«مصر أم الدنيا»، هكذا اتفق أغلب الطيور المهاجرة من بلاد القارة الأفريقية إلى مصر على الإقامة فيها، منهم من أتى إلى مصر بغرض الدراسة والعمل معًا، ومنهم من أتى بغرض البحث عن فرصة للعب في أحد أندية الدوري المصرى، من نيجيريا، والكاميرون، وغينيا، وعدة دول أفريقية، أتى هؤلاء من أجل الدراسة في الأزهر الشريف، وإعداد دراسات عليا، في علوم الدين الإسلامى، واتخذوا من عدة مناطق في مدينة القاهرة موطنا لهم مع أسرهم، وإن كان أغلب أماكن انتشارهم في منطقة حلمية الزيتون، وعين شمس، والمرج، وحدائق المعادى، ومنهم من قضى في مصر ثلاثة أعوام وأكثر، وعاشوا أغلب المناسبات الدينية، التي يحتفل بها المسلمون في مصر، ويُعد شهر رمضان، أشهر تلك المناسبات، التي ترتبط بذكريات خاصة لديهم مع المجتمع المصرى أو عادتهم في بلادهم المرج.. جمهورية غينيا في مصر ما إن تخطو قدماك خطوات قليلة في منطقة المرج الشعبية، حتى تقودك الأقدار للقاء العديد من مواطنى البشرة السمراء، وإن كان أغلبهم ينتمون إلى دولة «غينيا كوناكري»، وهى دولة تقع في غرب أفريقيا، كانت تعرف سابقًا باسم غينيا الفرنسية، أما اليوم فيطلق عليها أحيانًا اسم غينيا كوناكرى، وذلك لتمييزها عن جارتها غينيا بيساو، حيث يبلغ عدد سكان «غينيا»، نحو 12 مليون مواطن، وتبلغ نسبة المسلمين نحو 95٪ من تعداد السكان. في البداية، يقول «إسحاق إبراهيم»، وهو من «غينيا كوناكري»: «أتيت للإقامة في مصر منذ عامين، وذلك للدراسة في الأزهر الشريف، والتعرف على تعاليم الدين الإسلامى الصحيح، ووقع اختيارى على منطقة المرج، نظرًا لانخفاض القيمة الإيجارية فيها، علاوة على وجود العديد من أبناء القارة الأفريقية، استوطنوا فيها منذ سنوات، ما شجعنى على الإقامة فيها، علاوة على قربها من جامعة الأزهر، حيث أذهب للدراسة يوميًا هناك»، مؤكدًا أنه يتمتع بصداقات مع أهالي الحى، وتربطه بهم علاقات طيبة للغاية، ويشعر معهم أنه في وطنه الثانى، مشيرًا إلى أنه سعيد بالحياة في مصر، قائلًا: إنه يعشق وصف المصريين لبلدهم بأنها «أم الدنيا»، لأنها تستحق ذلك الوصف، لاحتضانها العديد من الجنسيات من أبناء الدول الأفريقية. وحول قضاء شهر رمضان في مصر، قال «إسحاق»، إنهم يحرصون على قضاء الشهر الكريم بنفس العادات والتقاليد التي يحرص عليها المصريون، مؤكدًا أن عاداتهم في «غينيا» لا تختلف كثيرًا عن مصر، سوى في بعض الوجبات واختلافها، حيث يبدأ يومهم في نهار رمضان في القاهرة، بالذهاب إلى الجامعة لحضور المحاضرات والدراسة، ثم يأتى قبل صلاة العصر للمكوث في المسجد، وأداء صلاة العصر، وقراءة بعض آيات من القرآن الكريم، ثم النوم حتى موعد أذان المغرب، مشيرًا إلى أن مع سماع صوت الأذان، يكون الإفطار حسب السنة النبوية، بشرب الماء أولًا، ثم تناول بعض حبات التمر باللبن، ثم تناول طعام الإفطار، الذي يتكون من أرز، وقطع الدجاج، التي يطلق عليها مصطلح الثريد في دولة «غينيا»، وعدد من دول غرب أفريقيا، مشيرًا إلى أن الأكلة الشعبية الأولى في وطنهم، هي الاسماك مع الأرز، ثم الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح، وبعد أداء الصلاة، يقوم بالمكوث في المسجد