"مدفع الإفطار...اضرب" هي ملخص مهنته فحسب، فيقضي حارس المدفع نهار رمضان كاملاً، بمكان معزول في مدينة البعوث الإسلامية بصحبة المدفع، انتظارًا لاقتراب موعد أذان المغرب، ليصيح بكل ما لديه من قوة وبحنجرته الشديدة، ليعلن لجميع الصائمين عن انتهاء فترة الإمساك، وإمكانية استخدام حقهم في المأكل والمشرب. ويستمر الحارس على هذا الأمر طوال شهر رمضان، ينهض طوال نهار رمضان بزيه المعتاد وخوذته المتوارثه، ويخالي مدفعه في منطقة نائية، ليمارس عمله المقتصر على لحظة إطلاق المدفع طلقته للإعلان انتهاء مدة الصيام المقررة. ويرجع تاريخ المدفع لعدة عقود، حيث اختلف الرواة في تأريخ حكاية مدفع رمضان، وتقول إحدى القصص أن "خو شقدم" والي مصر في العصر الإخشيدي كان يجرب مدفعًا جديدًا أهداه له أحد الولاة، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان، ومع توافد العلماء وأهالي القاهرة على قصر الوالي لتناول الإفطار، انتهزوا الفرصة ليعبروا عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق مدفع الإفطار، وعلى ما يبدو أن الوالي قد أعجب بالفكرة؛ فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يوميًا وقت أذان المغرب في رمضان. وتقول رواية أخرى، لعبت فيها المصادفة دورًا مهمًا، حيث كان محمد على باشا والي مصر ومؤسس حكم الأسرة العلوية، مهتمًا بتحديث الجيش المصري، وبنائه بشكل قوي يتيح له الدفاع عن مصالح البلاد، وأثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة من ألمانيا، انطلقت قذيفة المدفع مصادفة وقت أذان المغرب في شهر رمضان، وكان ذلك سببًا في إسعاد الناس الذين اعتبروا ذلك أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك، واستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقتي الإفطار والسحور. وفي منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عهد الوالي "عباس حلمي الأول" عام 1853، كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة، الأول من القلعة، والثاني من سراي عباس باشا الأول بالعباسية- ضاحية من ضواحي القاهرة- وفي عهد الخديوي إسماعيل تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم، حيث كان يحتفل قبيل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولًا على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود يوم العيد إلى مخازن القلعة مرة أخرى. يذكر أنه كانت في القاهرة 5 مدافع للإفطار اثنان في القلعة، وواحد في كل من العباسية، وحلوان، ومصر الجديدة، ولكل منها اسم يرمز له، حيث نجد أن مدفع القلعة هو الرئيسي، ويسمى "الحاجة فاطمة" ويقال إنه اشترك في ثلاثة حروب هي تركيا ضد روسيا في شبه جزيرة القرم، وحرب المقاومة الفرنسية لثورة المكسيك، وكذلك محاولات غزو بلاد الحبشة. وتوقف مدفع الإفطار عن عمله لفترة، وكانت الجماهير تفطر على صوته المسجل في الإذاعة، إلا أنه عاد مرة أخرى بناء على أوامر وزير الداخلية أحمد رشدي الذي أمر بتشغيله ثانية، ومن المكان نفسه فوق سطح القلعة، طول أيام شهر رمضان وخلال أيام عيد الفطر أيضًا. وقد اعترضت هيئة الآثار المصرية لأن المدفع يهز جدران القلعة، والمسجد، والمتاحف الموجودة في المكان، ووافقت وزارة الداخلية على نقله مرة أخرى من القلعة إلى جبل المقطم القريب أعلى القاهرة، مما يتيح لكل أبناء العاصمة الكبيرة سماعه. وحاليًا يقبع مدفعان كبيران على هضبة المقطم للعمل بالتناوب خلال شهر رمضان، وأيام العيد، بينما لا يزال هناك ثالث يقبع أمام متحف الشرطة في منطقة القلعة، وقد انتقلت هذه العادة بإطلاق مدفع رمضان إلى الكثير من محافظات مصر لأنها تضفي البهجة على هذا الشهر الكريم، ويخصص لكل مدفع مجموعة من صف الضباط الأكفاء حتى لا تتقدم أو تتأخر الأوقات ويكون ذلك تحت إشراف الجهات الأمنية. وهكذا استمر مدفع الإفطار عنصرًا أساسيًا في حياة المصريين الرمضانية، حتى أنهم يستمعون إليه يوميًا عبر أثير الإذاعة المصرية والتليفزيون.