«تشريعية النواب» تبدأ مناقشة تعديلات قانون مجلس النواب وتقسيم الدوائر الانتخابية    جامعة بنها الأهلية تنظم اليوم العلمي الأول لكلية الاقتصاد وإدارة الأعمال    جامعة المنيا تختتم مهرجان حصاد كلية التربية النوعية    النطق بالحكم في واقعة تعدي «إمام عاشور» بالسب على مشجع زملكاوي.. 19 يونيو    الصحة تنظم ورشة عمل لتصحيح السلوكيات والممارسات أثناء عيد الأضحى    للطلاب.. 7 طرق مثبتة علميًا لتنشيط الذاكرة وزيادة التركيز    دبابات الاحتلال تعاود محاصرة مستشفى العودة في غزة.. والطواقم عاجزة عن التعامل مع الحرائق    إمام عاشور يغادر المستشفى.. تفاصيل الحالة الصحية للاعب    بدء اجتماع تشريعية النواب لمناقشة تعديل قانوني مجلس النواب وتقسيم الدوائر الانتخابية    مدير تعليم القليوبية يتفقد مركز توزيع أسئلة الدبلومات الفنية    محافظ قنا يُسلم جوازات السفر ل155 حاجًا من الجمعيات الأهلية باحتفالية كبرى    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp 23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    عاصي الحلاني يختتم مهرجان القبيات الفني في لبنان أغسطس المقبل    مشاركة مصرية في المعرض الدولي للمدارس سكول إكسبو 2025 بالرياض    «القابضة للصناعات الغذائية» تفتتح 21 شادرًا لبيع الأضاحي الحية بالمحافظات    إعلام الوزراء يستعرض بالفيديو تفاصيل مشروع القطار الكهربائي السريع    جارناتشو يهاجم أموريم بعد خسارة الدوري الأوروبي    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام الاتفاق في الدوري السعودي    البيئة: مصر تلعب دورًا رياديًا لزيادة نسبة المحميات إلى 30% بحلول 2030    وزير الإسكان: مد سريان الحوافز والتيسيرات للمشروعات الاستثمارية بالمدن الجديدة لمدة عام واحد    إنفوجراف| ارتفاع أسعار الذهب اليوم الخميس في بداية التعاملات    إنفوجراف| «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الجمعة 23 مايو    بسبب الخلافات الأسرية.. زوج يقتل زوجته بعصا خشبية في أوسيم    تحرير 534 مخالفة لقائدي الدراجات النارية غير الملتزمين بالخوذة    تعزيز الإجراءات الأمنية في السفارات الإسرائيلية حول العالم بعد هجوم واشنطن    للأسبوع الثاني.. هزات أرضية بدول عربية بعد زلزال في البحر المتوسط    نجوم الساحل يتذيل قائمة الأفلام المتنافسة على شباك التذاكر    أول تعليق من «هبة مجدي» بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي    بعد حذف «بوست» الانفصال.. هل يعود أحمد السقا ومها الصغير؟    مصر ترحب بالتطور في موقف الأطراف الدولية إزاء الوضع في غزة    خلاف بين ترامب ورامازوفا حول قانون الأراضي بجنوب أفريقيا.. ما سر هذا القانون المثير للجدل؟    وزير الصحة يناقش آخر مستجدات ملفات التعاون المشترك مع ممثلي البنك الدولي    الزراعة: تحصين 4.5 مليون طائر في التربية المنزلية والحضانات منذ بداية 2025    سعر الدينار الكويتى اليوم الخميس 22 - 5- 2025 أمام الجنيه    نصف نهائي بطولة أفريقيا لليد.. الموعد والقناة الناقلة لمباراة الزمالك والترجي    امتحانات الثانوية العامة السنوات السابقة pdf.. امتحان الأحياء للصف الثالث الثانوي (أسئلة وأجوبة)    كوريا الشمالية تطلق عدة صواريخ كروز مجهولة الهوية    مواعيد مباريات اليوم الخميس 22 مايو والقنوات الناقلة    أول تعليق من الرئيس الإسرائيلي على حادث واشنطن: الإرهاب والكراهية لن يكسرانا    أسعار البيض اليوم الخميس 22 مايو2025    رئيس الحكومة يعتذر ل أصحاب المعاشات| وتوجيه هام لهيئة التأمينات    نصائح لحماية المواطنين وقت حدوث الزلازل.. تعرف عليها    