لقراءة القرآن، ثم الذهاب للنوم مباشرة، والاستيقاظ قبل أذان الفجر بدقائق، لتناول وجبة السحور، وهى عبارة عن نوع من العجين المخبوز، من الدقيق واللبن فقط، ثم الذهاب لصلاة الفجر في المسجد، قبل العودة إلى المنزل للنوم. وجبة غينيا الرئيسية وعلى بعد مسافة قريبة من منطقة المرج، وفى منطقة عين شمس، وهى منطقة ذات طابع شعبى، يعيش «آدم محمد»، من دولة «غينيا بيساو»، وهى دولة تقع غرب أفريقيا. «آدم»، قال إن طقوسه في شهر رمضان تبدأ بالذهاب إلى الجامعة في الصباح، ولا سيما أنه أنهى دراسته الجامعية، وبدأ في تحضير دراسات عليا داخل الجامعة، مشيرًا إلى أنه ما يلبث أن يعود قبل صلاة العصر إلى محل سكنه، ثم الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة العصر، والجلوس في المسجد حتى صلاة المغرب، مع الإفطار على حبات التمر واللبن، مضيفًا أن طعام الإفطار يُعد فيه الأرز عادة يومية، مع بعض قطع السمك إن وجدت، مشيرًا إلى أنه في بعض الأحيان لا يستطيعون توفير طعام آخر مع الأرز، سواء الاسماك أو الدجاج، مؤكدًا أنه يعتمد في معيشته على بعض المعونات التي تأتى من الأسرة في «غينيا بيساو»، أو من سفارة غينيا في القاهرة، مضيفًا، أنه بعد الانتهاء من تناول الإفطار يستعد لأداء صلاة العشاء، ثم النوم حتى قبل أذان الفجر بقليل، والسحور على بعض ثمار الفاكهة فقط والمياه، مشيرًا إلى أن طعام السحور في غينيا يقتصر فقط على الفاكهة. موائد الرحمن قبلة أبناء نيجيريا «مصطفى داود»، يعيش في منطقة المرج، وهو من دولة «نيجيريا»، وتقع في غرب أفريقيا، وتُعد أكبر دولة في أفريقيا من حيث تعداد السكان، تبلغ 154 مليون نسمة، «مصطفى»، يدرس أيضًا في الأزهر الشريف، ويعيش في منزله مع أسرته الصغيرة، المكونة من زوجة، وطفلين، هما مجاهد، وداود، يقول مصطفى إنه حفظ أغلب أجزاء القرآن الكريم قبل الوصول إلى مصر، وعذابة صوته وإجادته للقرآن الكريم والتلاوة، أهلته أن يكون إمام مسجد المنطقة، حيث يحرص أهالي المنطقة على دعوته لكى يؤم بهم الصلوات الخمس بصوته العذب، ويضيف «مصطفى»، أن شهر رمضان في مصر له روحانيات ونفحات إيمانية خاصة، حيث يؤدى صلاة المغرب في المسجد إمامًا بالمُصلين، ثم يذهب إلى المنزل لتناول طعام الإفطار إن وجد، وحال عدم قدرته على تدبير قوت يومه، تكون موائد الرحمن في المنطقة هي خير مُعين له، سواء بتناول الإفطار فيها مع الأسرة، أو الحصول على ما يكفيه منها والذهاب إلى المنزل لتناوله مع الأسرة، مؤكدًا أن الأمر لا يختلف كثيرًا أثناء إقامته في نيجيريا، وإن كانت الوجبة الأكثر انتشارا هي الأرز مع العصيدة، وهى عبارة عن قطع اللحم، مشيرًا إلى أنه بعد الانتهاء من طعام الإفطار وصلاة العشاء والتراويح، يعود للمنزل، ويجتمع مع باقى أفراد أسرته، لتلاوة آيات القرآن الكريم حتى موعد السحور، الذي يحتوى على وجبة من اللبن والأرز، يكون فيها مقدار من اللبن أضعاف الأرز، ثم تناول الماء فقط. مسحراتى الصومال «عبد الرحمن كمارا»، يعيش في منطقة المرج من دولة الصومال، وهى تقع في منطقة القرن الإفريقى في شرق أفريقيا، عبد الرحمن، قال إن الأجواء الرمضانية في مصر رائعة، وتشبه كثيرًا