إذا راودتك نفسك على مطالعة أفكار الجماعات الدينية، فإنه من الممكن أن تنفجر في وجهك قنابل، بعد لحظات قليلة من مطالعتك لهذه الأفكار، فجميع الجماعات لا تختلف عن بعضها البعض من خلال استخدمها للدين، فلا تستطيع التفرقة بينها وبين أي فرقة أو تيار آخر، فالكل يستخدم النصوص الدينية على هوائه، فكلمة "أنت كافر أو مرتد"، من السهل أن توصف بها، إذا حاولت أن تناقشه في أفكاره ومقولته. ولعل هذا كان سببًا دافغًا ل"البوابة نيوز"، أن تقدم لقرائها خلال شهر رمضان المبارك، سلسلة من الحلقات لكشف خلفيات وأفكار الجماعات الدينية، في هذه الحلقة جاء الدور على السلفية المداخلية أو كما يلقبون أنفسهم بالمدخلة، فهي جماعة لا يعرف عنها كثير من المسلمين المعلومات، لأنها جماعة كانت في الأساس لا تريد الشو الإعلامي، في بداية نشأتها، كما أنها لسان حال السلاطين، فهي جماعة تكفر من يخرج عن الحاكم، حتى وإن كان ظالمًا، لأنها ترى أن الخروج أو الثورات تعني الخراب والدمار. ويرجع الظهور العلني لهذا التيار في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991م، والتي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم الرئيس الأسبق صدام حسين للكويت، وبدأ هذا التيار في الظهور كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الأجنبية كجماعة الإخوان، والسرورية، كما أنها ذهبت أبعد مما ذهبت اليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل هيئة كبار العلماء والتي أفتت بجواز دخول القوات الاجنبية على أساس أن فيها مصلحة إلا إنهم لم يجرموا من حرم دخولها أو أنكر ذلك فجاء الجامية واعتزلوا كلا الطرفين وأنشأوا فكرا خليطا يقوم على القوم بمشروعية دخول القوات الاجنبية وفي المقابل يقف موقف معادي لمن يحرم دخولها أو ينكر على الدولة ذلك وذلك على أساس مرجعية سلفية تتمترس في أدلة من القرآن والسنة. ولهذه الجماعة طقوس لا تختلف عن غيرها خلال شهر رمضان، حيث علمت "البوابة نيوز"، من مصادرها الخاصة، أبرز الشعائر الدينية التي يقدمها عدد من علماء ومشايخ المداخلة في مصر، خلال شهر رمضان المبارك، حيث تعتمد الخطة على عمل موائد افطار جماعي في ساحات المساجد التابعة لهم، أبرزها مسجد محمد سعيد رسلان الداعية السلفي، الواقع بمركز سنترتس بمحافظة المنوفية، وإلقاء محاضرات ودروس يوميًا بعد صلاة العصر مباشرة، وبعد صلاة التراويح، بالتناوب بين مشايخ ودعاة الجماعة. وقالت المصادر، إن محمد سعيد رسلان، ومحمود لطفي عامر، القياديين بالتيار المدخلي في مصر، بدآ في مراسلة الأمن المصري، للحصول على تصريحات للاعتكاف في المساجد التابعة لهم، لقدوم طلبة العلم التابعين للدعاة، من جميع محافظات الجمهورية، وطلبة العلم الوافدين من الدول العربية للاعتكاف معهم، لافتًا إلى أن هناك تنسيق قوي بين قيادات المدخلة في مصر، ووزارة الأوقاف، منذ تأسيس الجماعة في تسعينات القرن الماضي. - أهم المشايخ أما عن أهم المشايخ في مصر فهم: محمود لطفي عامر، وأسامة القوصي، ومحمد سعيد رسلان، وطلعت زهران، وأبو بكر ماهر بن عطية، وجمال عبدالرحمن، وعلى حشيش، عبدالعظيم بدوي، كما أن لهم عدة قنوات فضائية على النايل سات تسمى البصيرة وهي غالبًا تبث برامج محمود عبد الرزاق الرضواني، ولهم أيضًا