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    لماذا زادت الكوارث والزلازل خلال الفترة الحالية؟.. أمين الفتوى يوضح    نصيحة من محمد فضل للزمالك: لا تفرّطوا في هذا اللاعب    مجلس الشيوخ الأمريكي يعتزم التحقيق في هوية الشخص الذي أدار البلاد بدلا من بايدن    كريم محمود عبدالعزيز: «قعدت يوم واحد مع أبويا وأحمد زكي.. ومش قادر أنسى اللحظة دي»    «استمرار الأول في الحفر حتى خبط خط الغاز».. النيابة تكشف مسؤولية المتهم الثاني في حادث الواحات    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    سامر المصري: غياب الدراما التاريخية أثَّر على أفكار الأجيال الجديدة    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    امتدح بوستيكوجلو دون ذكر اسمه.. صلاح يهنئ توتنهام بعد التتويج بالدوري الأوروبي    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    تحديد موعد مشاركة محمود جهاد في مباريات الزمالك    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البوابة" في زيارة خاصة إلى العاصمة الإدراية| "2" قصص النحت في الصخر
نشر في البوابة يوم 21 - 06 - 2016

«محمود»: نبدأ العمل بعد صلاة الفجر و«بعتبر نفسى زى أجدادنا اللى شاركوا فى إنشاء السد العالى»
«على»: «آخر الصبر إنجاز.. وصنعنا معجزة فى شهرين»
«يوسف».. مسيحى يصوم رمضان احترامًا لمشاعر زملائه
«أحمد» المشرف التنفيذى يملأ الخوذ بالمياه ليساعد «الفنيين» على الوضوء
إقامة أكبر شبكة أنفاق على عمق 60 مترًا تحت الأرض
هنا إرادة لا تعرف المستحيل، وسواعد تنحت فى الصخر، فيستحيل معها الرمل خيرًا، ويصبح الحلم واقعًا، هنا قرر المصريون أن يخوضوا مع أنفسهم تحديًا جديدًا ضد الزمن، ليرسموا بأيديهم ابتسامة على وجه الأجيال القادمة، من هنا يطل المستقبل باسمًا، وينحنى التاريخ احترامًا، ويبقى الحاضر مشرفًا.
فى زيارتنا الخاصة إلى أرض الحلم الكبير فى العاصمة الإدارية الجديدة رأينا مشاهد مبهجة، بعيدًا عن مسببات البؤس والكآبة، ومن لا يرون من الواقع إلا ظلمته، رأينا شبابًا «زى الورد» جاء من كل المحافظات ليشارك فى بناء المستقبل بإيمان حقيقى بأن هذا البلد لن يبنيه غير أبنائه المؤمنين به، فى الحلقة الماضية ألقينا نظرة عامة على بشائر الحلم الذى بدأ يرى النور، وفى هذه الحلقة نتعرف تفصيلًا على نماذج لشباب تمكن من هزيمة اليأس والإحباط ليشارك فى صنع الأمل.
الصعيدي الحالم
أسفل لافتة إرشادية كبيرة على مدخل العاصمة الإدارية الجديدة من طريق العين السخنة القديم، جلس محمود محمد أحمد، وهو شاب فى العقد الثالث من عمره، يلتقط أنفاسه تحت أشعة الشمس الحارقة فى ظهيرة يوم عمل شاق فى شهر رمضان المعظم، بوجه شاحب وشفاه تستعجل مرور الساعات المتبقية من النهار لترتوى بالمياه الباردة بعد يوم عمل شاق، وبينما كانت أشعة الشمس الحارقة تطارده من كل اتجاه، وقف الشاب فى انتظار مرور إحدى سيارات النقل الثقيل أو معدة من المعدات تقله خارج مواقع العمل إلى الطريق السريع ليستقل سيارة أجرة إلى مقر سكن العمال بمدينة بدر.
اقتربنا من الشاب الذى كست ملامحه علامات التعب والإرهاق وهو جالس أسفل اللافتة، لنستفسر عن طريق مواقع العمل، وبمجرد شعوره بتوجهنا ناحيته، وقف مرحبًا بنا قائلاً: «أنتم تايهين»، فسألناه عن الطريق ودلنا، وسألناه عن سبب وجوده أسفل اللافتة، وقال: «أنا عامل بمشروع العدايات الخاصة بشبكة أنفاق الكهرباء والمرافق التى تقوم بتنفيذها شركة كونكورد للهندسة والمقاولات - واللافتة فوقى تشير إلى أن الموقع خاص بمشروع الإسكان والمرافق بالتجمع العمرانى السكنى للشيخ محمد بن زايد - العاصمة الإدارية الجديدة - تنفيذ شركة بتروجت».
