أثارت مناقشة كتاب "ميل إلى السعادة"، للكاتب سامح قاسم، والتي جرت مساء أمس الثلاثاء الماضي، بمركز البلد الثقافي، جدلاً فكرياً واسعاً بين الحضور، خاصة بعد إعلان الكاتب انحيازه إلى اتساق مواقف الكاتب مع قضاياه التي يطرحها من خلال إبداعه، وبينما خالفه بعض الحضور الرأي، أجمعوا على قيمة النص الأدبية، وقدرة الكاتب وبراعته على الخروج من القولبة الصحفية إلى الإبداع الأدبي، وأنها تأتي إحدى تجليات قصيدة النثر. في البداية أوضح الكاتب علاء أبوزيد، خلال تقديمه للندوة أنه أدرك منذ الانتهاء من قراءة الكتاب أنه "أمام سباح وغواص ماهر، نجح في المهمتين معاً رغم أنه ليس بالضرورة أن تكون سباحا ماهرا وغواصا في نفس الوقت". وقال الشاعر والناقد محمود قرني: إن عنوان الكتاب أكثر من دال على مسكنه الشعري والأدبي ولكن المعنى لا يعني أنه كان مخلصاً للعنوان، لأن ميله إلى السعادة هو ميل إلى أعلى درجات الاستشفاف التي ارتسمت عبر رحبة التقى خلالها الكثيرين. أضاف قرني: "في أحد النصوص التي يحتويها الكتاب يؤكد أن بعض رجال الدين ليسوا أكثر من خديعة ايضًا وهنا يعزز وصفه لهم بأنهم صناع النهايات"، موضحا أن الكاتب استطاع أن يدخل المشهد الشعري، ويشهد تراجع الساحة الشعرية "بينما لم يكن غريبًا قبل عشرين عامًا أن نجد كبريات الصحف تأخذ افتاحياتها من عناوين قصائد محمود درويش وغيره من كبار الشعراء"، وأسهب في هذه النقطة "لا يمكننا أن نفهم عودة سامح لثلاث مرات إلى ميلينيا عشيقة كافكا إلا إنها عودة للالتزام الشعري والغنائي، خاصة ما يكتبه بضمير الغائب بنظام المونولوج"، واصفًا لغة النص التي تخاصم تاريخها بأنها "لغة شديدة الرهافة، فبدا كانه بناء سامق يأبى الاختصار"، وأنه رغم نفاذ اللغة ودقتها يبدو أن المؤلف أراد إزاحة الرمز المحلى "وهو أمر يعكس أزمة الحداثة العربية، لتظل قيمة الكاتب محصورة على قيمة نصه". ووصف الناقد الكبير يسري عبدالله الكتاب بأنه يأتي في محبة الكتابة بتنويعاتها المختلفة "ويتسرب إلى القارئ خارج التصنيفات المعروفة للمثقفين سلفاً"، مؤكداً أن الكاتب "يجدل من بعض المفردات التي تتكون منها العناوين حكايات لكبار المبدعين والأدب"، وأن المدلول الكلي للعناوين يختلف من فصل الى آخر، وأوضح أنه يعتمد على تقنية الكتابة داخل الكتابة اتكاءا على جملة من الوقائع الحقيقية لعدد من المبدعين"ولو اقتصر الامر على هذه الوقائع لكان مجرد كتاب وثائقي "ولكن الكاتب أفلت من هذا الفخ، وكان سيعتبر وقوعاً مجانياً لا فائدة منه، وقد نجح الكاتب في أن يخرج من هذه الاحداث إلى خيال اكثر رحابة وينتج منها عالم جدير بالقراءة". وخالف عبدالله اعتراض البعض على وجود الهوامش التعريفية، وعاد ليؤكد أن الكاتب يسعى الى الحفاظ على اللغة العربية "وهو ما دفع بعض الشعراء ليؤكدوا أن الكتاب جزء منه تجليات قصيدة النثر، وكان يمكن التعاطي مع الكتاب باعتباره مجموعة من المقالات، لولا اللغة الادبية الصرفة التي تحلى بها طوال الكتاب وهي مسألة غير مالوفة وروح هذه اللغة أقرب إلى قصيدة النثر". أما الكاتب سامح قاسم، فقال إنه عمل بالصحافة الثقافية ووجد أن بعض الكتاب لا تتسق موافقهم مع ما يكتبون عن قيم الحرية والعدالة والمباديء العليا التي تحافظ على حياة الانسان الذي يكتب عنه وله فأردت أن أتعرف على كتاب في الضفة الاخرى من العالم مضت حياتهم في بؤس وفقر واضطهاد فضلا عن المرض والخوف الحاد من صافرات الغارات وأفران الغاز ومع هذا لم يتخلوا عن قيم الكاتب أو المثقف المتسق مع ما يكتبه أيا كان موقفه هنا أو هناك. وأشار قاسم إلي أنه لجأ إلى الكتابة عن مبدعين كثيرين وجد عندهم الصدق الفني والاتساق مع كتابتهم من بينهم كافكا وفرجينيا وولف وهنري ميلر وهيرتا مولر وأنانيس نن ونازك الملائكة وجبران وشمس التبريزي ونصر حامد أبوزيد وعبدالحكيم قاسم وصلاح جاهين وأمل دنقل ومحمد الماغوط "المهم أن لا يعاني المثقف من الازدواجية وهي آفة الثقافة في العصور المتردية التي نعاني منها ووجدت - وهذا رأي الشخصي طبعا- أن النماذج والشخصيات التي أتت في "ميل إلى السعادة" تعبر عن النموذج الباهر للمثقف بضعفه ومرضه وشكوكه وانتكاساته وفشله وحتى تمسكه بالقيم الانسانية التي كافحت من أجلها كل الفنون العظيمة.