اعتقال 2939 ضابطًا ومجندًا.. ومقتل وإصابة المئات من مدبرى العملية.. وبدء خطوات انتقام واسعة ضد القوات المسلحة و«الكيان الموازى» على عكس ما دأبت عليه المسلسلات التركية من «مط وتطويل» لتصل حلقاتها إلى مئات الساعات الدرامية، شهدت مدنها، مساء الجمعة، دراما من نوع مختلف، قصيرة جدا، لم تزد على 300 دقيقة، عنوانها الأبرز «محاولة انقلاب فاشلة للاستيلاء على الحكم، بدأت فى حوالى العاشرة من مساء أمس الأول الجمعة، بتوقيت مصر، وانتهت فى الثالثة فجرا. ومع بداية الساعات الأولى من صباح السبت، بدأت تتضح تفاصيل عملية تركيع الجيش التركي، وإذلال قياداته، بإعلان قوات الشرطة الموالية لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان اعتقال 2893 من ضباط وأفراد الجيش التى قالت وكالات الأنباء التركية الرسمية، ووسائل إعلام غربية إنها قامت ليل الجمعة بمحاولة انقلاب عسكرى «فاشلة»، بهدف الاستيلاء على السلطة، وبثت الفضائيات التركية مشاهد إذلال الجنود الأتراك، ومعاملتهم كجنود احتلال، وهم مكبلون بين أيدى ميليشيات أردوغان المسلحة، ترافقها أنباء عن قتل وإعدام هؤلاء الجنود دون محاكمات، وخارج إطار القانون، فيما تبرز علامات استفهام حول عدم تولى بقية فصائل الجيش إلقاء القبض على زملائهم «المتمردين»، الذين قيل إنهم «فصيل صغير»، وتصوير عمليات القبض والاعتقال بمعرفة قوات الشرطة. وأعلن «بن على يلدريم»، رئيس الوزراء التركي، صباح السبت، مقتل نحو 20 من مدبرى «الانقلاب العسكري» فى تركيا، وإصابة 30 آخرين، وكشف أن 2939 من أفراد الجيش تم اعتقالهم، ومن بينهم جنود عاديون، وضباط رفيعو المستوى. وقال «يلدريم»، إن أى دولة تقف إلى جانب الداعية «فتح الله كولن»، الذى يعيش فى الولاياتالمتحدة، واتهمت الحكومة أتباعه بالوقوف وراء محاولة «الانقلاب» الأخيرة، لن تكون صديقة لتركيا، وستعتبر فى حالة حرب معها. وشدد «أوميت دوندار»، القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان التركية، على أن القوات المسلحة عازمة على إقصاء عناصر «الهيكل الموازي» عن مناصبها، فى إشارة إلى أنصار «كولن»، وقال إن جنودًا شاركوا فى محاولة «الانقلاب» يحتجزون عددا من القادة العسكريين «رهائن»، وأضاف: «تركيا طوت صفحة الانقلابات إلى الأبد، ولن يعاد فتحها مرة أخرى أبدا». وأفاد «دوندار» باعتقال 1563 عسكريا على ارتباط ب «المحاولة الانقلابية»، فيما سلم حوالى 200 جندى كانوا لا يزالون متحصنين فى مقر رئاسة الأركان فى «أنقرة» أنفسهم لقوات الأمن التركية، وفق وكالة «الأناضول». وفيما هرب 8 عسكريين أتراك على علاقة ب«محاولة الانقلاب» إلى اليونان بطائرة هيلكوبتر، وطلبوا اللجوء السياسي، ودعا وزير الخارجية التركى «مولود أوغلو»، السلطات اليونانية إلى تسليمهم. قال مصدر عسكرى يوناني، إن مجموعة معارضة ل«حكومة تركيا» استولت على فرقاطة فى قاعدة «جولجوك» البحرية التركية، واحتجزت قائد الأسطول التركى رهينة. كانت البداية بتداول وسائل إعلام عالمية أنباءً عن «انقلاب عسكري» فى تركيا فى تمام العاشرة من ليل الجمعة، وظلت «التكهنات» تدور بين مكذبين ومصدقين، حتى خرج