رغم أن بلاده لم تمنحه التقدير الذي يستحقه، غير أن فرنسا على النقيض أعطته هذا التقدير، فهو الأديب الكبير طه حسين، الذي تحدث أكبر أدباء فرنسا عن أعماله، مثل "أندريه جيد" الذي عشق مؤلفات طه حسين وخاصة كتاب "الأيام". مقابلة طه حسين كانت تعني شرفا كبيرا لكل الغربيين، الذين يرتادون القاهرة، يكفي أن يستمعوا لآراء كبار الكتاب الفرنسيين "أندريه جيد "و"جان كوكتو" كي يعرفوا القيمة الكبيرة لطه حسين". فهو أديب تنزل علينا من سماوات الوحي، لا ليبحث عن قراء، إنما لينتظر المؤمنين به، خاض غمار البحث عن الحقائق، فيما صدر عن رواة العرب، وهم بين السهو تارة وبين العمد تارة أخرى، يجنح إلى الإثبات ومن ثم إلى اليقين، وإن لم يسعفه البحث يعمد إلى الشك، ومن ثم إلى الإنكار دون رهبة أو وجل. طه حسين لم يركن يومًا إلى الأمن والدعة من التطرق للثوابت أجمعها، وإخضاعها للبحث والتحليل والتأويل والفحص، التمس من الأدب الفرنسي قبس نصب به أفكار، متحلي بروح أبي العلاء المعري الذي شيَّد وجدانه، متأثرًا بالشك الديكارتي، حتى نعتته "مي زيادة" في إحدى رسائلها ب"فولتير" الأدب العربي، لكثرة تقربه للأدب الفرنسي وقراءته لأعمال الشاعر الكبير "شارل بودلير"، وكذلك "فيكتور هوجو". أما موقع "لا ربابليك دي لتر" فقد أشار إلى أن مجيء طه حسين في هذا التوقيت كان مهما للأدب الفرنسي والعربي على السواء، خاصة في وقت بدأ المفكرون المصريون يبتعدون عن الأدب الفرنسي، كما أن ترجمة الكتب الأدبية الفرنسية إلى اللغة العربية تكاد تكون ضئيلة قبل مجيء طه حسين. وبحسب الموقع، فإن طه حسين مثل لقاء ثقافيا ناجحا بين فرنسا ومصر، حيث إنه لم يركز أي أديب مصري سابق له على تقديم دراسة حول الأدب الفرنسي، ففي الوقت الذي يتزايد ابتعاد المصريين عن الثقافة الفرنسية، جاء طه حسين ليحيي هذه الروابط الثقافية، ويساعد على انفتاح العقول المصرية. من جانب آخر، أشار الموقع الفرنسي إلى أن طه حسين، هو أكثر الأدباء العرب الذين تواصلوا مع الثقافة الفرنسية وأعطوا العالم العربي الحق في الاطلاع على هذه الثقافة. ومن جانبه، يرى موقع " كانال بلوج" أن طه حسين لم يتأثر فقط بالأدب الفرنسي، بل أثر عليه أيضا؛ حيث إن عميد الأدب العربي بدأ مشواره الأدبي بعد أن حصل على الدكتوراه في رسالته "الفلسفة الاجتماعية لابن خلدون" والذي كان يشرف عليه خلال هذه الرسالة الفيلسوف وعالم الاجتماع الشهير "أميل دوركايم". وأضاف الموقع، أن طه حسين أثر بشكل كبير على الثقافة الفرنسية، حيث يكفي أن ننظر إلى عدد الكتب التي كتبها وتمت ترجمتها إلى الفرنسية، فقد ترجم له 11 عملا أدبيا، في حين لا يزيد نتاجه الأدبي عن 25 عملا. لكن تأثير طه حسين على الأدب الفرنسي لم يتوقف على الترجمة فقط، بل إن العديد من الباحثين الفرنسيين كتبوا عنه مثل "ريموند فرانسيس"، الذي نشر في عام 1963 دراسة تحمل عنوان "طه حسين القاص"، وكذلك "برونو رونفارد" الذي كتب عام 1995 ضمن "شهادة على الإنسانية" تحدث فيها عن طه حسين تحت عنوان "طه حسين: ثقافات في الحوار". كما أن التأثير القوي لطه حسين على الأدب الفرنسي دفع الفرنسيين، لمحاولة اكتشاف حياته الشخصية حتى بعد موته عام 1973، فقد ترجم "جان لو سرف" كتابه الشهير "الأيام"، الذي خلق صدمة داخل المجتمع الفرنسي، دفعت الأديب الكبير "أندريه جيد" ليكتب تقديره لطه حسين على ظهر الرواية المترجمة، كما نشرت دار "سرف" في أكتوبر 2011 مذكرات زوجة عميد الأدب العربي سوزان حسين تحت عنوان "معك"، والذي يعتبر كتابا استثنائيا يصف قصة الحب بين طه حسين وزوجته. غير أن تأثير طه حسين لا يتوقف عند الأدب الفرنسي فقط، حيث إن الشعب التونسي والمغربي والجزائر تأثروا بشكل كبير بأفكار عميد الأدب العربي، لذا نجد العديد من المدارس والمعاهد الأدبية تحمل اسمه مثل "معهد طه حسين"، ومدرسة "طه حسين الثانوية" بالمغرب، وغيرها في بلاد المغرب الغربي. ونختتم بالمقولة الشهيرة للأديب الفرنسي الذي علق على الإهمال العربي لهذه القامة الأدبية بالقول "إبعاد طه حسين من الأدب المعاصر، يشبه كمثل الذي يتنزه في باريس، ولا يزور متحف اللوفر وكنيسة نوتردام"، في إشارة إلى الحرب الشرسة التي تعرض لها طه حسين من قبل الإسلاميين بسبب أعماله الأدبية، خاصة كتاب الأيام حتى بعد وفاته.