عدة مواقع إلكترونية. - المداخلية والحاكم "السمع والطاعة لولاة الأمور، حتى وإن كافر"، هذا هو المنهج الرسمي التي تعيش عليه الجماعة، فهي تدعو للحكماء، بالصلاح والعافية والتوفيق وحسن البطانة سواء في مجالسه الخاصة أو في خطب جمعة أو في محاضرة أو في مقالة، كما أنها أكثر الجماعات التي تحذر من الخروج على ولاة الأمور، وينهى عن شق عصا الطاعة وهم من يحذر من الفكر التكفيري ورموزه، ولا يختلفون عن غيرهم أيضا من أنهم اعتبروا أن الخروج على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه كان سبب الفتنة التي وقعت بين صحابة رسول الله وأن الخروج على ولاة الأمور هو السبب الفرقة والضعف والخوار الذي أصاب الدولة الإسلامية. كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له وحده لا يكفي إذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى منصب المفتي مثلا أو بمؤسسة الأزهر كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذه البلد الاذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها ومن يخالف ذلك فإنه على طريق "الخوارج". - مبايعات لكل الحكماء وفي محاولة للسير على نهج الجماعة، من خلال دعم السلاطين، حيث بايع التيار كل الرئيس حكم مصر، بداية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، مرورًا بحكم جماعة الإخوان، فنري محمود لطفي عامر، ويُعلن بيعته للرئيس الأسبق محمد مرسي بعد تغيير قيادات المجلس العسكري في أغسطس 2012، وذلك لما زعمه من تَغَلُّب مرسي وأنه أصبح ولى أمر تجب طاعته، ولكن عاد عن بيعته تلك قبيل 30 يونيو وزعم أن الشرط الذي دعم على أساسه الإخوان قد انتفى الآن، وانتهت بياعتهم بإعلان البيعة للرئيس عبدالفتاح السيسي وللنظام الحالي. - المدخلة والجماعات الإسلامية كما تتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان ومن ثم فهي تشن هجوما حادا على أية عمل جماعي وتناهض الجماعات الإسلامية والحزبية لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم ومن ثم فهم "خوارج" على النظام ومبتدعة في الدين وهجومهم عليهم تهدف إلى إنهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانه. فلا تدخر الجماعة جهدًا في نشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم التي تحذر من الجماعات الحزبية كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ والدعوة، والدعوة السلفية، وكل الجماعات الدينية التي تخالفهم في الرفض، كما أنها الجماعة الأكثر تشددًا من خلال تحريم الطرق المخترعة المبتدعة في الدعوة إلى الله كالأناشيد المسماة بالإسلامية، والتمثيل، والقصص وأمثالها. ولم يكن هذا أيضًا بمُستغرب، فالتيار متسق جدًا مع مبادئه وأفكاره والتي تعارض بشكل مباشر أي تيار يعمل بشكل جماعي مناوئ لحكام الدول الإسلامية، ولمّا كانت جماعة الإخوان هي رأس هذه التيارات كان الهجوم المدخلي على الإخوان كبيرًا جدًا فنجد كتابات عدة لأبي عبد الأعلى خالد عثمان منها "الكواشف الجلية للفروق بين السلفية والدعوات الحزبية" ونجد محمود لطفي عامر يكتب "تنبيه الغافلين بحقيقة فكر الإخوان المسلمين" ونجد على الوصيفي يكتب "الإخوان المسلمون بين الابتداع الديني والإفلاس السياسي"، ثم نجد أكثرهم أثرًا وأقواهم