رئيس الوزراء التركى «بن على يدريم» ليقطع الشك باليقين، ويؤكد أن «محاولة غير شرعية» تقوم بها «مجموعة» داخل الجيش التركي، فى تلميح صريح ل«محاولة الانقلاب»، وتعهد بأن يدفع مدبروها ثمنًا غاليًا. وأفادت قناة «تى أآت تي» الرسمية التركية، بعد نقلها تصريحات «يدريم» فى العاشرة والربع، بأنه تم قطع حركة المرور فوق جسرى «البوسفور» اللذين يربطان بين آسيا وأوروبا، وكشفت عن قيام «طائرات مقاتلة» بالتحليق على علو منخفض فوق «أنقره»، لم يتحدد حينها إلى أى جهة تنتمي. بعدها ب5 دقائق، نشرت وسائل إعلام تركية، صورًا لانتشار دبابات قرب مطار «أتاتورك» بإسطنبول. عاد رئيس الوزراء التركى للظهور مرة أخرى، وقال فى العاشرة و23 دقيقة، إن مجموعة من داخل الجيش التركى حاولت الإطاحة بالحكومة، وتم استدعاء قوات الأمن للقيام بما يلزم، وأضاف فى تصريحات لمحطة «إن. تي. فى» التليفزيونية الخاصة: «بعض الأشخاص نفذوا أفعالا غير قانونية خارج إطار تسلسل القيادة.. الحكومة المنتخبة من الشعب لا تزال فى موقع السلطة. هذه الحكومة لن ترحل إلا حين يقول الشعب ذلك». تطورت الأمور سريعًا، وفوجئ الجميع ببيان قيل إنه صادر عن «الجيش التركي»، وأعلن خلاله «المنقلبون» على «أردوغان» وحكومته، السيطرة وتولى السلطة فى البلاد، وجاء فيه: «الإدارة السياسة توقفت فى حربها على الأكراد، وهذه السياسة كلفت حياة الكثير من المدنيين والأبرياء، بجانب الفساد والسرقة اللذين وصلا إلى مجال غير مسبوق، حتى أصيبت الديمقراطية بالشلل». وأضاف بيان الجيش، الذى تمت إذاعته على قناة «تى آر تي» الرسمية، بعد السيطرة عليه: «علينا إعادة اعتبار تركيا التى خسرناها فى العالم والمنطقة وإقامة علاقات أفضل مع العالم، ولهذه الأسباب وضع الجيش يده على الحكومة»، مؤكدًا أن الجيش سيتحرك من خلال مبدأ السلام والصلح، والعلاقات ستبقى قائمة مع العالم وحلف «الناتو»، والمحافظة على كل الاتفاقيات والمعاهدات»، وشدد على أنه «تم إسقاط حكومة العدالة والتنمية، وسيكون هناك من يدير البلاد». فى تلك الأثناء، نقلت وكالة «رويترز» عن شهود عيان ومراسلين لها فى «أنقرة»و«إسطنبول» تأكيدًا على وجود مجموعة من الانفجارات وأصوات إطلاق النار بالمدينتين، إلى جانب إغلاق مطار «أتاتورك» بإسطنبول، ووقوع انفجار فى مقر القيادة العامة للشرطة بالمدينة. ومع الأنباء المتعاقبة عن تطويق الجيش التركي، مقر حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وقيام طائرة حربية بإطلاق نار عشوائي، إلى جانب إعلان «المتمردين» احتجاز رئيس هيئة الأركان، الجنرال خلوصى آكار، خرج الحزب الذى أسسه «أردوغان» ليدعو فى بيان، أنصاره، وباقى أفراد الشعب التركي للنزول إلى الشوارع، وحماية القيادة المنتخبة. مرت كل هذه الأحداث، دون أى ظهور ل«أردوغان»، حتى خرجت محطة «سى إن إن» التركية، حوالى الحادية عشر إلا ربع، لتنقل عن مصدر رئاسى مطلع أنه «فى مكان أمن»، ودعا «المصدر» ذاته، دول العالم إلى مساندة الشعب التركي، وبعد التصريح، بثت المحطة خبرًا عاجلًا مفاده: «حديث للرئيس التركى رجب طيب أردوغان بعد قليل». وقبل حديث «أردوغان»، سارت الأمور