«محمود» قدم إلى هنا من صعيد مصر وتحديدًا من محافظة سوهاج بحثا عن لقمة العيش، بدأ العمل منذ ثلاثة أشهر تقريبًا فى مشروع العدايات وشبكة الأنفاق المغطاة، والتى تدخل ضمن مشروع تنفيذ البنية الأساسية لمناطق الأسبقية الأولى للعاصمة الإدارية الجديدة، «أنا جيت للمشاركة فى مشروع قومى فيه شغل كتير لكل الناس وكان بالنسبة ليا حلم».
خلال الثلاثة أشهر الماضية حصل محمود على إجازة مدتها 21 يومًا فقط، بواقع سبعة أيام من كل شهر، ويقول «سبعة أيام إجازة كل شهر أكيد مش كفاية لزيارة أسرتى وأهلى وأصدقائى، ولكن كله يهون مقابل وجود فرصة عمل دائمة فى مشروع قومى ضخم ذى العاصمة الإدارية الجديدة».
«محمود» متزوج ولديه ثلاثة أبناء، ولم يكن وحده من يترك أسرته للمجيء إلى هنا، هناك الآلاف مثله من جميع محافظات مصر ومن مسقط رأسه سوهاج تركوا أسرهم للعمل بمشروع العاصمة الجديدة، وحكى لنا أنه جلب معه 15 عاملًا آخرين، ويتابع: «أنا جيت ومعايا 15 من بلدياتى، ومعظمنا كان بيشتغل بشكل مش دايم بنظام اليوميات فى قرى المحافظة، ولم تكن المبالغ التى كنا نتحصل عليها يمكن الاستفادة منها، وكان شغلنا مرتبطًا بعمل شركات المقالاوت، وشباب كتير من جيلنا فقدوا الأمل بعد ما الحالة تدهورت فى مجال السوق العقارى، اللى أثرت بالطبع على عمل شركات المقاولات». وتابع: «وكان الكلام عن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بالنسبة لينا مجرد كلام، كان بيتردد من مهندسين ومقاولين يربطنا بيهم شغل كل فترة، وكان كل اللى نعرفه عن المشروع أن فى مدينة جديدة هيتم إنشاؤها فى طريق القاهرة السويس الصحراوى، وكنا بنمنى نفسنا بالصبر على وقف الحال بالحلم أنه يتم البدء فى تنفيذ المشروع».
نبرة الصوت تغيرت لتتلون بالفرحة والفخر وهو يعرب عن سعادته بأنه أصبح أحد العاملين فى أحد المشاريع القومية، قائلاً: «أنا لما بروح البلد بحكى لأهلى وأصدقائى عن الإنجاز اللى بيحصل هنا وعن تطور المعدات والآلات اللى بنشتغل بيها وضخامتها، وبعتبر نفسى ذى أجدادنا اللى بنوا السد العالى وحفروا قناة السويس القديمة».
ارتفاع درجة الحرارة والطبيعة الجغرافية لموقع العمل من تربة صخرية وصحراوية وحلول شهر الصيام بالتأكيد كانت لها بالغ الأثر على تقليص ساعات العمل، ولكن إرادة المصريين على تحقيق إنجاز جديد فى تنفيذ مشروعات كبرى فى وقت قياسى، جعل مجلس إدارة جهاز العاصمة الإدارية الجديدة يقسم ساعات العمل على 3 فترات، الأولى تبدأ عقب صلاة الفجر مباشرة وتنتهى مع صلاة الظهر، والثانية تبدأ عقب صلاة الظهر حتى الخامسة عصرًا، والثالثة بعد صلاة التراويح وتنتهى عند صلاة الفجر.
الحلم فوق صخرة الواقع
ببنطلون بنى وقميص أخضر وقبعة فوقها شال أبيض يرتديهما لحماية رأسه من أشعة الشمس الحارقة، وقف «على العوضى»، 24 سنة، من قرية كفر صقر بمحافظة الشرقية، فوق تبة عالية ليقوم بعملية مسح طبوغرافى لمناسيب التربة استعدادًا لتمهيد أحد الطرق الرئيسية بالمشروع السكنى.
