة، فقد كان نيافته أحد المرشحين لكرسى البطريرك ليصدر هذا الكتاب المهم، ليفتح بالنور طريقًا فى وسط الظلمة، ومن القضايا التى أثارها الكتاب فى الفصل الأول «العلاقات الزوجية والتناول والصوم». ففى الوقت الذى يعتقد كثير من الأقباط أنه لا يمكن أن يمارس الجنس مع زوجته ويشارك فى التناول رغم أن الزواج سر كنسى، وكذلك التناول سر كنسى، والاثنان يتدخل فيهما الروح القدس، حيث يحول الزوجين فى السر الزيجى إلى جسد واحد ويحول القربان وعصير الكرمة إلى جسد المسيح ودمه، من هنا أكد الكتاب أن العقيدة الآبائية -أى التى تنتمى فكريا إلى آباء الكنيسة القديسين الأوائل- تنظر للعلاقة الزيجية الجسدية -ممارسة الجنس- بصورة سرائرية مقدسة تمثل الوحدة التى هى أيقونة للاتحاد مع الله وترى المضجع طاهرًا غير دنس ولا نجس، كما ترى الإفرازات الطبيعية من طمث واحتلام هى طبيعة خلقها الله وما يخلقه الله غير نجس ولا دنس ولا يمكن أن يخلق الله ما يمكن أن يعيق الإنسان عن الاتحاد به أو أن يكون مصدر الاتحاد هو ذاته مصدر الفرقة. وطرح الفصل الثانى من الكتاب سؤال: هل تتناول المرأة أثناء الدورة الشهرية؟ وأكد الأنبا بفنوتيوس أن هناك فرقا كبيرا بالطبع بين أقوال الآباء وتعاليمهم أو رسائلهم وبين القوانين الكنسية التى أقرتها المجامع المسكونية (العالمية) أو المكانية (المحلية)، فأقوال الآباء وتعاليمهم ليست ملزمة للكنيسة مثل القوانين الكنسية المعتمدة، فهذه الآراء قابلة للنقد أو حتى الرفض، لأنه ربما تكون هذه الآراء تخص أمورا لها ظروفها غير موجودة الآن، وأيضًا الآباء غير معصومين من الخطأ، خاصة إذا كانت هذه التعاليم أو حتى القوانين لا تتوافق مع الفهم السليم لنصوص الكتاب المقدس أو لم تأخذ بها المجامع المسكونية (العالمية) أو المجامع المكانية (المحلية). «إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكى نتبرر بالإيمان». «غل24:3»، ولكننا لم نعد نعيش بالناموس. «فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها إذ الناموس لم يكمل شيئًا ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله» «عب 19،18:7». فإذا كنّا ما زلنا نظن أن النساء نجسات بسبب إفرازاتهن فنحن ما زلنا نفكر بحسب الناموس القديم وما زلنا نعيش تحت دينونته. - فالمسيح هو ناموسنا الجديد.. الذى جعل كل الأشياء طاهرة بقبوله الخليقة بنفسه وتقديسها لأنه قدوس وبطبيعته يقدس الأشياء بمجرد أن «الكلمة صار جسدا وحل بيننا». «يو14:1». كل الأجساد صارت مقدسة فيه على الأقل هؤلاء من يلبسون المسيح فى المعمودية.. هذا هو السبب أن المسيح قبل الروح القدس فى معموديته. - يقول القديس يوحنا ذهبى الفم فى معرض تفسيره لرسالة تيطس «كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيئا طاهرا بل قد تنجس ذهنهم أيضا وضميرهم». «تى15:1». - الذين يخلطون بين الحق والباطل ويقيدون حرية المرأة فى فترة الحيض هم من مناصرى الخرافات والأساطير. يقول القديس إثناسيوس الرسولى: «الإنسان كما تقول الكتب المقدسة من عمل يدى الله فكيف يمكن أن يتكون عمل نجس من قوة نقية؟! فلا شيء نجس إذا فينا! لأننا نتدنس إذا أخطأنا والخطية هى النجاسة الحقيقية. عندما تحدث إفرازات من الجسد بدون إرادة فإن ما نختبره هو جانب ضرورى تحتمه الطبيعة، فما هى الخطية، إذا كان السيد الذى صنع الجسد هو الذى شاء وخلق القنوات التى تفرز هذه الإفرازات؟! - ليست الإفخارستيا مثل أى طعام نأكله ويتحول فينا إلى لحم وعظام ويطرد الجسم الإنسانى ما لا يريد أو ما لا تقوى أجهزة الهضم على امتصاصه. فنحن نأكل لكى نتحول إلى المسيح وإلى حياته الغالبة للموت لا لكى يتحول هو فينا بواسطة أجهزة الهضم إلى طعام بائد. وحول معمودية الأولاد والبنات بعد الولادة جاء الفصل الثالث من الكتاب، وتعليقا على إجراء طقس المعمودية بعد 40 يوما للذكر و80 يوما للأثنى تساءل الكتاب لماذا هذا التمييز بين الولد والبنت والعهد الجديد قد ألغى هذا التمييز بقول القديس بولس: «لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح، ليس يهودى ولا يونانى ليس عبد ولا حر ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد فى المسيح يسوع» «غِلاطية 3: 27-28 ؟». إن كان هذا الطقس فقط للتذكير للأم بنوع من الانتساب والمسئولية الأدبية كما يقول البعض، فلماذا الأب هو أيضا لا يطبق عليه هذا التذكير بنوع من الانتساب والمسئولية الأدبية فى ظل المساواة بين الرجل والمرأة فى العهد الجديد؟ بالنسبة للنص «آدم لم يغو، لكن المراءة أغويت فحصلت فى التعدى». «1تى 14:2». بالرجوع إلى قرينة النص من أية 10 إلى 14 «بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة. لتتعلم المرأة بسكوت فى كل خضوع ولكن لست إذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل بل تكون فى سكوت، لأن آدم جبل أولا ثم حواء، وآدم لم يغو ولكن المرأة أغويت فحصلت فى التعدي». - فالكلام عن سكوت المرأة فى الكنيسة أيضا آدم لم يغو لكن المرأة أغويت يعنى أن المرأة أكثر تعرضا للخداع، لذلك فعليها ألا تعلم الرجل لأنها بعواطفها تتأثر أسرع من الرجل وبالتالى ممكن أن تنحرف عن التعليم السليم فلا يناسبها أن تقود التعليم. إن المنع هو قوة الناموس المسيطرة على البعض رغم أن الليتورجيات الكنسية تقول «أكملت ناموسك عنى بَارَكْت طبيعتى فيك وأزلت لعنة الناموس» - القداس الغريغورى - فمنع المولود من الولادة الجديدة ولبس المسيح وسكنى الروح القدس فيه لمدة 40 أو 80 يوما هو نصرة للناموس أى القانون القديم على النعمة، وهى نعمة المسيحيين.