قضت المحكمة الدستورية العليا اليوم السب، في دعوتين نظر عدد من الطعون المقدمة على نصوص بعض المواد الدستورية الخاصة بالهيئة القومية للبريد، ونقابة التجاريين. حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة (19) من لائحة العاملين بالهيئة القومية للبريد الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحرى رقم 70 لسنة 1982، فيما تضمنه من قصر نطاق تطبيق أحكامه على العاملين بالهيئة الحاصلين أثناء الخدمة على مؤهل علمى أعلى دون العاملين بها الحاصلين على ذلك المؤهل قبل التحاقهم بالخدمة، ولم يتم معاملتهم به وظيفيًّا. وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الدستور في المادة (14) منه جعل الوظيفة العامة حقًا لكل مواطن، واعتبرها في ذات الوقت تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب ورعاية مصالحه، لذلك كان التطوير الدائم لها ولشاغليها ورفع كفايتهم العلمية والعملية التزامًا قانونيًّا على الدولة، وواجبًا على الموظف، ليغدو التمكين له والتحفيز عليه أحد وسائل الدولة في الوفاء بهذا الالتزام، وفى هذا الإطار أقر المشرع النص المحال، فأجاز تعيين العاملين الحاصلين على مؤهلات أعلى أثناء الخدمة في وظيفة تتناسب مع مؤهلهم وتتوافر لهم متطلبات شغلها، وجعل ذلك من قبيل الملاءمات التي تتمتع بها الجهة الإدارية، وكانت غايته من ذلك هو تشجيع هذه الفئة من العاملين على التزود بالعلم، بما يحقق التطوير في قدراتهم الذهنية والفنية وتنمية مهاراتهم ومواهبهم، وهو ما تعود ثماره على الوظيفة والموظف والمجتمع، ويضمن تحقيق أهداف التعليم التي رصدتها المادة (19) من الدستور وألزمت الدولة بالسعى لتحقيقها، وهذه الغايات جميعًا يناقضها ما قرره النص المحال من حجب الميزات التي أتى بها، عن فئة من العاملين الحاصلين على مؤهلات أعلى من تلك التي تتطلبها الوظيفة التي يشغلونها، وذلك قبل الالتحاق بها، كما يناهض تلك الغايات ما قرره النص المحال أيضًا من غل يد الجهة الإدارية في تعيين تلك الفئة وفقًا لأحكام هذا النص، دون مقتض أو مبرر منطقى، وهو ما يعد انتقاصًا من حق العمل، في أحد جوانبه، ويتصادم مع الأسس الدستورية الحاكمة للوظيفة العامة، وأخصها اعتبار الكفاءة والجدارة أساسًا لشغلها. وجاء الحكم الثانى حكمت المحكمة بالجلسة ذاتها برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المادتين (48 و49) من القانون رقم 40 لسنة 1972بإنشاء نقابة التجاريين، اللتين تضمنتا القواعد الحاكمة لتقدير أتعاب عضو نقابة التجاريين في حالة الخلاف حولها بين الموكل والعضو، فخولت مجلس النقابة أو لجنة بتقدير الأتعاب، وأوجبت الالتجاء إلى المجلس أو اللجنة قبل رفع الأمر إلى القضاء. وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن غاية المشرع من التنظيم الذي تضمنه النص المطعون فيه أن يتم حسم المنازعات في تقدير الأتعاب بين الموكلين وأعضاء النقابة على وجه السرعة، وبإجراءات أكثر يسرًا تتفق مع طبيعة تلك المنازعات، جاعلًا من هذا التنظيم وسيلة أطراف النزاع إلى إنهائه وديًّا حول الحقوق التي يدعونها، بما قد يغنى عن الخصومة القضائية، وإن كان لا يحول دونها، ومستوجبًا ولوج هذا الطريق واستنفاد ميعاد الستين يومًا من تاريخ تقديم طلب تقدير الأتعاب، المحدد لإصدار أمر التقدير، كشرط لجواز طلبها قضائيًا، دون أن يعد مجلس النقابة أو لجنة تقدير الأتعاب في ذلك جهة قضاء، ولا تندرج قراراتها في عداد الأعمال القضائية، بل أخضع قراراتها للمراجعة القضائية من خلال التظلم من أمر التقدير أمام المحكمة المختصة، بما لا ينال من حق التقاضى، أو ينتقص من استقلال القضاء، اللذين كفلتهما المواد (94 و97 و184) من الدستور.