البلطجة أبرز سمات الوسط الأدبى .. وعلاء الأسوانى رائد «الواقعية القذرة» يحيى حقى وفؤاد حداد على رأس قائمة المضطهدين في مصر ويوسف إدريس كان نرجسيًا أصبحت أديبًا في المعتقل ورفضت الانضمام لاتحاد الكتاب بسبب صحيفة الأحوال الجنائية في حواره ل« البوابة نيوز » يجيب فاخورى، عن هذا التساؤل ويوضح لنا هذه الإشكالية، فيقول: «الأدباء يأكلون بعضهم البعض، وأنا قررت منذ زمن أن أنأى بنفسى بعيدًا عن تلك الصراعات، الأمر الذي يجعلنى راضيًا إلى حد ما تجاه ما آخذه من احتفاء وتكريم، رغم قلة إنتاجى الذي لا يتجاوز خمسة أعمال، منها ثلاث مجموعات قصصية هي 96 حكاية الغريب الربانى عام 1996، فرد حمام 1998، كانت تعترف لى 2016، ورواية وحيدة هي فتنة اللحظات الأخيرة 2005 وكتاب تاريخ السد العالى 2016 إضافة إلى مجموعة قصصية أخرى تصدر قريبا، وإلى نص الحوار: ■ كيف للأدباء أن يأكلوا بعضهم البعض؟ - هناك حالة من البلطجة تسيطر على الوسط الأدبى المصرى، تتلخص مظاهر هذه الحالة في عدة مشاهد أبرزها انتشار مدعى الكتابة وهؤلاء أشخاص ليست لهم صلة بالكتابة لا من قريب ولا من بعيد، لكنهم يقحمون أنفسهم بها لأسباب أخرى مثل الوجاهة والشهرة، الأمر الآخر يبدو في ظهور المصالح والشللية بالتحديد فيما يخص مجال نشر الكتب ونشر الأعمال في الصحف والجوائز الأدبية، وفى فترتى الثلاثينيات والأربعينيات لم يكن الوسط الأدبى بهذا الشكل، هذا الموضوع ظهر مؤخرا جدا، لأنى أتذكر عندما تقدمت بنشر أول قصة لى عام 1984 لعبدالرحمن فهمى والذي كان رئيس تحرير مجلة القاهرة حينها كانت قصتى تغلب عليها اللغة العامية المصرية ولم يكن مسموحًا حينها نشر مثل هذه الأعمال، لكن بعد استشارة عبدالقادر القط خصصوا لى بابًا لنشر التجارب الجديدة والمختلفة ولم تكن تربطنى صداقة أو علاقة ما بهم، وهذا آخر جيل كان ضد مفهوم الشللية والمصالح والأكثر احتضانًا للأجيال الجديدة. ■ رغم أنك بدأت الكتابة منذ مطلع الثمانينيات فما سر قلة إنتاجك؟ - هذا لأن الكتابة بالنسبة لى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحالتى المزاجية مثلها مثل تدخين السجائر، مقابل ذلك بدأ اسمى في الانتشار منذ أول قصة قصيرة كتبتها، ووصف النقاد أسلوبى حينها بأنه ملىء بزخم على مستوى الجملة واختيار المفردة. ■ عندما قررت الكتابة، هل كانت القصة أول شكل أدبى يجذبك؟ - أول ما بدأت بالشعر ثم اتجهت إلى النقد وانتهيت بالسرد، فكتبت القصة القصيرة، والرواية، إضافة إلى الأدب، لم أنس أنى خريج آداب تاريخ، فأكتب في التاريخ، وصدر لى مؤخرًا كتاب عن تاريخ السد العالى. ■ يصنف البعض كتاباتك أحيانًا ضمن المدرسة الواقعية في الأدب، فكيف تنظر إلى الواقع المصرى الآن؟ - من السبعينيات إلى الآن نعيش مرحلة انحطاط فكرى وأبرز مظاهر هذا الانحطاط ظهور التيارات التكفيرية، ولكى أكون دقيقًا في كلامى هي ليست حالة انحطاط فكرى بقدر ما هي حالة انهيار أخلاقى على جميع المستويات، والأخلاق هنا هي الإشكالية الأساسية، الناس يتحرون ويعترضون على كل شىء دون الإتكاء على أسس فكرية، مثلًا لو أشرنا إلى الاعتراض على وجود حاكم عسكري إبان ثورة يناير ما سبب هذا الاعتراض في ظل وجود قوى سياسية تتناحر ليل نهار ولا تقدم شيئا، فالعسكريون ليسوا أسوأ الحكام، أنا كأستاذ تاريخ أرى أن بداية تاريخ مصر