لا تلبث صفحة أن تطوى إلا وتفتح صفحة جديدة تؤرق الاتحاد الأوروبي وتهدد بتفككه، مضيفة زخما جديدا لتمرد بعض الدول على سياساته عامة، وخطته لتوزيع اللاجئين على الدول الأوروبية خاصة، والتي ترى فيها تلك الدول تأثيرا على هويتها وانتقاصا من سيادتها، وبات الخلاف بشأن قضية الهجرة واستقبال اللاجئين أزمة بالنسبة للاتحاد تزعزع وحدته، وذلك على وقع استعداد بريطانيا للخروج الرسمي منه، وصعود حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي المناهض لاستقبال اللاجئين، وتقدم الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية في انتخابات المحليات، ومؤخرا استفتاء المجريين بشأن استقبال اللاجئين. وأعلنت الحكومة المجرية أمس تحديها للاتحاد الأوروبي، وأصرت على تمرير "استفتاء رفض خطة الاتحاد" لتوزيع اللاجئين بنظام الحصص على الدول الأوروبية، وإدلاء المجريين بأصواتهم في الاستفتاء جاء برفض أغلبية ساحقة من الناخبين لاستقبال المهاجرين بنسبة 3ر98 في المائة، إلا أن ضعف نسبة الإقبال على التصويت لأقل من 50 في المائة يجعل نتيجته غير فاعلة وليست معمولا بها. قمة مصغرة حول أزمة اللاجئين عقدت مؤخرا في النمسا دعي إليها البلدان العشرة المعنية أكثر من سواها بأزمة اللاجئين من بينها المجر وألمانيا واليونان، واستهدفت مواصلة المباحثات حول المسائل المهمة لمستقبل الاتحاد الأوروبي، خاصة قضية اللاجئين بعد قمة براتيسلافا الأوروبية"، وركزت مناقشات القمة على عملية إدماج المهاجرين ومراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وإعادة من لا تنطبق عليهم شروط اللجوء لدولهم. رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوروبان، أكد أن الاتحاد الذي انضمت إليه بلاده قبل 13 عاما، لن يكون قادرا على فرض إرادته على المجر في مجال الهجرة بتوزيعه إلزامية للاجئين بين الدول الأعضاء، ومن خلال الاستفتاء، أراد المجريون توجيه رسالة لكل أوروبي مفادها أن على المواطنين الأوروبيين، إعادة الاتحاد الأوروبي إلى الصواب، في سياق جهد مشترك، أو تركه يتفتت، فهم - أي المجريين - لا يصدقون أن كل هؤلاء اللاجئون فارون من الحرب، وبالطبع فضلوا اختيار أمن أبنائهم على استقبالهم للمهاجرين من دول أخرى، معتبرين أن من واجبهم مساعدة الحكومة على التصدي لقرارات النخبة في بروكسل حيث يقبع مقر الاتحاد. وقبل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، استبقت المفوضية الأوروبية نتيجته مؤكده أنه ليس له أي تأثير قانوني على الالتزامات المتخذة، وقال مفوض الهجرة ديمتريس افراموبولوس "تقع على الدول الأعضاء مسئولية قانونية بتطبيق القرارات المتخذة"، فيما حذر جانكلود يونكر رئيس المفوضية من أنه إذا ما نظمت استفتاءات حول كل قرار يتخذه الوزراء الأوروبيون أو البرلمان الأوروبي، فهذا يعني أن سلطة القانون في خطر. الحملة ضد قرار الاتحاد جاءت على خلفية قراره في خضم أزمة اللاجئين في الخريف الماضي، وذلك لتخفيف العبء عن اليونان وإيطاليا، وهي الدول الأكثر تضررا من الأزمة، والقرار يقضي بتوزيع اللاجئين على بقية الدول الأعضاء في الاتحاد بنظام الحصص حسب معايير محددة آنذاك، وتم تجاوز أصوات كل من المجر ورومانيا وسلوفاكيا والتشيك في مؤتمر وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، لكن المجر، مثل سلوفاكيا، لم تقم فقط بتنظيم الاستفتاء الشعبي كخطوة احتجاجية فقط، بل وقامت أيضا بتقديم شكوى قانونية ضد القرار أمام المحكمة الأوروبية. إن تخوف المسئولون الأوروبيين من استفتاء المجر نابع من تداعيات الفكرة في حد ذاتها، إذ يعتبرون أن إجراء استفتاء شعبي على واحد من قرارات الاتحاد يوجه ضربة جديدة للاتحاد الذي تعرض حتى الآن لمجموعة متتالية من الصدمات، من أزمة الهجرة إلى البريكست، وعمليا، بقيت خطة توزيع 160 ألف طالب لجوء بين الدول الأعضاء ال 28 التي أقرت قبل سنة، حبرا على ورق، حيث أعيد فقط "توزيع" آلاف الأشخاص حتى الآن، وحقيقة الأمر، فإن توزيع اللاجئين بحسب القانون حتى الآن كارثي، فمن بين 160 ألف لاجئ كان من المفترض إعادة توزيعهم، لم يتم إيجاد بلد جديد إلا لنحو خمسة آلاف منهم، بينما لم تستقبل المجر أيا من طالبي اللجوء هؤلاء. لقد فشل الاستفتاء الذي دعا إليه رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوروبان في بلاده، بخصوص استقبال المهاجرين وفق الحصص التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على بلدانه، في جمع النصاب الكافي من الناخبين، ورغم ذلك فقد حققت الدعوة إليه صدى من شأنه تعزيز المكانة السياسية لأوروبان، وإبراز صورته باعتباره زعيم التيار الشعبوي الرافض للهجرة في أوروبا، لتضاف إلى رصيد شعبيته التي بلغت أعلى مستوياتها، بفضل خطابه الشرس المعادي للهجرة، فالأمر بالنسبة له لا يتعلق بالقرار الأوروبي، ولكن بالمبدأ، فاللاجئين يعتبرهم "سموما" وتهديدا للثقافة الأوروبية ومنبعا للإرهاب وكل صورة من صور الإجرام.