حصل «العوضى» على شهادة عليا من معهد المساحة الذى تخرج فيه عام 2013 ليعمل فنى مساحة ومناسيب بشركة بتروجت للإنشاءات الهندسية والمقاولات، يحمل بداخله أحلامًا كبيرة ولكنها غير مستحيلة، أحلام الشاب العشرينى تختلف كثيرًا عن أبناء جيله، فهو من الفئة القليلة التى تتحقق أحلامها فوق صخر الواقع بصحراء مصر الشرقية، فى الوقت الذى تتفت فيه أحلام البعض على مقاعد المقاهى وخلف شاشات الحاسب الآلى.
صبغت الشمس وجهه وزينت بشرته القمحية بسمرة مصرية خالصة، فى نصف انحناءه يرتكز بساعديه على جهاز المناسيب وبعين واحدة ينظر فى عدسة الجهاز وعلى بعد 300 متر يقف شاب آخر يحمل بين ساعديه عمود المؤشر بطول 4 أمتار.
فى محيط موقع العمل لا يوجد سوى «العوضى» وزميله فى العمل، اقتربنا منه أكثر، ليحدثنا عن طبيعة عمله، وبابتسامة طيبة وفى حركة سريعة رفع الشال الأبيض من فوقه رأسه وأبقى على القبعة وقال: «أنا شغلتى رفع المناسيب ورسم المساحات فى الصحراء، وكل شبر فى العاصمة الجديدة إما مررت به أو سأمر به»، وبنفس الابتسامة فوق شفتيه تابع: «أنا بشتغل طول الأسبوع وإجازتى يوم الجمعة، بنزل فيها الشرقية أزور أسرتى وأقابل أصدقائى، ومعايا هنا فى الشغل مجموعة من الشباب من سنى من محافظات كتير، معظمنا ساكنين فى مساكن العمال بمدينة بدر، بنيجى الموقع كل يوم ونروح السكن».
وعن صعوبة العمل فى شهر الصيام قال: «طبعًا بواجه صعوبة ومشقة خلال فترة العمل فى شهر رمضان، لكن إدارة جهاز العاصمة الإدارية الجديدة قدرت ذلك وقررت تقديم مواعيد العمل لتبدأ بعد صلاة الفجر حتى صلاة الظهر، كفترة أولى، والفترة الثانية تبدأ من بعد الفطار وحتى موعد السحور».
وفى حديث أشبه بلقاء تليفزيونى يجريه نجم سينمائى عقب نجاح فيلمه الأخير، والذى أدى فيه دور البطولة بعبقرية فى الأداء، يحكى «العوضى» عن تجربته فى العمل بأحد مواقع العاصمة الإدارية الجديدة، ويقول: «فرحتى لا توصف بأنى حصلت على فرصة المشاركة فى هذا المشروع، خاصة أنه من أكبر المشاريع القومية التى يتم تنفيذها فى مصر فى الفترة الحالية، وزعتبر نفسى من المحظوظين لأنى بالرغم من صغر سنى إلا أننى بفضل الله حصلت على شرف المشاركة فى مشروع قومى تاريخى».
ويقول: «التجربة التى أمر بها الآن كانت بالنسبة لى حلمًا تحقق، بالإضافة إلى الخبرات اللى اكتسبتها وما زلت أكتسبها من المشاركة فى هذا المشروع، وأكبر استفادة لى هى أنى تعلمت المثابرة لتحقيق إنجاز، خاصة أن هنا فى أرض العاصمة الإدارية الجديدة كل يوم تحصد نتيجة صبرك إنجازا حقيقيا وملموسا تراه عيناك، فى كسر رقم قياسى جديد لحجم العمل الذى يتم إنجازه».
وأكمل: «أنا صحيح سنى 24 سنة وشهادتى اللى حصلت عليها من المعهد مكنتنى من المشاركة فى المشروع ولكن بعد ما وصلت هنا وشاركت فى المشروع أصبح عندى حلم أكبر وهو أن أكمل دراستى وأكون مهندسا، وكل ما اكتسبته من خبرات هنا سيكون بمثابة جسر للعبور لنصف الطريق لتحقيق أحلامى».
رسالة بعث بها «العوضى» لكل مشكك فى حقيقة تجربة العاصمة الإدارية الجديدة، قال فيها: «أنا لما بنزل إجازة وأزور أسرتى وأهلى فى الشرقية وأقابل أصدقائى فى كفر صقر بيسألونى عن شغلى فى العاصمة الإدارية الجديدة، بحكى لهم عن حلم كان عندى وبيتحقق قصاد عينى كل ساعة بشتغل فيها فى موقعى فى العاصمة الإدارية، ولو كان فى حد فيهم مش مصدق أو مش مقتنع بفكرة العاصمة الجديدة، بقوله تعالى زورنى وتشوف بعينيك ما تم إنجازه فى شهرين فقط».
