يبدى خبراء الأمن والاستخبارات ومكافحة الإرهاب قلقا من احتمالات تنامى نفوذ تنظيم القاعدة الارهابى مستغلا انشغال العالم بالحرب على داعش، ويؤكد بعضهم أن القاعدة قد استفادت بالفعل من الضربات العسكرية الموجهة إلى منافساتها في عالم الإرهاب " داعش " في تعزيز قوة التنظيم في عدد من مواقع الشرق الأوسط. ويذهب فريق من خبراء الأمن القومى الأمريكي إلى القول: إن انشغال واشنطن بمكافحة إرهاب داعش قد أعماها عن مواصلة جهود محاربة القاعدة بنفس الزخم الذي بدأت به في اعقاب ضرب برجى التجارة في الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 /.. ويرى هذا الفريق أن العلاقة بين قوة القاعدة وقوة داعش هي علاقة عكسية، فكلما ضعفت قوة داعش تدعمت قوة القاعدة وأنه لا سبيل لكسر تلك المعادلة الا بتبنى سياسة " الضربة المزدوجة " لكلا التنظيمين. و لتلك التخوفات ارضيتها العملياتية في الواقع، فعلى سبيل المثال لاتوجد اية تقارير عن قيام الغارات الجوية الأمريكية الجوية ضد داعش في سوريا بتوجيه اية ضربات موازية إلى تنظيم القاعدة في سوريا والذي تمثله جماعة " جبهة النصرة " أو " فتح الشام / حاليا الأمر الذي ترك مساحة لجبهة النصرة لبناء تحالفات مع جماعات التطرف المحلية الاخرى في سوريا والمضى قدما في تعزيز مواقعها الميدانية في ميادين المواجهة. ويرى فريق من المراقبين أن الحرب على داعش وانشغال العالم بها قد اعطى قبلة الحياة لتنظيم القاعدة بعد أن كاد بساط تزعمها لعالم الإرهاب الدولى أن ينسحب من تحت اقدامها وهو الرأى الذي لم يعترض عليه الجنرال سين ماكفارليند أحد كبار قادة الحرب الأمريكية على داعش وأكد أن القيادة العسكرية الأمريكية وقيادات التحالف الدولى لمحاربة داعش " متنبهة له " وأشار الجنرال الأمريكي في مؤتمر صحفى إلى أن توجيه الضربات لمعاقل إرهاب القاعدة في حلب يعبر عن ذلك حيث تعد حلب محورا للنشاط التجارى في سوريا وذلك توازيا مع ضربات التحالف الدولى لمعاقل داعش. لكن من الخبراء من يرى أن التنافس بين جبهة النصرة وداعش ميدانيا قد يكون مفيدا في دحر داعش، ويتبنى دافيد بترايوس المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية / سى أي ايه / هذا الرأى وذلك من باب " محاربة الشر بالشر " وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الإدارة الأمريكية قد صنفت جبهة النصرة كمنظمة إرهاب دولى في العام 2012. ويرى باراك مناديلسون استاذ علوم مكافحة الإرهاب والخبير في جامعة هارفارد الأمريكية أن جبهة النصرة " فتح الشام " قد استطاعت البقاء على قيد الحياة وحققت مكاسب لا يستهان بها على الارض بسبب الضربات التي تلقتها داعش والتي ازاحت الداعشيون من مناطق كثيرة في سوريا استطاعت جبهة النصرة ملأها عن طريق التحالفات المحلية وبرغم ذلك يؤكد الخبير الأمريكي على أنه لا يجب أن ننسى دائما حقيقة كون جبهة النصرة هي ذراع لتنظيم القاعدة في سوريا وأن كانت ذات وجه اقل في بشاعته وغشمه عن داعش، فضلا عن نجاحها في تقديم نفسها كحليف ومناصر " لقوى الثورة السورية " بل صاحبة مشروع اخلاقى تسعى فيه لازاحة " طاغوت الشام " وتحقيق الحرية للطامحين لها في سوريا. واستنادا لتلك الدعاية، استطاعت القاعدة بناء قاعدة ارتكاز لها في سوريا عبر جبهة النصرة، واستطاعت كذلك تحسين مواقعها ميدانيا في كل من اليمن وافغانستان وتحقيق تواصل جيد مع ابناء المجتمعات المحلية والعصبيات القبلية في كلا البلدين، وبفضل تلك الدعاية المخادعة نسيت قطاعات واسعة من ثوار اليمن وسوريا أن عقيدة القاعدة هي إقامة " دولة إسلامية دينية " ولم تكن عقيدتها يوما دعم ثورات التحرر للطامحين صوب الديمقراطية والتنمية والتقدم. غير أن مخططى الاستخبارات في روسيا ظلوا دائما على وعى بحقيقة كون جبهة النصرة كذراع لتنظيم القاعدة الارهابى مهما حاولت القاعدة اخفاء حقيقتها