إذا كان الجنس هو أحد التابوهات التي تؤرق الكاتب العربي، والتي دومًا ما يقترب منها برفق شديد، حتى لا تنهال عليه اتهامات الفجور، فإن المثلية هي العالم المُحرّم الذي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، هي ضربة قوية للكاتب في مجتمعات محافظة اعتادت أن تدفن رأسها في الرمال؛ كذلك اعتاد القارئ العربى دومًا أن تكون المثلية عرضًا ثانويًا في الأحداث، ضيفة على الرواية لا تذكر إلا كهامش، كما فعل نجيب محفوظ حينما ذكر عرضًا واحدًا من فتواته من أبناء الناجى اتخذ حوله غلمانًا، وعندما حطّم علاء الأسوانى شيئًا من هذا التابو جعله واحدًا من سكان عمارة يعقوبيان، تمتزج أحداثه بيوميات العمارة، ربما كان الأجرأ هو رؤوف مُسعد في ثلاثيته الإيروتيكية الشهيرة، لكن الأخير بدوره لا يهتم بالآراء بعد أن غادر المنطقة كلها واستقر في امستردام، هذا بلد لا يُمكن أن يُحاسبه أحد فيه على ما يكتب أو يقول، لم يفعل أحد كما كتب صراحة الفرنسى جان جينيه الذي طالما تباهى بشذوذه، ويجعل المثلية بطلًا لعمله، هنا تجد القارئ فضوليا نحو ذلك العالم الذي يُثير مشاعره السلبية، يترك مكونات الرواية على حساب التفاصيل، ويستغرق في نافذة تطل على عالم هو الأكثر اضطهادًا في هذا المجتمع المليء بالعواصف، والذي تكون المثلية هي آخر الموضوعات التي تشغله.. هكذا كتب محمد عبدالنبى روايته «في غرفة العنكبوت»، التي تحكى عن حياة مثلية منذ صفحتها الأولى وحتى الأخيرة، ولكنها في الوقت نفسه لا تتناول عالم المثلية الجنسية في مصر. كانت قضية المثليين الأكثر شهرة في مصر في أوائل القرن الحالى، والتي عُرفت إعلاميًا بعنوان «كوين بوت» -مركب الملكة ناريمان- وهى القضية التي تم التنكيل فيها بمئات المثليين جنسيًا، وتم حبسهم وفضحهم أمام الرأى العام هم وعائلاتهم هي المدخل لعالم هانى محفوظ، مهندس الديكور المثلى، الذي طالما رأى حياته ضيقة وهشة كشبكة العنكبوت، والذي كان تكرار اسمه الثنائى في مواضع عدة من الرواية يوحى برغبة عبد النبى في صب الاهتمام والتأسيس لشخصيته، بهدف تعلق القارئ باسمها وتذكره، دافعًا إياه لاستكشاف البعد المميز في تلك الشخصية، وسيرة حياتها، حيث رسّخ الكاتب الصورة الموجودة في الوجدان الجمعى عن الشاذ جنسيًا؛ فجاءت ميول هانى الجنسية باتجاه الرجال، والتي ظهرت عليه في سن مبكرة، تتناسب مع صورته كبدين يملك أثداء مثل النساء لفرط بدانته، إضافة إلى مُعاناته من نشأة اجتماعية مفككة، حيث توفى والده وهو لا يزال طفلًًا، بينما انشغلت عنه والدته في مراهقته بعملها كممثلة، والتي قامت بتعويضه عن انشغالها بالمزيد من الأموال، ليُنفق على حياته الأخرى في البارات المنتشرة في القاهرة. كذلك لم يستعرض الكاتب أيا من هؤلاء الذين ولدوا ميالين للرجال، بل على العكس استمر في تقديم الصورة النمطية، فعبد العزيز الذي يقع هانى في حبه، الطرف الإيجابى في العلاقة، صعيدى وأسمر، عانى تنشئة ذكورية محضة، أبوه عسكري صارم ولا وجود تقريبًا للأنثى في بيتهم، كما تستعرض الرواية لمثلى آخر، وهو كريم سعدون، خفيف العقل المولود في أسرة فقيرة وأبوه الغائب عن البيت منذ ولادته، واستمرارًا في الخط ذاته يرتبط هانى بامرأة فقيرة قليلة الجمال تأخرت في سن الزواج لاستكمال مظهره الاجتماعى، بالطبع تسوقه للاقتران بها ظروف أخرى، ولكن يظل موقعه الاجتماعى كفيلا لها للتغاضى عن الشكوك في ميوله الجنسية، وأكدت الصورة أحاديث هانى وكريم، اللذين لم يعتبرا نفسيهما رجالًا نظرًا لكونهما الطرف السلبى في العلاقة، رغم نفى عبد النبى في سرده فكرة الجوع الجنسى لدى المثليين، وعدم إبرازه أي صبغة أنثوية في ملابسهما. يبدو هدف السرد في الرواية استعراض الحالة النفسية للبطل أكثر من استعراض العالم المحيط به، والذي اختصر الكاتب تفاصيله خلال صفحتين، وربما كانت اللغة التي سرد بها عبد النبى أحداثه هي ما منعته من مُلاقاة مصير أحمد ناجى، ابتعد عن فجاجة الألفاظ ووضوح التفاصيل إلى طريق آخر، فقد اجتهد الكاتب لصياغة لغة خاصة وناعمة، مثل ما أطلق «الحبايب» كلفظ يدل على المثليين، وحرص على عدم استخدام المصطلحات الخاصة بعالم المثليين المعروفة «كوديانا، برغل، طلية بطلية»، فلم يستخدم أحدها إلا على لسان أحد المساجين، هكذا لم يسقط في فخ الابتذال في صياغته للقاءات الجنسية التي وضعت ناجى في محبسه.