سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الكاتب عاطف عبدالرحمن في حواره ل"البوابة نيوز": تجاهل العشوائيات يشبه سيدة تكنس القمامة وتخفيها تحت السجاجيد.. الشعب الإسرائيلي يرفض التطبيع كما نرفضه.. والعداء كامن في النفوس
يتنقل الكاتب عاطف عبدالرحمن بين العديد من الحقول الإبداعية على رأسها المسرح والإذاعة والتليفزيون، ومؤخرًا اتجه إلى الكتابة الروائية، لتصبح بالنسبة له، بمثابة الوعاء الذي يطلق من خلاله صرخة يواجه بها بشاعة العالم، من خلال عددٍ من الأعمال التي تلقى نظرة على جانب من عوالم المهمشين؛ حيث يتداخل في عالمه الحلم والواقع، ليشكل نسيجًا واحدًا للسرد، متجاوزًا الزمن، بتعريفه التقليدي. وقد أصدر مؤخرًا، العديد من الأعمال الروائية، مثل «زمن العشق.. والجنون»، و«البِشارة»، «التاسوع»، و«ليالي عزبة البوهي»، وعن هذه الأعمال وغيرها من القضايا العامة، دار هذا الحوار.. كيف ترى الواقع الثقافي في الفترة الحالية؟ الواقع الثقافي الحالي، هو نتاج مباشر لما تم خلال الأربعين سنة الماضية، والتي تعرضت خلالها مصر لمحاولتي غزو ثقافي «شرقي» و«غربي» في نفس التوقيت؛ «شرقي» تمثل في الوهابية، التي حاولت أن تصبغ المجتمع المصري بصبغتها، و«غربي» تمثل في ثقافة الاستهلاك والتسليح، وهي أيضًا حاولت أن تصبغ المجتمع بصبغتها، وهاتين الصبغتين رغم محاولاتهما المتعددة لتغيير الهوية المصرية إلا أن الطبيعة السمحة للهوية المصرية ظلت تمثل حاجزًا، تتحطم عليه محاولات الغزو تلك، لكن هذا الصراع يطبع الواقع الثقافي في الفترة الحالية بطبعه؛ فنحن في الفترة الحالية ما زلنا نراوح مكاننا ما بين تمسك بهويتنا الثقافية أو الانجراف وراء واحدة من تلك الثقافات، وعدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع الثقافة، هو الذي يؤدي بنا إلى تلك الحالة. كيف تقيم أداء وزارة الثقافة في مختلف مجالات القطاعات التابعة لها؟ دون وجود أجندة ثقافية واضحة تتمثل في استراتيجية ثقافية، سيظل عمل الوزارة بكل قطاعاتها، مجرد تسيير أعمال، قد يكون هناك بعض الطفرات في بعض القطاعات؛ نتيجة رؤية بعض القيادات في مواقعها، لكنها تظل اجتهادات فردية لا تحقق المأمول من وزارة الثقافة. رفعت مؤخرًا شعار «الثقافة هي الحل»، لماذا هذا الشعار بالذات وهل يمكن أن نعتبره ردًا على التيارات المتطرفة التي ترفع شعار الإسلام هو الحل؟ دعنا في البداية نتفق على تعريف بسيط للثقافة، وهو التعريف الذي حدده «أندريه مالروا»، وأعني به «الثقافة اختيار»، وعلى هذا لا يكون شعار الثقافة، حلًا بديلًا لأي شعار آخر، فشعار «الإسلام هو الحل»، هو اختيار لهذه الجماعة، ويمثل توجهها الثقافي، وحين يقول آخر «الحرية هي الحل»، فهو يمثل اختياره ويعبر عن ثقافته، أما حين نقول «الثقافة هي الحل»، فهى تعني ضرورة تحديد أولوياتنا وخياراتنا، فكما تعرف فالفساد ثقافة ومكافحته ثقافة، وهناك تعريف للثقافة اعتمده اليونسكو وهو «الثقافة هي مجمل سلوك الإنسان»، المسألة ليست شعارات قدر ما هى صدق تصرفات، تتطابق مع مفاهيم يؤمن بها الإنسان. وكيف يمكن أن يتم تطبيق هذا الشعار على أرض الواقع، ونلاحظ له نتيجة إذا كانت نتائج العمل الثقافي لا تحقق نتائجًا سريعة؟ كما أوضحت لك، يمكن ببساطة تطبيق هذا الشعار، فمثلًا في التعليم هل ثقافتنا تعتمد على التلقين والحفظ في التعليم أم التفكير والخيال والإبداع، لو اخترنا التلقين والحفظ، سيكون لدينا دروس خصوصية ومعلومات محشوة لا يفيد منها الطالب، وخريج يواجه سوق العمل بلا آية مؤهلات ملائمة، لو اخترنا التفكير والخيال والإبداع، فلن يكون هناك حاجة لدروس خصوصية، ولا حشو مناهج، وسيكون لدينا خريج قادر على الالتحاق بسوق العمل، ولو طرحت أي قضية تواجهنا مثل الإرهاب أو التطرف الفكري أو ختان الإناث أو العنف الأسري أو الزيادة السكانية أو العنف المجتمعي أو الفساد وغيرها، فستجد لكل قضية عدة اختيارات، وحسب اختيارك، سيكون المردود الذي تحققه وتصل إليه. كيف ترى ما يحدث في اتحاد الكتاب من صراع؟، وهل يمكننا أن نعتبر أنه مثال مُصغر لما يحدث في الوسط الثقافي من واقع محتدم؟ كما أوضحت سابقًا نحن في مرحلة تجاذبات لأهداف شخصية، وعدم وجود استراتيجية يعمل الكل تحت مظلتها، هو الذي يزيد من تأجج المصالح الشخصية على حساب المصلحة الوطنية. كيف ترى زيارة وزير الخارجية المصري للكيان الصهيوني؟ أراها في إطارها الطبيعي؛ زيارة بين دولتين تربطهما معاهدات وتفاهمات في منطقة ملية بالأفخاخ، إسرائيل هي العدو الأول والمباشر والرئيسي لمصر وستظل كذلك، هذا ليس كلامي بل هو كلام قادتها وسياسييها، والمعركة معها معركة وجود، وليست معركة حدود، ولكن عندما يكون هناك عدو لك، يمكن لك انتزاع بعض المزايا والمكاسب منه، فما الضير في تحسين شروط الحياة للأشقاء الفلسطينيين. في روايتك «البشارة»، لمحت على لسان بعض أبطال الرواية إلى رفض التطبيع، هل ترى استمرار هذا الوضع على المستوى الشعبي؟ نعم، الوضع على المستوى الشعبي يرفض التطبيع، ليس من ناحيتنا فقط، بل هو من ناحية المستوى الشعبي الإسرائيلي أيضًا، وحتى لو تظاهر مواطنوهم بغير ذلك، فالعداء كأمن في النفوس، ولن يحدث أي تطبيع إلا في حالة إنشاء دولة ديموقراطية واحدة للشعبين على كامل التراب الفلسطيني، وحل الدولتين سيكون مؤقتًا مصحوبًا بعداء مكتوم. كيف ترى دور الثقافة في حل مشكلة الإرهاب؟ حل مشكلة الإرهاب يستلزم عدة محاور «سياسي، ثقافي، اقتصادي، اجتماعي، ديني، أمني»، بهذا الترتيب والأهمية، وكل محور من تلك المحاور، له تفصيلاته التي يجب العمل عليها معًا حتى يمكن القضاء على تلك الظاهرة التي أصبحت عابرة للقارات. تتميز كتاباتك على الرغم من بساطة لغتها إلى لمحة فلسفية عميقة تمكن القارئ من إعادة اكتشافها مرة أخرى إذا أعاد قراءتها.. هل هذا مقصود وكيف تقوم بذلك؟ بساطة اللغة ربما تكون متعمدة؛ لأنني أكتب لقارئ هو نتاج تعليم يشكو منه الجميع، فلهذا لا أحاول أن أُعقد له اللغة أو أتفاصح أمامه، ويكفيني فقط أن تكون اللغة قادرة على توصيل الفكرة إليه بشكلٍ يحببه في العمل، ويدفعه ألا يتركه قبل أن ينهيه، وما تشير إليه بلمحة فلسفية عميقة، فربما هي ناتج التجربة التي عشتها وثقافتي الخاصة. هل توافق على الرأي الذي يقول أن الرواية حاليًا أصبحت ديوان العرب؟ ولماذا؟ لا شك أن الرواية قد سحبت البساط من ألوان الكتابة الأخرى في الفترة الأخيرة، حتى أنه أطلق عليها ديوان العرب، فقد وجد فيها الكاتب والقارئ مرادهما. كيف ترى الأجيال الجديدة من الكتاب الروائيين والمبدعين الشباب؟ هناك الكثير من الجادين والمجتهدين، الذين يبذلون جهدًا كبيرًا في كتاباتهم، وأنا شخصيًا سعيد بكل ما أقرأه للعديد من الكتاب الشباب، وهناك أسماء أتوقع لها مستقبلًا رائعًا مع الكتابة، ومع نضوج تجربتهم سيكون لهم شأن مختلف. وما رأيك في سيل الروائيين الجدد؟ كثرة العدد لا تضر الكتابة؛ بالعكس فليكتب من يرى في نفسه القدرة على الكتابة، ومع الوقت سيتم الفرز من جانب القارئ، ولن يبقى سوى الإبداع الحقيقي، ولا يجب أن ننسى أن سيل الكتاب هذا يصاحبه سيل من القراء، فالمستفيد في النهاية هو عملية القراءة. هل ترى أن السينما يمكن أن تفيد الرواية حال تحويل الأعمال إلى أعمال مرئية، أم أنها تفسدها؟ تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال مرئية، يُساهم في رواج الأعمال الرواية، ويزيد من عدد معرفتها، شريطة أن يتبنى كاتب السيناريو وجهة نظر الكاتب الروائي عند تحويل الرواية إلى سيناريو. قلت في وقت سابق إن الكتابة على ذائقة القارئ مرض يجب التخلص منه.. لماذا؟ الكتابة عملية فيها قائد هو الكاتب، الذي يوجه القارئ وليس العكس، والكاتب هو صاحب وجهة النظر، صاحب الموقف الأساسي، وهو الذي يمكنه أن يغير من توجه القارئ، ولهذا فعلى الكاتب أن يكتب ما يراه حقًا وصدقًا، وليس الانصياع إلى رغبات القارئ، هذا إذا أراد أن يكون كاتبًا حقًا. أي مجال من الإبداع تحبه أكثر، المسرح أم الرواية؟ المسرح له سحره وتأثيره، والرواية بها مساحة من البوح والفضفضة، ولكل منهما متعته. كيف تقيم الدراما الرمضانية، وما جاء بها من أعمال رآها البعض بمثابة تدمير للثقافة والمبادئ المصرية؟ الدراما الرمضانية مؤخرًا أصبحت أحادية الجانب، تركز فقط على الجانب الذي يريده صناع الدراما، هناك نماذج ممكن أن توضح وجهة نظري، فيلم جعلوني مجرمًا مثلًا لم يكن النموذج السيء فقط هو المعروض، بل كان إلى جواره نموذج آخر طول الفيلم وليس جملة في نهاية الفيلم، انظر مثلًا إلى فيلم «عبود على الحدود» أو «الناظر»، وتابع كم الرسائل التي يحملها الفيلم رغم تعرضه لنماذج سيئة، ويجب لمن يتصدى للدراما التليفزيونية، أن يدرك أنه يقدم أعمالًا تدخل مباشرة إلى البيوت، فيجب عليه أن يتعامل بتوازن مع الدراما، فليس هناك واقع ملئ فقط بالنماذج السيئة لنركز عليها فقط. تدور أغلب أعمالك الروائية الحديثة في محيط عدد من الأماكن الشعبية مثل الإمام أو عزبة البوهي.. ما المقصود من اختيار هذه الأماكن؟ هي ليست مناطق شعبية، ولكنها مناطق عشوائية، والتركيز على العشوائية لأنها كادت أن تتمكن من حياتنا وتصبح أسلوب حياة، لهذا كان من الضروري لي أن أركز على هذه المناطق بناسها وقوانينهم وأعرافهم، في محاولة للتنبيه إلى خطورة ما تمثله العشوائية في حياتنا. باتت الأعمال التي تدور في الأماكن العشوائية، والتي ترصد الجوانب السلبية لأشخاص لا يجدون قوت يومهم في مصر تحظى بانتقادات لاذعة باعتبارها تشوه المجتمع.. هل يمكن أن ينطبق ذلك على رواياتك الحديثة؟ من يريد أن يراها كذلك فهذا شأنه، وهو يشبه سيدة المنزل التي تكنس البيت وتخفي القمامة تحت السجاجيد، من يشوه المجتمع هو الذي يقدم صورة مزيفة لسكان يعيشون في فيلات وقصور، بينما المتفرج يتلفت حوله فلا يجد فيلا أو قصر. بطل رواية «البشارة» هل هناك أوجه شبه بين سيرتك الذاتية وبينه؟ لا أنكر أن هناك بعض من تفاصيل حياتي موجودة داخل ثنايا كتاباتي سواء البشارة أو غيرها، ولكنها ليست في الشخوص، ربما تجدها في الأماكن أو المواقف، لكنها ليست سيرة ذاتية. يحرص عدد من الكتاب الروائيين على تقديم أبطال رواياتهم ما يشبه الحكم أو الأقوال المأثورة التي يمكن تداولها عبر «السوشيال ميديا» بعد ذلك.. لماذا لا تحرص خلال رواياتك على ذلك؟ بالنسبة لي الرواية عمل مكتمل لا يجوز تجزئته أو اقتطاع مقاطع منه، ليكتبها البعض على السوشيال، ومن يريد أن يكتب مأثورة أو حكمة، فليكتبها منفردة دون حشرها في إطار عمل أدبي، فإيراد الحكمة أو المأثورة على لسان شخصية درامية، يلخص موقف الشخصية الدرامية في فعل بذاته أو موقف معين، ناتج من تصاعد الدراما، وربما لا يتسق هذا الموقف مع المأثورة في الحياة العادية. على خلفية رواية «التاسوع».. هل يمكن أن تؤدي البدايات المتشابه إلى نهايات مختلفة؟ بالقطع لن يحدث؛ البدايات المتشابه ستؤدي دومًا لنهايات متشابه، ومن يتوقع غير ذلك، فهو إما ساذج أو واهم. ناقشت في الرواية أيضًا قضية تهريب الآثار.. فهل ترى أن هذه القضية استفحلت وباتت تهدد الأمن القومي والتاريخ المصري؟ «التاسوع»، تعاملت مع عدد من القضايا المختلفة، منها تكوين البلطجي ونشأته، ومنها الآثار وتهريبها، وهذه قضية قديمة جديدة، فنحن بلد بها ثلث آثار العالم المكتشفة، وما لم يكتشف منها كثير، وتهريب الآثار لم يتوقف لحظة واحدة رغم خطورته على الأمن القومي والتاريخ المصري، وربما كانت «التاسوع» بمثابة جرس إنذار يضاف إلى الأصوات التي بحت مطالبة بإيجاد لتلك المشكلة. ما هو المشروع الثقافي والروائي الذي تتبناه من خلال ما تقدم من أعمال إبداعية؟ يشغلني في كل ما أكتب الإنسان والزمن؛ وأعمل على إعلاء قيمة الإنسان في كل أوضاعه، وأيًا ما كانت ظروفه القدرية، في مواجهة القهر والظلم والفساد بكافة أشكاله، اهتم جدًا بأن يكون لدينا قارئ يُشارك في ما تطرحه الأعمال من أسئلة، ويبحث لها عن إجابات، وليس مجرد قارئ يتسلى بما يقرأ، أحاول أن أنجز مشروعي الذي سأترك الحكم عليه للأجيال القادمة.