رمال مترامية الأطراف، تملأ وديان الصحراء وجبالها، ويفرض اللون الأصفر سيطرته على الموقف ممسكًا بزمام الأمور، هذا أول ما يتبادر للذهن عند ذكر الرمال، لكن «عادل نبيل»، هذا الشاب النحيل الذى يعمل فى شارع المعز بالقاهرة الفاطمية لم يعجبه الأمر، فقرر الخوض فى خيال كل محبي الرمال لينتزع دفة القيادة من اللون الأصفر ويعلن العصيان لتشترك كل الألوان فى وصف رماله الجديدة. كان أحد المارين ذات يوم بشارع المعز، عندما رأى رجلاً كبيرًا يلون الرمال ويشكل منها لوحات فنية بألوان مبهجة، وقع فى غرام الألوان، وقرر أن يكون الرسم بالرمال شغله الشاغل، فأنهى دراسته ليحصل على دبلوم الصنايع، ويأتى ليجلس جوار هذا الرجل الكبير، كان هذا منذ ثلاث سنوات. «فى شهر واحد قدرت أتعلم الشغلانة، وعرفت كل حاجة عنها من كتر ما حبيتها مكنتش بروح كنت قاعد ليل ونهار أجرب وأرسم وألون وأحط الرمل فى أزايز، وبعد 30 يوم كان عندى شغلى الخاص وبقيت صاحب الفرشة دى».. كان يتحدث بشغف وفخر عن قصة طاولته الخشبية التى تتمدد عليها القارورات الزجاجية والأقماع والصبغات الملونة والرمال التى تستعد لتكتسى بألوانها الجديدة. تتسابق الأقماع، العصيان الحديدية، القراطيس، الأنابيب الرفيعة، والقارورات الزجاجية فى مساعدة «عادل»، لتتحول الرمال إلى مشهد من مشاهد الحضارة المصرية بعصورها التاريخية بداية من لوحة الأهرامات، إلى الجمال. ومنهمكًا فى عمله يشرح كيف تبدأ قصة كل لوحة: «الحكاية بتبدأ من جنوبسيناء، بروح هناك أجيب رمل لأن نوع الرمل هناك ناعم، وبعد كده بجيب صبغات بكل الألوان وببدأ أختار لون معين لكل مجموعة من الرمل، ولازم تركيز ودقة علشان يطلع اللون زى ما أنا عايز، وإلا أضطر أعيد الصبغة من الأول». «بعد ما الرمل يتلون بيكون جاهز يدخل جوه الإزازة ويتحول لهدية بسيطة تمنها 25 أو 35 أو 50 جنيه بالكتير، ناس بتطلب منى أحفر اسمها على لوحة خشب، وناس تانية بتحب لوحة الأهرامات، وأكتر الناس بتحب الأزايز الملونة لأنها بتجذب نظرهم وبتكون زى تحفة بيحتفظوا بيها فى البيت». ينفى «عادل» ما يجول بخاطر الكثيرين عن نوعية زبائنه، فهم ليسوا الخواجات المبهورين بالفنون التقليدية المصرية، وإنما هم المصريون أنفسهم من يحبون هذا الفن، ويطلبون منه كميات كبيرة أحيانًا. يقول «عادل»: «زباينى مصريون، من الناس اللى تفهم وتقدر إيه هو الرسم بالرمل، وبتعجبهم الألوان، صحيح الأجانب ساعات بيشتروا منى، لكن مش زى المصريين اللى بيبقوا فاهمين الشغل وجايين علشانه مخصوص».. يؤكد «عادل» أن الزبائن المصريين هم أكثر خبرة ومعرفة بهذا الفن المثير للإعجاب، والذى لم يحظ بحقه فى الانتشار حتى الآن. زبائن «عادل» ليسوا عابرى السبيل من زوار شارع المعز فقط، وإنما تجار جملة يطلبون منه كميات كبيرة، وهو ما يجعله يشتعل حماسًا ويقضى ليلته ساهرًا لا يعرف النوم طريق عينيه إلا بعد أن ينهى العمل المطلوب منه، حتى لو وصلت الكمية إلى مائة زجاجة ملونة، فهذا العمل الكبير قد يأتيه بعد أيام مرت دون أن يشترى أحد منه زجاجة واحدة. «مش مهم الناس شايفة إيه، أنا بقول على نفسى صنايعى وبحب شغلى، وهكمل فيه حتى لو عدى شهر من غير ما حد يشترى منى حاجة، هفضل أرسم وأكتب وألون، أنا بس كل اللى عايزه إنى أشتغل من غير ما أخاف من غرامة إشغال الطريق، عايز أعيش بكرامتى، وأعتمد على موهبتى، ويكون عندى محل صغير أكمل فيه رسم وتلوين».. هكذا كان حلمه البسيط، لعله يدركه يومًا.