المسيحي الصائم
هنا تعرف العوضى على صديقه الجديد ويدعى يوسف مراد، 25 سنة، مسيحى من سيدى بشر بمحافظة الإسكندرية، مساعد فنى رفع المناسيب، حاصل على مؤهل متوسط، ونشأت بينهما صداقة بسبب زمالة العمل، إذ تفصل بين موقعى عملهما 300 متر، ويعملان معا طوال فترة العمل اليومى فى رفع مناسيب التربة، أحدهما يحمل جهاز رفع المناسيب والآخر يحمل عمود المؤشر بطول 4 أمتار.
«يوسف» هو المساعد الأول للفنى على العوضى، وبحكم ديانته لا يصوم شهر رمضان، ولكنه قرر عدم تناول الطعام أو المشروبات أو التدخين طوال فترة العمل التى يقضيها برفقة «العوضى» احترامًا لمشاعر صديقه، وبناء على ما تربى عليه داخل المجتمع السكندرى المصرى.
ويقول: «كنت شغال فى شركة مقاولات هندسية فى الإسكندرية، وليا تجارب فى عدد من المشاريع فى الساحل الشمالى ومرسى مطروح وبرج العرب، ولما عرفت بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة سعيت للحصول على فرصة عمل بالمشروع، وحصلت عليها مع شركة بتروجت»، وعن صداقته ب«على العوضى» قال: «أنا اتعرفت على (على) فى أول يوم شغل ليا، وشعرت أنه صديق وفى، والشغل معاه فيه راحة، ولما بدأ صيام رمضان قررت إنى أمتنع عن الأكل والشرب فى الوقت اللى بكون فيه مع صديقى احترامًا لمشاعره بالرغم من أنه طلب منى أن أكون براحتى وأنا رفضت».
شبكة الأنفاق العملاقة
من على ارتفاع 60 مترًا، هى ارتفاع أحد أنفاق شبكة التغذية الكهربائية للعاصمة الإدراية الجديدة، وقف أحد المهندسين الشباب فى نهاية العقد الثالث من عمره، يعمل بالجهاز الإدارى للعاصمة الإدارية الجديدة، يشرح لنا مواصفات النفق وكيفية حفر النفق، وحجم الاستفادة منه، قال وصوته يملأه الفخر والثقة: «هذا واحد من الأنفاق الثلاثة بمشروع الشيخ محمد بن زايد بالعاصمة الإدارية الجديدة، والأنفاق الثلاثة ضمن شبكة أنفاق عملاقة تمثل إنجازًا حقيقيًا قامت به سواعد مصرية فى فترة وجيزة، فى مجال هندسة البنية التحتية».
بطريقة مبسطة ويسيرة تحدث المهندس، صاحب ال28 عاما، عن خريطة توزيع شبكة أنفاق التغذية الكهربائية بالعاصمة الإدارية، كأنه يحكى عن رواية أبداع فى تأليفها، لدرجة أنه يعشق كل تفصيلة يتحدث عنها، فيقول: «تم تنفيذ دراسة كاملة لإقامة أكبر شبكة أنفاق تحت سطح الأرض على عمق 60 مترًا، تمتد أسفل طريق الشيخ محمد بن زايد الجنوبى والشمالى وتمر الشبكة بالتوازى بنفق كبير مع الطريق الإقليمى لتعمل على تغذية منطقة الحكم الثانية والتجمع السكنى ومنطقة الوزارات والسفارات بالعاصمة الإدارية الجديدة، ووضعت خريطة شبكة الأنفاق على شكل دائرة تحيط بالعاصمة الإدارية لتعمل على تغذيتها بالكهرباء، وتعد هذه الشبكة سابقة فريدة من نوعها لم يسبق تنفيذها فى مصر».
وتابع: «وتنفذ شبكة أنفاق التغذية الكهربائية بطول يقدر ب30 كم طولى، وتمدد كابلات الكهرباء على عمق 60 مترًا تحت سطح الأرض، ويتم تنفيذ هذه الشبكة طبقًا للمواصفات العالمية نظرًا لكونها شبكة أنفاق مغطاة تحت سطح الأرض، وهذه الأنفاق محمية بطبقة عزل من الداخل والخارج لمنع تسرب المياه إليها بكتلة خرسانية ذات مواصفات خاصة طبقًا للمواصفات العالمية، والقدرات المضافة لشبكة الأنفاق المخصصة لتغذية العاصمة الإدارية الجديدة بالطاقة الكهربائية معدة لتلبية زيادة الطلب على الطاقة المتوقعة مع زيادة الكثافة السكانية داخل العاصمة الجديدة لفترة تقارب الخمسين سنة المقبلة».