الحديث بدأت من محمد على وهو عسكري، لذلك كان أزمة كبيرة لدى الدول الاستعمارية فأرادوا القضاء عليه ثم جاء الخديو إسماعيل كرجل عسكري ليغير معالم المدينة فقضوا عليه بالفعل، إلى أن جاء الزعيم جمال عبدالناصر وتم اغتياله معنويا رغم كل الأحلام والطموحات الشعبية التي حملها على كتفيه، القوى المدنية في مصر رخوة لم تنشغل سوى بالتشاجر بينهم وبين بعضهم البعض منذ ظهور الحياة المدنية في مصر على يد سعد زغلول بدأت بمشاجرة عنيفة بين سعد زغلول وعدلى يكن ثم امتدت لتصل بين مصطفى النحاس ومكرم عبيد، أما العسكريون فصنعوا في عامين فقط ما لم يستطع هؤلاء صناعته في خمس سنوات، ومع ذلك أنا ضد كل أشكال الديكتاتورية، لكننا فهمنا الحرية بشىء من الفوضى. ■ وماذا عن واقعية يوسف فاخوري في أعماله الأدبية؟ - أكثر ما يهمنى في واقعيتى هي العلاقات الإنسانية بين الناس وبعضها ففى كتابى الأخير عن السد العالى اهتممت جدا بالعلاقات بين العمال وبعضهم، بناء السد كان مجتمعا كاملا مليئًا بالعلاقات الإنسانية المتشابكة بين العمال والمهندسين، وأسر كاملة انتقلت من الريف للمدينة، وتعامل الفلاحين مع الآلات الضخمة والكراكات، مئات من التفاصيل الدرامية الشيقة. ■ هل كل عمل يناقش أحداثًا واقعية يصنف أدبًا واقعيًا؟ - بالطبع لا، الواقعية هي أن تتعرض في عملك لقطعة من الواقع بكل ما يحويه بحلوه ومره، مثلما كان يفعل نجيب محفوظ، فكان يعرض كل المتناقضات، بينما في العصر الحالى ظهرت مدرسة جديدة في الواقعية تسمى «بالواقعية القذرة» أنا ضد هذه الأعمال وأعتبرها ليست واقعية من الأساس، فهذه المدرسة تتعرض لسلبيات المجتمع فقط وتعكس نظرة سوداوية عامة عندما يتناولون المجتمع المصرى ومن أبرز رواد هذا الاتجاه «علاء الأسوانى» هنا يظهر الأديب بالفاقد للرؤية فبقدر ما عندك اعتراض يجب أن تكون عندك حالة إنسانية تدير بها عملك الأدبى من أجل تحقيق الموضوعية، يوسف إدريس في روايته «بيت من لحم» مثلا لم يدن تجار الحشيش بقدر ما نقل صورتهم بمنتهى الواقعية، فجعلهم متدينون لكنهم متدينون على طريقتهم الخاصة وعندهم إيمانهم بطريقة خاصة وهذه هي التركيبة. ■ ربطتك علاقة بالأديب الراحل إدوارد الخراط، فهل هناك سمات مشتركة بين أعمالكما؟ - رغم أنهم يصنفوننى واقعيا، وإدوارد الخراط لديه تجربة ذاتية جدا وعمق اشتباك مع المشاعر، إلا أن التصنيفات تتلاشى وتتفق الأعمال في صدق اللغة، إدوارد كتب عن مجموعتى، لكن أدبه يرتكز على فكرة التهويم والتحليق لآخر، وهذه عملية صعبة في الكتابة، لكن ليس معنى ذلك أنه أديب فانتازيا أو غير واقعى، الواقعية مصطلح يتسع لكافة الأشكال فعلى سبيل المثال تجربة محمد حافظ رجب تجربة واقعية في إطار فانتازى، رغم أن النقاد صنفوها فانتازيا صريحة لكنى أراها واقعية فالواقع أصبح غرائبى، عليك أن تنظر لممارسات داعش وما تفعله في البشر من دبح وحرق هذه أمور فانتازية لكنها تحدث في الواقع بل فاقت الفانتازيا أيضا، أنا من أنصار تنوع الأشكال الأدبية وهناك أشياء تفتقرها مصر مثل أدب الخيال العلمى فهو مختف جدا والرواية البوليسية نوع مثير للخيال وهو نوع هام ومثير للخيال. ■ كتابتك دقيقة مكثفة تصنع إطارًا في الكتابة خاصًا بك فهل أنت من أنصار القواعد في الإبداع؟ - أنا لا أميل للاسترسال في الكتابة وأعتقد سبب ذلك إنى أول ما كتبت كتبت الشعر فتعلمت منه التكثيف، لكن القاعدة الأساسية في الفن هي ألا قاعدة في الفن، فعندما قدم كُتاب أمريكا اللاتينية أعمالا أدبية قدموا أشكالا جديدة دفعت العديد من الكتاب في مختلف أنحاء العالم لتقليدهم، الألف ليلة وليلة يعتبرونها إنجيل الرواية في العالم ولم تنشأ من أكاديمية أو بناء على قواعد صارمة وإنما نشأت من أعماق الثقافة الشعبية، فكرة العمدية في الكتابة فكرة سيئة للغاية فالمدرسة الواقعية الاشتراكية في روسيا لم تقدم أدبا بل كلاما فارغا بينما روسيا القيصرية أخرجت لنا كل ما تربينا عليه في الكتابة. ■ هل هناك أدباء لم يأخذوا حقهم من الاحتفاء داخل مصر؟ - هناك قائمة كبيرة نستطيع أن نذكر من أبرزها يحيى حقى وأمين الخولى وجمال حمدان، ففكرة الاحتفاء بالمبدع ضرورية وهؤلاء لم يأخذوا حقهم، فؤاد حداد أيضًا ظلم في حياته كثيرا. ■ ومن أكثر الأدباء الذين شغلوا حيزا من تفكيرك؟ - يوسف إدريس كان نرجسيًا وعنيفًا لكنه موهبة متوحشة، أيضًا الأدباء الروس أكثر ما فسروا النفس الإنسانية، فديستوفسكى كارثة أدبية سارت على الأرض في يوم من الأيام، أما صلاح جاهين فحدوتة، طفولة العالم اختزلت في شخصيته. ■ هل تتابع الصراعات التي تحدث في اتحاد كتاب مصر؟ - لا أتابع أي شىء من هذا القبيل، فأنا لست عضوًا في اتحاد الكتاب من أساسه، لأنى رفضت أن أكون عضوًا فيه بسبب بند أعترض عليه بشدة وهو طلب وثيقة الحالة الجنائية للمبدعين، فمعنى الشرط أن شاعر بقامة أحمد فؤاد نجم لا يحق له أن يأخذ لقب شاعر رسميًا بسبب صحيفته الجنائية، وهل هذا يعقل، لن أنضم إلى الاتحاد إلا بزوال هذا الشرط. ■ المرأة تلعب دورا رئيسا في معظم قصصك، ماذا عن المرأة في حياة فاخوري؟ - يولد الرجل مرتين مرة من امرأة تعطيه عمرها وأخرى تعطيك عمرك، هذه هي نظرتى للمرأة، وأغرب النساء هي المرأة الشعبية المصرية تكاد تكون أهم امرأة في العالم فتتحكم في مصير أسرة بأكملها، ولكن المرأة تم طمس دورها في الفترات الأخيرة بسبب ظهور الجماعات التكفيرية التي نقبتها وفرقت بين الجنسين وعزلتها عن الحياة. ■ وعن أكثر التجارب الحياتية التي أثرت فيك كمبدع؟ - اعتقالى مطلع الثمانينيات كان تجربة ثرية جدا، وهو الذي جعلنى أديبا، قابلت في المعتقل الأديب محمد المخزنجى والأديب محمود الوردانى، كانا يكتبان القصص في المعتقل ويحفظانها ويرويانها شفهيًا، حالة بديعة دفعتنى لكتابة أول قصص بهذا الشكل الشفاهى قبل أن أنقلها على الورق بعد خروجى من المعتقل. إذا فكرت يومًا أن تبحث عن اسم الأديب المصرى يوسف فاخورى على محرك البحث العالمى جوجل، سوف تظهر لك صفحة ويكيبيديا التي تحوى مقالًا مطولًا عن الاسم، لكن بمجرد تصفحها ستكتشف أن يوسف فاخورى المكتوب عنه المقال ليس هو الأديب المصرى المعاصر الذي يعيش راهبًا وحيدًا في مدينته أسوان، وإنما يوسف فاخورى الشاعر المهجرى اللبنانى، فتغادر الصفحة وتستمر في بحثك حتى ينهكك البحث، وفى النهاية ستحصل على موضوعات محدودة وقليلة جدًا، مع أنه ليس أديبًا شابًا فقد بدأ الكتابة منذ ثمانينيات القرن الماضى، ولم تمس الركاكة أعماله منذ باكورتها بدليل أن أول توصية لمؤتمر أدباء مصر دورة عام 2015، طالبت وزارة الثقافة بطباعة الأعمال الكاملة ليوسف فاخورى، كما خصصت لجنة أبحاث المؤتمر ندوة لمناقشة أعماله، إذن فما سر اختفائه؟!