بشكل غامض، وتأرجحت كفة النصر ما بين «أردوغان» ومعارضيه، وظهر ذلك فى عناوين أخبار مثل: «الجيش يعلن حظر التجول فى كل أنحاء البلاد، وفرض الأحكام العرفية، وإغلاق المطارات، أهالى مدن تركية يخرجون للتظاهر ضد محاولة الانقلاب، أردوغان يتوجه إلى مطار أتاتورك بإسطنبول، الرئاسة التركية: الرئيس والحكومة لا يزالان فى السلطة». وعبر مكالمة فيديو باستخدام أحد تطبيقات أجهزة «الأيفون»، خرج «أردوغان» فى الحادية عشر ونصف، ليدلى بأول أحاديثه، ودعا فيه جموع الشعب إلى التجمع بالميادين والشوارع والمطارات لدعمه، ولمواجهة الحركة «الانقلابية»، مؤكدًا أن «الانقلاب» مدعوم من جهات موازية للجيش، وسيواجهون إياه بالوسائل الديمقراطية، وشدد على أن «من قام بهذه العملية سيدفع الثمن»، خاصة أن «الانقلابيين لم ينجحوا على مر التاريخ». فى تلك الأثناء، وبعد دقائق من الخطاب، تعرض مبنى البرلمان التركى لقصف من دبابات، واختبأ أعضاؤه فى «الملاجئ» داخل المبنى. ومن الثانية عشرة إلا ربع، توالت الأحداث سريعًا، وردود الفعل العالمية، فخرجت بريطانيا تصرح بأنها تشعر بالقلق، ثم هز انفجار عنيف مدينة «أنقره»، واشتبكت الشرطة الموالية ل«أردوغان» مع مجموعة من «متمردى الجيش»، ودعا الرئيس التركى السابق عبد الله جول للعودة إلى الديمقراطية، وحاصرت الدبابات مقر البرلمان التركي. وفيما قصفت طائرات هيلكوبتر حربية مقر وكالة المخابرات الوطنية، وحاصرت بعض عربات الجيش مديرية الأمن العام بالمدينة، خرج نائب رئيس الوزراء التركى ليؤكد أن الحكومة لا تزال تتولى زمام الأمور، وأن أوامر صدرت لكل قطاعات الجيش بالعودة إلى ثكناتهم، وجاء ذلك متزامنًا مع نزول مظاهرات مؤيدة ل«أردوغان ومن معه». رغم هذا تواصلت «المعركة» بين الجانبين، وبينما أعلن «معسكر أردوغان» إسقاطه طائرة حربية تابعة للانقلابيين، أعلنت وكالة الأناضول الرسمية، أن 17 من أفراد القوات الخاصة للشرطة قتلوا فى هجوم على مقر تلك القوات فى «أنقرة». وفى الوقت الذى دعت فيه الولاياتالمتحدة، على لسان أوباما، إلى ضرورة تحلى جميع الأطراف بضبط النفس، بدا أن ثمة «تراجع» فى تقدم «الانقلابيين»، وميل «كفة النصر» لصالح «فريق أردوغان». كما اتضح ذلك فى تواصل «أردوغان» مع رئيس هيئة الأركان، وتوجيههه باستهداف أى طائرة عسكرية تعمل لصالح «الانقلابيين»، إلى جانب اعتقال الشرطة التركية ضابطين وثلاثة جنود وتم الإعلان عبر «الأناضول» أن العقيد «محرم كوسا»، المستشار القانونى لرئيس الأركان هو المخطط للانقلاب. وكان وصول «أردوغان» إلى «إسطنبول»، وظهوره وسط أنصاره بالقرب من مطار «أتاتورك»، فى القنوات الرسمية التركية، والتى أعيدت السيطرة عليها من قبل «معسكر الرئيس التركي»، دليلًا قويًا على «تراجع الانقلاب»، وبدأت وسائل الإعلام تستخدم لأول مرة منذ بداية الأحداث عبارة «فشل الانقلاب فى تركيا». وصل «أردوغان» إلى مقر الضيافة فى مطار «أتاتورك»، وألقى خطابًا فى الثالثة فجرًا، قال فيه إن «التحرك العسكرى الأخير من قبل المجموعة الموازية خيانة»، وتعهد بتطهير الجيش، قائلا: «هؤلاء الذين قادوا الدبابات عليهم العودة من حيث أتوا».