خادم القوم رئيسهم في العمل
الثالثة ونصف موعد أذان العصر، بتوقيت العاصمة الإدارية الجديدة، ما زالت الرحلة مستمرة داخل مواقع العمل ودرجة الحرارة ثابتة على ارتفاعها، وعلى مرمى البصر ساكنة فى ثبات عدد من الهناجر وضعت فوقها أعلام جمهورية مصر العربية وأخرى باللون الأصفر، تبين بعد ذلك أن الهناجر لمبيت عمال شركة المقاولون العرب والأعلام الصفراء أيضًا، اقتربنا ولكن السكون كان سيد الموقف.
على مقربة سمعنا أصواتًا وآثار حركة، بحثنا عن مصدر الصوت، ووجدنا رجلًا يحمل خوذة رأس يمسك بها فى وضع مقلوب وبحرص شديد يخشى أن يسقط منها شيء بداخلها، مع الاقتراب منه تبين أن الخوذة بداخلها الماء الذى يستخدمه العمال للوضوء.
تسع الخوذة الواحدة كمية من المياه بالكاد تُمكن فردًا واحدًا من إتمام وضوئه بشكل صحيح، وتبين أن الرجل الذى يملأ الخوذ بالماء للعمال كى يتوضأوا يدعى المهندس أحمد لطفى، 32 سنة، المشرف التنفيذى بشركة المقاولون العرب على أحد مشاريع الإسكان هناك.
تلاقينا وفى نظرة هادئة وبابتسامة قال: «أى خدمة»، سألناه سريعًا عن اسم الموقع وطبيعته، قال: «إدينى 5 دقائق وأكون معاكم»، واستكمل الرجل ما بدأه فى ملء الخوذ بالمياه، ونحن نتابعه، فوجدنا أنه يجهز نحو عشر خوذ فى اصطفاف فوق لوح خشبى للعمال فى مكان قريب من المساحة المخصصة لأداء الصلاة، حتى إذا انتهى العمال من أشغالهم يأتون فى هذا الموعد بشكل دورى لأداء الصلوات ليجد كل عامل خوذته ممتلئة بالمياه للوضوء.
المهندس الشاب بالرغم من هندمة ملابسه، وطبيعة عمله التى تتطلب إما تحركه داخل المواقع والمرور عليها بسيارته المكيفة، أو البقاء داخل مكتبه الخاص المجهز بالمكيف أيضًا لمراجعة بعض الرسومات الهندسية أو توقيع بعض الأوراق لأمور توريد أو مرتجعات، إلا أنه يحرص على التواجد باستمرار بالقرب من العمال ويشاركهم فى الأيام العادية وجبة الفطار والغداء وأحيانًا العشاء، وفى نهار رمضان يفضل عدم الجلوس داخل المكتب إيمانًا منه بأن ظروف العمل فى الصيام والمشقة التى يلقاها العمال تتطلب من يحثهم على المثابرة وبذل الجهد وليس تركهم للاختباء من حرارة الجو فى غرفة مغلقة مع جهاز التكييف.
انتهى المهندس أحمد لطفى من ملء الخوذ بماء الوضوء، وعاد إلينا مرحبًا، وقال: «هنا موقع شركة المقاولون العرب والتى تقوم بتنفيذ 84 عمارة سكنية بإجمالى 1408 وحدات سكنية، ومرافق الطرق الرئيسية، وخزانات ل5 محطات رفع، وعلى بعد عشرات الأفدنة يوجد العديد من المواقع التى تقوم على تنفيذها العديد من الشركات».
وتابع: «هذه الهناجر أقيمت خصيصًا لاستراحة العمال والمشرفين والمهندسين، وتستخدم أيضًا كمبيت لبعض العمال الذين فضلوا البقاء داخل الموقع عن السكن فى مدينة بدر نظرًا لكونهم مغتربين من جنوب الصعيد أو من شمال مصر».
وأكمل: «هناك العديد من المهندسين ممن يقومون بالإشراف على مواقع العمل، البعض منهم يعمل بنظام الورديات، وفى شهر رمضان، يضطر بعضنا أن يبقى لتناول وجبة الإفطار مع الفنيين والعمال، وذلك يحدث بالتناوب بيننا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.