وتجميل وجهها، ومن تلك القناعة كانت الضربات الروسية في سوريا موجهة إلى تنظيمى جبهة النصرة وداعش على حد سواء بينما تركزت الضربات الأمريكية على داعش فقط ولعل ذلك من وجهة نظر عديد من الخبراء كان السبب الحقيقى للخلافات بين واشنطن وموسكو ازاء عمليات القصف الجوى في سوريا، ويؤكد ذلك ما أعلنه وزير الخارجية الروسى سيرجيه لافروف في فبراير الماضى خلال زيارة لسلطنة عمان أن الضربات الجوية الروسية في سوريا تستهدف داعش والقاعدة " جبهة النصرة " معا ولا تركز على داعش فقط مثلما تفعل الولاياتالمتحدة التي قليلا ما هاجمت قوات " جبهة النصرة " " التي غيرت مسماها إلى جبهة فتح الشام حاليا في سوريا. ويرى خبراء مكافحة الإرهاب أن واشنطن تعتبر أن داعش وجبهة النصرة منظمتين ارهابيتين، لكنها تعتبر أن خطر داعش هو خطر حال وفى المقابل تعتبر أن خطر جبهة النصرة " جبهة فتح الشام " بمثابة " خطر مؤجل " ولعل تلك القناعة تفسر ضخامة الاعتمادات الأمريكية التي رصدت خلال العام الماضى لمحاربة داعش حيث رصدت واشنطن 5ر7 مليار دولار أمريكي كموازنة إضافية لضرب داعش فضلا عن 8ر1 مليار دولار لإنتاج 45 ألف قذيفة ذكية لاستخدامها في الضربات الجوية ضد داعش والتي بلغ عددها في العام الماضى 21 ألف غارة جوية. وقد بلغت فاتورة الضربات الأمريكية الجوية ضد داعش 5ر5 مليار دولار أمريكي بمعدل 2ر11 مليون دولار أمريكي يوميا منذ بدء الضربات الجوية الأمريكية ضد داعش في سورياوالعراق في أغسطس 2014. ويقول المراقبون أن فرنسا قد تشكل استثناء وحيدا من بين حلفاء واشنطن ادراكا لضرورة تبنى سياسية " الضربة المزدوجة " لكل من داعش والقاعدة، ففى العراق دخلت المقاتلات الفرنسية على خط مواجهة داعش بالضربات الجوية، وفى مالى تلاحق قوات الكوماندوز الفرنسية عناصر القاعدة في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية لمنع تمدد التنظيم واصطياد قياداته، وفى الرابع من مارس الماضى قتلت قوة كوماندوز فرنسية أبو النور الاندلسى البالغ من العمر 35 عاما وذو الاصول الاسبانية في عملية اغارة اودت بحياته بعد تعقب مخابراتى استغرق عدة اشهر، ويعد الاندلسى أحد كبار قادة فرع القاعدة في منطقة أفريقيا والصحراء وهو ما يعرف بتنظيم /القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي/ والتي كانت تعرف حتى تسعينيات القرن الماضى بالجماعة السلفية للدعوة والقتال وهو فصيل منشق عن الجماعة الإسلامية في الجزائر بعد هزيمتها في الميدان الجزائرى وانتقال قياداتها إلى مناطق بجنوب ليبيا وشمال مالى فرارا من ملاحقات أجهزة الاستخبارات والأمن الجزائرية ويقدر قوام منتسبيها من المسلحين بنحو اربعة آلاف مسلح، وبحسب خبراء مكافحة الإرهاب الفرنسيين، يشكل ادراك خطورة عدم الانشغال عن محاربة القاعدة بمحاربة داعش محورا للتلاقى في الرأى بين الاستخبارات الفرنسية والروسية يفسر ما تردد عن تعاونهما معا لمواجهة القاعدة في سوريا " جبهة النصرة - فتح الشام " وهو تعاون لم تتحمس له واشنطن. تجدر الإشارة إلى أن لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي كانت قد فتحت تحقيقا موسعا هذا العام بشأن التقارير التي زعمت حدوث تلاعب سياسي في التقارير العملياتية المرفوعة للقيادة المركزية الأمريكية – مقرها ولاية فلوريداالأمريكية – حول تطورات المواجهة مع داعش باعتبارها القيادة المسئولة عن عمليات القتال الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وبحسب /نيويورك تايمز/ التي كشفت عن هذا الأمر يرى نواب في الكونجرس أن ملفات هامة تخص الحرب على داعش قد تم محوها فضلا عن حالة عدم التعاون بين البنتاجون ولجنة الاستخبارات في الكونجرس في هذا الصدد وهو ما ترتبت عليه حالة من التخبط السياسي ازاء مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط لدى الإدارة الأمريكية.