الأجواء في الصومال، حيث تركها منذ ثلاثة أعوام للدراسة في الأزهر، مؤكدًا أنه يحرص على مشاركة الأهالي في تعليق الزينة والمصابيح وشرائها معهم، مؤكدًا أن الأجواء تتشابه إلى حد كبير مع الصومال، من حيث المصابيح المشتعلة طوال الليل، والزينة، وظاهرة «المسحراتي»، الذي يجوب المنطقة ليلًا لتذكير النائمين بموعد السحور، علاوة على الزيارات اليومية للأهل والأقارب، وتناول الحلويات، والعصائر وثمار الفاكهة، علاوة على الاعتكاف في المساجد وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار. ويضيف «عبد الرحمن»، أن أهالي الحى وبالتحديد من الشباب يحرصون على دعوته مع أشقائه من أصحاب البشرة السمراء في الحى، لتناول طعام الإفطار على موائد الرحمن المنتشرة، علاوة على فتح المنازل أمامهم، وحالة من الكرم والبذخ من قبل الجيران، مضيفًا أن علاقتهم مع رمضان تستمر حتى آخر يوم بالسهر والسمر مع شباب الحى حتى الفجر، للذهاب للصلاة وأداء تكبيرات العيد. صلاة ومشاعل «عبد الله حسين»، من دولة «جزر القمر»، التي تقع على الساحل الشرقى لأفريقيا، وأغلب سكانها من المسلمين، ويعيش عبد الله في منطقة حلمية الزيتون، وهى تشهد وجود العديد من أبناء البشرة السمراء، يقول «عبد الله»، إن ليالى رمضان في جزر القمر، تشبه ليالى الأفراح، حيث يخرج الأهالي كل ليلة إلى الشاطئ على الساحل الشرقى، يحملون المشاعل والمصابيح، ما يضفى جوا من البهجة على البلد ككل، موضحًا أنه منذ قدومه إلى مصر وهو يفتقد مثل تلك العادات، وإن كانت الزينة والمصابيح التي تملأ الشوارع، تكون خير عوض عما فقده في وطنه، مؤكدًا أنه على الرغم من صعوبة الحياة في جزر القمر، من الناحية المادية، وافتقادها للعديد من الثروات والموارد، إلا أن وجود الغالبية من المسلمين في البلدة، وروحانيات شهر رمضان والخير الذي يأتى معه، يكون مبهجًا لدرجة كبيرة، علاوة على فتح الساحات والصالات في أغلب أنحاء البلد لتناول الإفطار الجماعى، بما يشبه موائد الرحمن في مصر، مؤكدًا أنهم يحرصون على تلاوة القرآن بشكل مستمر، وأداء صلاة العشاء والتراويح في جماعة، وأحيانًا تكون على شاطئ ساحل المحيط الهندى، حيث درجات الحرارة العالية في دول أفريقيا، ويكون البحر حينها متنفسا للهروب من الحرارة العالية، علاوة على أن الوجبة الأساسية تكون عبارة عن المرق والعصيدة، وشرب الكثير من اللبن قبل أذان الفجر، استعدادا للصيام. الاحتراف في مصر «محمد حسين»، من دولة «جيبوتي»، وهى دولة إسلامية، أغلب سكانها من المسلمين، وتقع على على الشاطئ الغربى لمضيق باب المندب، والبحر الأحمر، حيث أتى محمد إلى مصر منذ عامين، للإقامة برفقة عدد من أصدقائه في منطقة المرج، ويقول حسين، الذي يدرس في جامعة الأزهر، إن طموحه بجانب الدراسة في الأزهر كان البحث عن أحد أندية الدوري المصرى، للانضمام إليه، حيث يجيد لعبة كرة القدم، ولكن لم يحالفه الحظ، حتى اقتصر نشاطه على الدراسة فقط. ويضيف محمد أن الأجواء الروحانية في مصر أثناء شهر رمضان المبارك محمودة إلى درجة كبيرة، لا سيما أن الشباب يحرصون على الذهاب إلى الساحات الشعبية لممارسة لعبة كرة القدم، قبل وتناول وجبة السحور.