فعلًا هو الشيخ محمد سعيد رسلان في خطبه الرنانة مثل خطبة "ماذا لو حكم الإخوان مصر" في عام 2012 قبل انتخابات الرئاسة وأكثر من خطبة في انتقاد فكرهم وأعمالهم في عهد مبارك. ويسير محمود عامر على نفس المنوال ويُعلن بيعته للرئيس الأسبق محمد مرسي، بعد تغيير قيادات المجلس العسكري في أغسطس 2012، وذلك لما زعمه من تَغَلُّب مرسي وأنه أصبح ولى أمر تجب طاعته، ولكن عاد عن بيعته تلك قبيل 30 يونيو وزعم أن الشرط الذي دعم على أساسه الإخوان قد انتفى الآن. - المداخلية وثورة 30 يونيو واستكمالًا لصمود قيادات التيار المدخلي، بزعامة محمد سعيد رسلان، لثباته على مبادئه وأفكاره، كان لابد أن يرى في ثورة 30 يونيو، تصحيحًا للمسار وعودة عما رآه طريقًا مظلمًا، واتجاها كانت جماعة الإخوان تقود مصر إليها. وكان أول رد فعل من المداخلية على الثورة هو خطبة الشيخ رسلان بعد يومين من الثورة في 5-7-2013 والتي أكد فيها على صحة ما حدث، وأعاد سرد العيوب والنقائص التي يراها في الإخوان المسلمين في خطبة بعنوان "حكم الإخوان. دروس وعبر". وتلاه في نفس اليوم رد فعل من محمود لطفي عامر، تحدث فيها عن أن الإخوان ديمقراطيًا مظلومون لأنهم لم يُكملوا فترة حكمهم، ولكنهم شرعيًا مدانون بعد ما فعلوه مع مبارك في يناير 2011، وأن ما فُعل فيهم في 2013 كان ردًا على ما فعلوه من إهانة لمبارك في 2011! ودعا المعتصمون في رابعة إلى العودة عما هم فيه. ولكنه قال ذلك تحت عنوان "مصر بين مشأمتين. 25 يناير و30 يونيو" وتحدث عن أنه يجب أن يرضى الإخوان بالأمر الواقع، وأن يقلل الجيش من وطأته عليهم. واستمر رسلان في دعمه للنظام الحالي، فنجده مثلًا يخرج في خطبة بعنوان "جماعة الإخوان الإرهابية" بتاريخ 27-12-2013، مشيرًا إلى إعلان السلطات المصرية الجماعة جماعةً إرهابية، وسماهم ب"خُوان المسلمين"، وأنها إرهابية منذ أسسها حسن البنا، وأنها جماعة بدعية منحرفة. وتجده في خطبة أخرى يتحدث عن "التاريخ الأسود" للجماعة بعنوان "القاتل السياسي تربية الإخوان" ويصفهم فيها بالخوارج. - استخدام الفتاوي للدفاع عن الأنظمة السياسية وظل التيار هو من أهم التيار السياسية الإسلامية دفاعًا عن الأنظمة السياسية، وتحريم الخروج أو مجرد الاعتراض على الانظمة الحالمة، وهذا ما يظهر بقوة في خطبهم ومقالاتهم، حيث أصَّلَ رسلان لحرمة الإضرابات والاعتصامات شرعًا، وساق في سبيل دعم حجته بعض الفتاوى التي صدرت عن بعض كبار الفقهاء في المملكة العربية السعودية، منها فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين الذي سُئِل عن حكم الإضراب عن العمل في بلد مسلم فقال: "إن قضية الإضراب عن العمل -سواء كان عملا خاصًا أو كان بالمجال الحكومي-لا نعلم له أصلًا في الشريعة الإسلامية يبنى عليه، ولا شك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة بحسب حجم هذا الإضراب شمولًا" وفي محاولة مستميته للدفاع عن السلاطين، نجد الشيخ محمود عامر يطلب من البرلمان استصدار تشريعًا يُجرم فيه التعرض "للذات الرئاسية" حفاظًا على هيبة السلطان، ونجده أيضًا يكتب مقالًا كاملًا في نقد البرادعي أحد أبرز معارضي نظام مبارك معنونًا إياه ب "الرجل الذي فقد عقله وظله"، والذي أفتى فيه بإهدار دمه والعنوان يَنُم عما في المقال.