تحول الجهاز القومي للتنسيق الحضاري خلال الفترة الأخيرة، من مؤسسة لها أهداف محددة تتمثل أبرزها في رسم السياسة العامة للتنسيق الحضاري، ووضع المخططات والبرامج التفصيلية والتنفيذية بالتنسيق مع الجهات المختصة، واقتراح وإبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية ذات الصلة بالتنسيق الحضاري ووضع الأسس والمعايير والدلائل لأعمال التنسيق الحضاري التي يتولى اعتمادها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، طبًقا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والاشتراطات المقررة لإصدار التراخيص وإجراء البحوث والدراسات التفصيلية في مجال التنسيق الحضاري والتنسيق مع الجهات المختصة لضمان تنفيذ الاشتراطات والضوابط المنظمة لتحقيق أهداف التنسيق الحضاري، إلى جهاز تتمثل كل مهمته في إطلاق المبادرات الفاشلة التي يمكننا أن نطلق عليها "فشنك". ووصف هذه المبادرات بال"فشنك" لم يأت من فراغ لأنها بلا أي مردود حقيقي ولم تحقق أي هدف يذكر من الأهداف السالف ذكرها ولم يكن الهدف منها إلا الشو الإعلامي أو تحقيق نشاط زائف للجهاز الذي أصبح كسيحا بلا حركة أمام الاعتداءات اليومية على الكثير من المناطق الحضارية الهامة في مصر. ويبدو أن المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بعد أن انحسرت عنه الأضواء بعد فشله في إدارة قطاع صندوق التنمية الثقافية في الفترة الأخيرة من توليه لرئاسته وانتقل للجهاز؛ بات يدمن الأضواء لدرجة لم يعد يستطيع أن يتخلى عنها وإذا به يدشن هذه المبادرات الكثيرة دون طائل يذكر من ورائها ودون أن يقوم بالدور المطلوب من الجهاز أصلا. واللافت أن الجهاز امتلك مؤخرا صفة الضبطية القضائية وبات له السلطة الكاملة في إيقاف أي اعتداء على الأماكن التي شهدت انهيارا تاما الفترة الماضية مثل مسرح السلام بالإسكندرية أو منازل كل من الشعراء التاليين أحمد رامي أو بيرم التونسي أو رب السيف والقلم محمود سامي البارودي وغيرهم كثيرون لا يستفيق الجهاز إلا بعد أن تحل الكارثة وكل حجته أن هذا المكان أو الأثر غير مسجل، والسؤال الذي يطرح نفسه هل التسجيل مسئولية الجهاز أم مسئوليتنا نحن؟! وخلال السطور المقبلة نعرض لأهم المبادرات التي أطلقها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مؤخرا ولم تؤتي ثمارها ولم تحقق الهدف المرجو منها سوى في الشو الإعلامي، مثل مبادرة تحت مسمى" الأصدقاء" يطالب فيها المواطنين بالتعاون مع الجهاز للحفاظ على القيم الجمالية والتراثية فى المدن والقرى والمجتمعات الجديدة والمناطق الطبيعية وحمايتها من التشوهات البصرية، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، وهو أين دور الصندوق إذا كان سيعتمد على المتطوعين في تعريفه بأهمية الأماكن الأثرية والحضارية التي يجب عليه أن يهتم بها؟! كما يرعى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري مبادرة مجموعة شباب المعماريين Egyptian Street Renovation – ESR، والتي تهتم بطرح مبادرات وأفكار حضارية جديدة لحل مشاكل الطرق في مصر، مثل التكدس المروري وتداخل حركة السيارات والمشاه، وسوء مسارات المشاه والارصفة، والتعديات على الملكية العامة التي تلوث الوجه الحضاري للعاصمة. بينما أطلق المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، مسابقة تراثى للتصوير الفوتوغرافي وذلك بدعوة المصورين الفوتوغرافيين والمهتمين بالتصوير الفوتوغرافى لاستخدام عدساتهم وتسليطها على ما تمتلكه مصر بجميع محافظاتها من إرث معمارى وتراثى مميز، وتأتى المسابقة فى إطار مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية المختلفة التى ينظمها الجهاز للتوعية بأهمية الحفاظ على التراث وخاصة المبانى والمنشآت المعمارية، وهنا نتساءل بعد انتهاء البروباجندا الخاصة بالمسابقة والتي استمرت أكثر من شهرين، ما هو المردود من هذه المبادرة الهزيلة التي لم تجذب الانتباه. أوليس من الأفضل أن يتم العمل على إنشاء وإصلاح الميادين على ارض الواقع بدلا من إقامة مسابقة كل ما جنيناه منها هو معرض لمدة يومين بقصر الأمير طاز؟! مبادرة أخرى أعلن عنها "أبو سعده" تتمثل في تطوير مشروع القاهرة الخديوية، وذلك بتطوير وترميم معظم القصور والمبانى وجارى العمل على الانتهاء من باقية المشروع، على الرغم من أن هذا المشروع موجود منذ سنوات مضت وقد لقى انتقادات حادة بسبب تغيير بعض ألوان الأماكن بوسط القاهرة. كما أعلن "أبو سعدة" أن الجهاز يعمل على الدفع على تواجد المكتبات العامة وتزويدها بكتب التاريخ والعمارة، بالإضافة إلى إنشاء مركز للباحثين بداخل جهاز التنسيق الحضارى بقلعة محمد على، وأن الجهاز يعمل على قدم وساق لتنفيذ مشروع تطوير الميادين العامة، وجاء ذلك بعد ما شهدته ميادين مصر مؤخرا من تشويه حقيقى يضر بسمعة مصر الفنية هو ما دفع هذه المجموعة المتميزة من الفنانين التشكيليين للاشتراك فى هذه المبادرة التى ستصبح نواة لمشروع أكبر يضفى رؤية جمالية إلى كل أنحاء مصر. ولم يفت "أبو سعدة"، أن يشير إلى أن التنسيق الحضارى أطلق مبادرة بالتعاون مع اليونسكو تحت عنوان "معا لعودة الجمال لمصر"، حيث أن أول مشاريع الترميم ستكون المبانى التراثية المسجلة بقوائم التنسيق الحضارى، ولا ندري أصلا لماذا يطلق مبادرة بهذا الشأن طالما أن كل المبادرات السابقة ما هي إلا مجرد أهداف أنشيء الجهاز أصلا لتحقيقها، وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يصر المسئولون عن الجهاز على سيل المبادرات اليومية دون أن نرى تأثير يذكر من ورائها على أرض الواقع؟!