عائلة المجنى عليه تطالب بمحاسبة «المحرضين».. التحقيقات: القاتل سلفى مفصول من إمامة مسجد لتشدده أعطى الكاتب الأردنى ناهض حتر المبرر لإشعال جذوة العنف فى صدور المتطرفين فأرداه أحدهم قتيلاً. ومع أننا نرفض ما قام به الكاتب من إساءة للمقدسات الدينية عبر إعادة نشره لكاريكاتير ليتجاوز كل المسموح به فى حق الذات الإلهية إلا أننا نرفض استخدام لغة القتل فى مواجهة مثل هذه التصرفات أيا كانت، لأنها تفتح النار على الجميع وتجعل من العنف سلاحا لتسوية الخلافات الفكرية بدلا من القانون الذى يجب أن يخضع له الجميع حتى لا تتحول أوطاننا إلى برك من الدماء والفوضى. وقعت عملية الاغتيال فى تمام الساعة التاسعة والربع صباحًا بالتوقيت الأردنى، خلال دخول الكاتب قاعة المحكمة لحضور إحدى جلسات تهمة ازدراء الإسلام، والتى تم توقيفه أسبوعين قبل بدء المحاكمة على إثرها. إذ وقف رجل أربعينى مرتديًا ثوبًا رماديا «دشداشة»، بلحية طويلة متدلية من وجه، وشارب خفيف، ممسكًا بمسدس فضى، أطلق عليه ثلاث رصاصات متتابعة، وهو يتمتم بكلمات لم يفهم منها شىء. حاول الجانى الهروب عبر «جراج المحكمة» الذى جرى ناحيته، إلا أن نجل حتر، الذى كان يحضر معه الجلسة، وعددا من شهود العيان لحقوا به وأمسكوه، فى وقت كانت قوات الأمن وسيارة الإسعاف والمارة تجمعوا فيه جول الجثة. التحقيقات وشهود العيان أفادت مصادر فى الأمن العام الأردنى بأن قاتل «حتر» يدعى رياض إسماعيل أحمد عبدالله، 49 عاما، وذو خلفية دينية ومن منطقة الهاشمى الشمالية وهى منطقة فى شرق عمان، من سكان منطقة الجويدة خريبة السوق بالعاصمة عمان، ويحمل أسبقية الإيذاء. غادر «رياض» الأردن لكنه عاد أمس من بلد مجاور، أطلق 3 رصاصات على رأس «حتر» من مسدس كان بحوزته، أمام قصر العدل وتحديدا على درج المدخل، وتم إسعافه إلى مستشفى لوزميلا، لكنه وصل متوفيا. وقام حرس المحكمة باصطحابه الجانى إلى شرطة وسط عمان، وتم تحريك المختبر الجنائى والمدعى العام والطب الشرعى للموقع، وتم ضبط 6 أظرف فارغة بالموقع والتحقيق جار. اعترف الجانى فى التحقيقات الأولية، بأن الدافع وراء قتله كان الرسم الكاريكاتورى المسىء للذات الإلهية الذى نشره حتر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» قبل شهرين، وكان يعمل «رياض» إمام مسجد سابقًا، وجرى فصله مؤخرا لأفكاره المتشددة، وخلافاته المتكررة مع المصلين، لكنه لم يكن معينا على كادر وزارة الأوقاف بل كان عمله بعقد مقابل السكن، ويحمل شهادة البكالوريوس فى الهندسة الكهربائية، بينما يعمل حاليا فى وزارة التربية والتعليم. ونفى العميد المتقاعد «سامى المجالى» الذى كان برفقة الكاتب الصحفى ناهض حتر لحظة مقتله أمام قصر العدل فى العاصمة عمّان، وجود أى ضباط أو عناصر أمن لحظة مقتله. وروى «المجالى» تفاصيل مقتله، وقال إنه كان برفقة المغدور، وكان يمسك بيده للدخول إلى قصر العدل لكن رجلا يرتدى دشداشا ركض صوبهم، وأطلق الرصاص صوب حتر مباشرة من مسدس عياره 7 مل. وأضاف: «وفور إصابته بالأعيرة النارية سقط حتر أرضا وكان أولاده وعدد من أشقائه برفقته وغطت الدماء المكان وهرع الناس بحثا عن الأمان». ومضى قائلا: «ناهض كان يعتقد أن رحلته للمحكمة لن تستمر أكثر من 5 دقائق لكن الرصاص أصابه فى رأسه ورقبته»، مضيفا: «أخذ مطلق الرصاص يجرى هاربا والناس ألقت القبض عليه، وسلمته بدورها للأجهزة الأمنية التى لم تكن موجودة لحظة وقوع الحادثة». وتجمع العشرات من المركبات أمام ديوان آل حتر فى منطقة الفحيص غربى العاصمة عمان، لدفنه. المبررون فيما حملت عائلة الكاتب الأردنى السلطات الأردنية مسئولية الحادث، مطالبين بمحاسبة ليس منفذ العملية فقط بل المحرضين، وقال ماجد حتر شقيق الكاتب الراحل لوكالة «سبوتنيك» الروسية: «نحمل كل أعضاء الحكومة الأردنية ووزير الداخلية مسئولية دماء ناهض حتر، وعقدنا اجتماعًا عائليا وقررنا رفض استلام الجثة إلا بعد محاكمة القاتل». ويذكر أن الكاتب الأردنى تعرض لمحاولة اغتيال سابقة عام 1998، خضع على إثرها لعمليات جراحية عدة. وكما وقف كثيرون قبل 24 عاما يرقصون على دماء الكاتب فرج فودة، معتبرين أنه «هو من قتل نفسه» كما قال عبد الغفار عزيز رئيس ندوة علماء الأزهر فى كتابه «من قتل فرج فودة»، معتبرًا أن التفكير والإفصاح عما ارتضاه عقل وضمير مفكر ونشره انتحار، تكرر المشهد أمس مع عملية اغتيال «حتر» الأقرب شبهًا لاغتيال فودة. وتعددت مبررات الشامتين فى الحادث، أولها كون الكاتب مسيحى الديانة، معتبرين أنه بذلك قصد النيل من الإسلام، وقتله أمر حتمى لا تتطلب قبلها عمليات استتابة، كما لو صدرت الإساءة من مسلم، مستدعين بذلك فتاوى لابن تميمة، وابن باز عن الإساءة للإسلام والذات. وهو ما ردت عليه دار الإفتاء الأردنية فى بيان أصدرته عقب الحادث تعبر عن إدانتها للحادث بالآية الكريمة «من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا»، قائلة: إن الدين الإسلامى برىء من هذه الجريمة البشعة، ويمنع الاعتداء على النفس الإنسانية، ذلك أنه دين الرحمة والعدل والتسامح، كما يحرم على أى شخص أن ينصب نفسه حاكمًا أو قاضيًا يحاسب الناس، لما يؤدى ذلك إلى الفوضى وإفساد المجتمع وإيقاع الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد.