الصورة الباهتة للقمة العربية التى عُقِدت فى موريتانيا لم تُثِر علامات الاستفهام ولا حتى التعجب!! فى ظل حالة اللا مبالاة المسيطرة على بعض حكام العالم العربى ومخاوف مشروعة دفعت بعض الدول العربية إلى تبنى سياسات تشكل جزءا من المشكلة بدلا من كونها خطوات على طريق الحلول الجذرية. مع غزو العراق وتداعياته التى أسفرت عن تمدد النفوذ الإيرانى على المنطقة كان من البديهى أن تؤدى خطورة التوسع المستمر لهذه الأطماع إلى تحرك الدول العربية المؤثرة.. لذا يبدو التركيز على خطورة التدخلات الإيرانية فى الشأن العربى هو النقطة الإيجابية الوحيدة التى خرجت بها هذه القمة.. فى المقابل تكمن الخطورة فى طبيعة التحرك السياسى الذى اختارته هذه الدول فى مواجهة مشروع إيرانى قائم على أساس الطائفية الدينية، إذ مهما بلغت التطمينات الصادرة عن ملالى طهران فإن السياسات الواضحة والمعلنة تؤكد الأطماع الطائفية.. استنادا إلى عدة دلائل. تحت ضغط إيران تم خلق نموذج للحرس الثورى الإيرانى فى بلد عربى كان من مؤسسى الجامعة العربية - العراق- بعد صدور قرار رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى بمنح ميليشيات الحشد الشعبى سلطات أجهزة مكافحة الإرهاب ما جعلها فى مساواة مع الجيش وباقى الأجهزة الأمنية، حوادث الإرهاب التى صدمت العالم مؤخرا بل أجبرته على إعادة النظر فى الكثير من ثوابته التاريخية.. كلها قراءات تؤكد أن الطائفية والعنصرية لا تقابلان بمواجهة تستند على نفس النهج، وأن التحالفات السياسية تبقى البديل الوحيد فى مواجهة أى أطماع أو تدخلات، فكرة التكتل العربى – ولو بقدر يتسق مع المتغيرات التى طرأت على المنطقة- ما تزال تثبت أنها الأجدى إذ لم تحمل التحالفات القائمة على الدين والطائفية سوى المزيد من الانفجارات، حتى الأحداث الإرهابية التى هزت فرنسا وألمانيا كلها وقعت تحت عنوان «خمار» لا تحتمل أدبياته التعايش مع الآخر والذى كان صدامه متوقعا مع يمين متطرف – دينيا وسياسيا- يسعى فى تصاعد مستمر إلى استعادة هوية وقيم بلاده. من المؤكد أن إقحام دولة مثل تركيا خصوصا مع الفوضى التى تهدد استقرارها السياسى أو أى دولة أخرى لمجرد كونها إسلامية فى أى تحالف بغرض التصدى للأطماع الإيرانية يحمل عدة إشارات سلبية.. أبرزها إضعاف دور الجامعة العربية وهى تستقبل جهود وطموحات دبلوماسى وسياسى قدير مثل أحمد أبوالغيط لإعادة الثقة التى غابت عشرات السنين عن هذه المؤسسة ودعم التقسيم الطائفى والعرقى الذى وجدت دوائر صنع القرار فى أمريكا أنه النموذج الأنسب فى التعامل مع قضايا المنطقة العربية بعد اندلاع ثورة تونس فى 2010.. لعل أخطر تداعيات الفوضى التى أحدثها التدخل الأمريكى والغربى لم تقتصر على الشق العسكرى، لكنها أخذت بعدا سياسيا عن طريق إعادة صياغة هويات الشعوب العربية دينيا وفق تقسيم طائفى، ولا يدخل فى نطاق الأسرار أن فكرة التقسيم الطائفى للخروج من مآزق بلاد مثل العراقوسوريا واليمن تشكل جزءا كبيرا من اهتمام الإدارة السياسية الأمريكية ووسائل الإعلام المتصلة بها فى مقابل تجاهل تام لهوية هذه الشعوب وانتمائها الوطنى إلى بلدانها. بينما يختلف الأمر فى محاربة الإرهاب الذى امتدت آثاره الوحشية عبر القارات إلى دول العالم.. وهو ما يفرض قدرا من التنسيق مع القوى الدولية. رغم فرض الإرهاب نفسه كقضية دولية إلا أن التأثير السلبى الذى حدث نتيجة تدخلات دول إقليمية -تركياوإيران- فى مسار العمليات العسكرية التى تقودها جيوش هذه البلاد «سورياوالعراق» بدعم دولى لتطهير مدنها من التنظيمات الإرهابية كان يفرض أولوية تفعيل قرار إنشاء قوة عربية مشتركة بدلا من المماطلة والتأجيل، فى الوقت الذى تمارس إيران تدخلاتها العلنية والسافرة عبر قادة الحرس الثورى الإيرانى فى العراقوسوريا، كما تنتهك القوات التركية أراضيهما، من أجل أهداف هى أبعد ما تكون عن دعم محاربة التنظيمات الإرهابية، فكرة الاعتماد على هذه القوة الإقليمية بحكم الدين أو الطائفة سيحيل الدول العربية فى النهاية إلى مستعمرات تابعة لها.. والأمثلة موجودة بين دول اعتبرتها إيران -وفق تصريحات رسمية صادرة عن كبار قادتها ومراجعها الدينية- مجرد امتداد جغرافى لها.. كل هذه المخاوف القائمة على مشاهد من واقع الصراعات التى تشهدها دول المنطقة تستدعى من القادة والحكام قبل الحضور إلى القمم العربية المقبلة مراجعة هاجس الانخراط فى تحالفات قائمة على رابط الطائفة والدين، والعودة إلى البديل الوحيد ضمن دائرة التحالفات العربية مهما بلغت مرارة هذا الدواء! كل الجهود التى يسعى خلالها الأمين العام إلى بث الدماء فى شرايين الجامعة العربية لن تجدى إلا فى حال اقتناع القادة العرب –إذا كانت النوايا جادة فى الخروج من حالة الانهيار العربى وإذا تلاقت مع آمال شعوبهم – بعدما أثبتت التحالفات الإقليمية أو الدينية فشلها فى وضع حد لصراعات المنطقة.. يبقى الحل العربى هو الأمل الوحيد فى الإنقاذ رغم كل أجواء المصالح المتضاربة بين بعض قادة الدول العربية.