السينما ظلمت «حرب أكتوبر» وكل الأفلام لم تعبر عن «معجزة العبور» كتيبتى سيطرت على نقطتين فى «خط بارليف».. ولآخر لحظة لم نتوقع الحرب زميلنا «عبدالرازق» قال لحظة استشهاده: «هاتوا غيرى يستلم بسرعة» قال الفنان الكبير لطفى لبيب، الذى شارك فى انتصار أكتوبر العظيم عام 1973، إن كلمة «يا رب» كانت العنصر التشجيعى الوحيد للجنود المصريين طيلة ساعات الحرب، لافتا إلى أنه حارب ضمن جنود «الكتيبة 26» والتى تمكنت من السيطرة على منطقتى «الملاحظة» و«المسحورة» فى «خط بارليف»، وكشف أن الجيش الإسرائيلى قام بأسر شقيقه أثناء الحرب. وأوضح «لبيب» فى حواره مع «البوابة» أن حدوث أزمة «الثغرة» كان أكثر ما آلمه خلال فترة الحرب، مشيرا إلى أن حرب أكتوبر المجيدة لم تقدم حتى الآن بشكل يليق بها فى السينما والدراما المصرية. وأضاف: «الفرد كان أداة الانتصار فى حرب أكتوبر».. وإلى نص الحوار الذى كشف فيه «المحارب الفنان» عدة مشاهد من أرض المعركة التى مر عليها ما يقرب من نصف قرن، ولا تزال تحوى من الأسرار والحكايات ما يستحق أن يروى. ■ بداية.. كيف أتيحت لك المشاركة فى حرب أكتوبر؟ - انضممت لمعسكر خاص بالشئون المعنوية أثناء دراستى بمعهد الفنون المسرحية.. لم أشارك فى حرب الاستنزاف إلى أن قامت حرب أكتوبر التى شاركت فيها كجندى مقاتل.. كنت حينها أقضى فترة تجنيدى بالقوات المسلحة فى «الكتيبة 26»، وهى من طلائع الكتائب التى عبرت ضمن قوات الجيش الثالث، وتمكنت من السيطرة على نقطتى «الملاحظة» و«المسحورة» فى «خط بارليف». ■ كيف كانت استعدادات كتيبتك للحرب المنتظرة؟ - لاحظنا جميعا جنودا وضباطا وقادة وجود حركة غريبة من نوعها.. كان هناك حركة انضباطية عالية، وتزويد الكتيبة بالملحقات والمدرعات والمدفعية، وزيادة فى أعداد الكتيبة.. لكن رغم هذه الاجراءات كنا نعتقد أنها مشروع عسكرى أو استعداد لمرور قيادة عسكرية، ولم نشك للحظة أننا على مشارف الحرب. أتذكر جيدا ما حدث يوم 6 أكتوبر تلقينا الأوامر بملء القوارب، وجلسنا خلف الساتر الترابى نستعد لشيء مجهول لا نعلم الكثير عن تفاصيله.. فى الوقت ذاته كان يجلس جنود آخرون فوق الساتر الترابى يغنون ويأكلون لكى يعكسوا روح الاسترخاء وكنوع من الخداع. ■ حدثنا عن الحوارات التى كانت تدور بين جنود الكتيبة؟ - أتذكر أننى فى ذلك الوقت لم أستمع لكلمة سوى «يا رب»، تلك الكلمة وحدها كانت تبث بداخلنا روح الإيمان والنصر.. ما زلت أؤمن أن الشخص هو الأداة التى يمكن أن تصنع المستحيل.. حققنا إنجازات غير مسبوقة، وأتذكر أن كثيرا من القرارات التى اتخذت فى الحرب كانت وليدة اللحظة، لكنها نجحت لوجود عناصر بيننا يتمتعون بعقول عسكرية محنكة. ■ ما المشهد والموقف الذى لا تنساه داخل المعسكر؟ - المواقف كثيرة، لكن من أقرب المواقف إلى ذاكرتى كان استشهاد المجند «عبدالرزاق».. كان موقفا صادما لنا جميعا، لأنه استشهد عن طريق أخذ طلقات بالخطأ فى صدره أثناء نزول القوارب إلى القناة، ومع التقاط أنفاسه الاخيرة كان يطلب منا وضع مجند آخر حتى لا تتأثر قوة الكتيبة. ■ ما أصعب لحظة مرت عليك أثناء الحرب؟ - أصعب لحظة كانت سماعى فى الراديو اسم شقيقى من ضمن الأسماء التى تم أسرها من الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن لحظة «الثغرة» التى شهدت دخول الجيش الإسرائيلى بين الجيشين الثانى والثالث، وتمكنه من الوصول إلى مدينة السويس، واقترابه من السيطرة عليها يومى 24 و 25 أكتوبر، حتى تمكنت المقاومة الشعبية والجيش من طردهم. ■ رأيك فى نسب الانتصار لبعض الأسلحة دون غيرها؟ - أكتوبر نصر ساحق بكل المقاييس، ومعجزة هذه الحرب الحقيقية هى «فرد المشاة».. الذى يتم تدريسه فى كل أكاديميات العالم يدور حول أهمية «الضربة الجوية»، لكنى أؤمن أن الانتصار لا يمكن لأحد أن ينسبه لعنصر فقط، جميع الأسلحة كانت متشابكة ومتصلة مدفعية أو مهندسين والجميع أدى دوره على أكمل وجه. لكن سيظل فرد المشاة هو معجزة حرب أكتوبر، والذى لم يأخذ حقه إعلاميا مثل «الضربة الجوية» فى الفترة السابقة، والتى كانت ضربة تمهيدية مهمة فى بداية الحرب، لكنها ليست القاطعة المانعة.. معجزة حرب أكتوبر الحقيقية فى «فرد المشاة» وكيف عبر فى قوارب؟، وكيف صعد إلى الساتر الترابي؟، وكيف ركب الأرض وحارب وتشبث بها؟ ■ هل تمكنت السينما والتليفزيون من التعبير بصدق عن حرب أكتوبر؟ - حرب أكتوبر لم تقدم بشكل يليق بها فى السينما المصرية.. عناصر الجيش عاشوا لحظات شديدة الصعوبة وبعيدة كل البعد عن المشاهد التى قدمتها الشاشات.. لكن المؤكد أن الواقع الذى حدث أثناء الحرب لا يمكن لكاتب لم يشارك فى الساحة القتالية أن يستوعبه أو يعبر عنه. ■ ما تفسيرك لعدم إنتاج أكثر من 6 أفلام عن الحرب؟ - تفسيرى الشخصي، ومن منطلق كونى ممثلا، يتمثل فى عدم وجود المادة التى تجذب المنتج لكى يضحى ويقدم على خطوة فيها خطورة مالية ضخمة.. ومع ذلك ينبغى أن توثق الحقيقة التى كانت ترسم بها ملامح الانتصار والعبور للأجيال القادمة.. أكتوبر حرب عظيمة لا تستحق أن توضع فى كتب مدرسية فقط، بل يجب أن تكون فى مجالات أوسع حتى نتمكن من معالجة الأخطاء الدارجة فى أذهان البعض عن تلك الحرب. ■ أيمكنك المشاركة فى عمل سينمائى يعرض كواليس معسكرات الجيش؟ - العمل الذى تتحدثين عنه لابد أن يكون جماعيا، حتى يستطيع أن ينقل روح الجماعة التى تعلمناها من خلال مشاركتنا فى الحرب.. إذا تحققت تلك المعادلة سأكون أول من يشاركوا فى هذا العمل العظيم. ■ لماذا لم نشاهد كتابك «الكتيبة 26» كعمل سينمائى؟ - حرب أكتوبر ظلمتها الأعمال السينمائية، وكل الأفلام التى قدمت عنها ليس لها علاقة بالواقع من قريب أو بعيد، فهى قدمت الحرب فى شكل سردى فقط دون أن تتوغل فى أدق التفاصيل التى هى كانت السبب الرئيسى فى النصر، لذلك قمت من خلال الرواية التى كتبتها «الكتيبة 26» بنقل أدق التفاصيل التى لا يعرفها أحد مثل الصمود والحزن والفرح داخل الحرب، بالإضافة إلى اعتمادى على العساكر الذين شاركوا بالحرب، ولذلك نقلت الصورة من خلالهم. تحدثت عما كيف يعيش فرد المشاة، وكيف يقضى يومه داخل الكتيبة وبما يشعر، وكيف كان النصر هو الأمل الذى يعيش من أجله.. أنا أرى من وجهة نظرى الشخصية المعجزة الحقيقية فى حرب أكتوبر تمثلت فى «فرد المشاة»، ودونت هذا الكلام فى صفحات كتابى. ■ لماذا رفضت تكريم السفارة الإسرائيلية عن دورك فى فيلم «السفارة فى العمارة»؟ - رفضت دعوتهم بسبب المجازر التى تحدث فى فلسطين، كما أن المناخ العام وما تقوم به إسرائيل بشكل دائم ومستمر ضد الفلسطينيين لا يسمح بهذا الأمر.. رفضى لتكريم السفارة الإسرائيلية لا يعنى أنى بطل شعبى لكن مشاركتى فى حرب أكتوبر بثت بداخلى روح الكرامة وعزة النفس..أتذكر دوما كل نقطة دماء سالت أمامى فى حرب أكتوبر، وأتصور أن هذا الشعور وحده يكفى لرفضى التكريم أو دخول السفارة.