توفّى، أمس الأول، ولا يزال في عمره بقية.. سيظلّ خالدًا على أغلفة الكتب، وفى معارض اللوحات.. هو جمال قطب. «الفن أعطانى أكثر مما أحلم وأتصور، وأنا مخلص له جدًا، وأرجو من الله أن تظل الريشة في يدى حتى آخر يوم من عمرى.. حظى أنى فنان، أعمالى في كل بيت.. مقالاتى في معظم الصحف العربية».. بهذه الكلمات يبدأ جمال قطب، الرسام، الذي تخصص في أغلفة نجيب محفوظ ويوسف إدريس، أغلب حواراته. يقول: «قرأت في حياتى مئات الكتب، أصبح عندى معلومات كثيرة، حاضرت في الدراسات العليا بأكاديمية الفنون، عندك ثروة ثقافية لابد أن تعطى، هناك استمتاع خاص في النشر، كتبت في الهيرالد تريبيون، الدوحة القطرية، الحرس الوطنى السعودية وغيرها، وقد ساعدتنى على هذا اللغة الأجنبية، وجدت السعادة في النشر. أنصح الناس أن تكون لديهم مكتبة بالمنزل، الثقافة الفنية تبدأ من البيت، فهى نتاج المناخ الصالح، عملية نضوج الإحساس وتفتح الملكات لابد من رعايتها، إنها جزء أساسى في التربية والثقافة، الفن يدخل في كل شيء، أدرس للطلبة التذوق الفنى، المعنى العام للتذوق هو كيفية الإحساس بالجمال في كل شيء: اللبس، الشارع، السلوك، وليس الفن فقط». ويضيف: «مصر فيها فنانون ولكنهم مثل الزهور البرية، أريد رعاية متكاملة، كليات الفنون لابد أن تبدأ من الابتدائى بدون مجموع، راقص الباليه يدخل من الصغر، لولا الفنان في مصر لكنا دولة أفريقية، آثارنا العريقة صنعها الفنانون، أريد منظومة متكاملة تبدأ من الطفولة، التربية الفنية حصة باهتة في التعليم». ويتحدث عن المتاحف التي أشرف عليها: «كلفت بإقامة متحف دارة الملك عبدالعزيز بالسعودية في عام 6791 ذهبت للأماكن التي حارب فيها الملك، وأحضروا لى السيوف الخاصة به ورسمت المبانى القديمة لكى أكون دقيقًا، كان الهدف رسم أعمال كبيرة تحكى تاريخ الملك عبدالعزيز، وكان لابد من الذهاب لليابان لأنها أشهر بلد تقيم متاحف لكل شيء، اليابان اكتشاف كل شارع فيه متحف، عرفت كيفية صناعة متحف من تفاصيل التاريخ، قضيت ثلاثة شهور وتعلمت كيف أصنع من الدراما التاريخية لوحات». وعن نجيب محفوظ، يقول: «تعرفت على نجيب محفوظ لأول مرة عن طريق سعيد السحار صاحب دار مكتبة مصر، وكانت تطبع روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، وكنت أرسم أعمال هؤلاء العمالقة، ولذلك كنت القارئ الأول لأعمال نجيب محفوظ بخط يده. في لقائى الأول بنجيب محفوظ قال لي: «كتبى أمانة لديك، ووجدته شخصية ثرية، متواضعًا يحسن السمع جدًا، ولم يكن يتدخل يومًا في شغلى، وعندما كنت أسأله: رأيك يا أستاذ نجيب؟ يقول هذه رؤيتك، كنت ألتقى بنجيب محفوظ في مكتب سعيد السحار كثيرًا، كل أعماله تعجبنى جدًا، ولكنى توقفت أمام رواية الكرنك وأدهشتنى رواية أصداء السيرة الذاتية ورسمت لها لوحات داخلية، موضوعها فلسفى، فيها نجيب محفوظ عالم يفلسف بالرمز والكلمة المختصرة ما يقوله الإنسان في عشر ساعات، الثلاثية تحكى تاريخًا كأن الإنسان عاش في الثلاثينيات، كنت انزل الجمالية أعمل اسكتشات لأعمال نجيب محفوظ وأعيش الأماكن التي كتب عنها». له رحلة في الصحافة، لا تقلّ عظمة عن أي من رسامى جيله: «عندما كنت أدرس في السنة الأولى بكلية الفنون أعلنت دار الهلال عن حاجتها لرسامين، دخلت المسابقة كنت الأول حتى على بعض المعيدين بالكلية، عرفت عالم الصحافة ورسمت غلاف مجلة المصور، كنا في بداية الستينيات وكان على ومصطفى أمين المسئولين، وكانت رسومى تنزل على صفحتين، وكانت تلك المرة الأولى التي تحتل الرسوم فيها هذه المساحة الكبيرة، الوحيد الذي كان يفعل ذلك هو الحسين فوزى ولم يبخل علىّ يومًا بمعلومة، كان بيكار يرسم على بابا بالطريقة المجردة الجميلة التي اشتهر بها. الحقل الصحفى كان مفتاحًا سحريًا، رسمت في معظم المجلات، في ذلك الوقت دار الهلال كان بها عشر مجلات وكنت مسئولًا عنها لأنى كنت الرسام الأول للدار بعد توقف الحسين فوزى. كثرت التكليفات علىّ من دور النشر المصرية ومنها دار مكتبة مصر التي أصبحت مستشارها الفنى فيما بعد، وكان ينافسنا في ذلك الوقت الناشرون اللبنانيون الذين يأتون للقاهرة ليكلفونى بأعمال ويدفعون لى بسخاء، كنت أعمل 20 ساعة يوميًا في تلك الأيام، وقد أصبح اسمى معروفًا في العالم العربى».