ليست جزيرة العرب وحدها التي عانت من ظهور مدعي النبوة، الكذبة ولكن شهدت بقاع أخرى ظهور مثل هؤلاء، ولكن سيظل مسيلمة الكذاب أبن الجزيرة العربية رأس المنافقين والأكثر شهرة، ونحن هنا نحاول إلقاء الضوء على بعض هؤلاء "الكذبة" والمهووسين والممسوسين الذين لم يخلفوا ورائهم سوى إرثٌ كاملٌ من الجنون والكُفر إذا أردت الصواب. بدأنا ب"مسيلمة الكذاب"، ومنه نعرج على أخرين لا لشيء سوى أننا نريد إلقاء الضوء على وجه آخر من الجنون واللا منطق. كعب بن غوث العنسي المذحجي المعروف باسم "الأسود" و"ذي الخمار". كُتب السيرة النبوية هي المصدر الوحيد لمعرفة الأسود العنسي فلا نقوش قديمة ولا آثار تشير إليه وحركته كما كانت العادة فلا يعرف الكثير عن وضع اليمن أيام الحكم الفارسي. كان سيدا على مذحج وبعض قبائل اليمن ولذلك سمي بالأسود وزاد أهل الأخبار فقالوا أن أمه سوداء. وتجاهل الإخباريون تفاصيل نسبه وكثيرا من حياته محاولة للتقليل من شأنه حاله حال كل من شابهه إلا أن المعروف أن عنس بطن من بطون مذحج. تشير الروايات أنه كان مشعوذا يستعمل السحر لإقناع أتباعه ويغطي وجهه بخمار فلا يرى منه شيئا وكان له "شيطان" يأتيه بالإخبار يسمى بالملك إلا أن مصادر أخرى تشير إلى إدعاءه نبوة من "ذي السماء" "ذو سماوي" الإله اليمني القديم، وأعاد اسم "رحمن" الذي كان يزين أسماء ملوك اليمن القديم، وهو للصواب أقرب إذ يظهر من سلوك العنسي تعصبا لليمن وكراهية لكل ماهو قادم من خارجها إضافة إلى ظهور حركات مثل حركة مسيلمة بن حبيب وطليحة بن خويلد الأسدي فكان مسيلمة نبي ربيعة وطليحة نبي مضر والعنسي نبي اليمن فكلهم فهم النبوة ملكا وسلطانا، استفحل الأمر العنسي وعظم شأنه بعد أن قتل باذان وطرد معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري الذي كان متواجدا في مأرب وسيطر على نجران وأصبح يهدد الدولة الإسلامية الناشئة. فكتب رسول الله كتابا إلى المسلمين في اليمن يأمرهم بقتال العنسي، تظاهر فيروز بالولاء للأسود العنسي، وعمل وغيره عنده في مناصب الدولة وأرسل إليه عامر بن شهر أمير همدان، وذي ظليم، وذي كلاع وغيرهم من أمراء اليمن يشاورونه قتال العنسي فطلب منهم فيروز الانتظار. كان العنسي "متزوجا" من زوجة باذان الفارسي "إزاد" والظاهر أنه أخذها كراهية وسبيا شاورها فيروز في أمر العنسي فوافقت وأتفقوا على حيلة لدخول قصره. قامت "آزاد" الفارسية بسقي العنسي بالخمر حتى سكر ونام. فأنتهز فيروز الفرصة ودخل غرفة العنسي وآزاد واقفة بإنتظاره فطعن فيروز الأسود وهو نائم فسمع الحراس صراخه فسألوا عما يحدث فأجابتهم آزاد:"النبي يوحى إليه" فمات العنسي وأذن المسلمون في صنعاء لصلاة الفجر وأعلنوا الخبر. أورد الرواة أن النبي محمد صل الله عليه وسلم قال:"قتل العنسي البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين.قيل: ومن؟ قال: فيروز، فيروز"، والله أعلى وأعلم.