"شفا وخمير يا عرقسوس.. بل ريقك يا عطشان" تلك العبارات التي ينادي بها بائع العرقسوس للإعلان عن شراب عرف منذ القدم بمذاقه الحلو ورائحته التي تحمل عبق الزمان، يرددها وتتمايل يداه بنغمات طاساته النحاسية الرنانة، حاملا على ظهره إبريق العرقسوس الزجاجي، ويرتدي ملابسه التراثية المميزة، ويجول في شوارع المدينة، ليكون واحدا من أبرز مظاهر الاحتفال في شهر رمضان الكريم. "بائع العرقسوس" من أقدم الحرف التي عرفها التاريخ التي يستخدم فيها الإنسان يده وقواه العضلية لصناعة أشيائه وأغراضه ليشبع حاجاته الأساسية، وقد اختلفت المهن التقليدية من بيئة إلى أخرى وبين مدينة ومدينة، متى ظهرت الحاجة إليها وتوفرت العوامل والإمكانيات والموارد الداعمة لها وصاحب هذه المهن والحرف نداءات وأغان وأمثال وعادات وسلوكيات وأزياء وشارات يتعرف بها أهل كل حرفة ومهنة. "بائع العرقسوس" هو أحد الباعة المتجولين، يقوم ببيع مشروب مثلج من العرقسوس كواحد من أهم المشروبات الشعبية وعمل بهذه الحرفة كثيرون، وقد كانت الحكومة المصرية في الماضي تمنح أصحاب هذه الحرف رخصا أو تراخيص تمكنهم من ممارسة هذه الحرف أو المهن لفتح محل شربتلي أو عرقسوس في أيام الأعياد والمولد النبوي، وينتهي الترخيص بانتهاء تلك الفترة الزمنية المحددة له وكانت هناك تخصصات دقيقة لبائع المشروبات مثل العرقسوس؛ والشربات؛ والليمونادة. ملابس بائع العرقسوس التراثية أفضل إعلان يقدمه البائع لإظهار عراقة تاريخ الشراب الذي يبيعه ويتكون من: بنطال يُسمى السروال يغطي الرجل يبدأ من السرة، وإما أن يكون طويلا يصل إلى القدمين أو قصيرا يدرك الركبتين، "السروال": وهو لبائع العرقسوس طويل يصل إلى القدمين، وواسع فضفاض لسهولة الحركة، وذو حجر منخفض "ساقط" وواسع يضيق عند القدمين ويشد حول الوسط بتكة أو أستك. ويعلوه "قميص" الجزء العلوي من الجسم، مفتوح من الأمام ويقفل بأزرار، وله نصف ياقة وأكمام طويلة. كما يرتدى بائع العرقسوس "الصديري"، وهو يعتبر قطعة ثانوية، إما أن تكون سوداء من الخلف وبأقلام طولية أو عرضية بيضاء ومُلونة من الأمام، أو ذات لون واحدة ومطرزة بالخيوط المعدنية الذهبية في شكل زخارف رائعة والتي قد تكرر على السروال. يحمل بائع العرقسوس إبريقا ضخما من الزجاج أو النحاس، فرديا أو مزدوجا، مصنوعا خصيصا للمحافظة على برودة العرقسوس طوال اليوم، ويحمله بواسطة حزام جلدي عريض والذي يُحكم ربط الإبريق حول الوسط بما يوزع الثقل على الجسم. ومشدود على الخصر حزام يتدلى منه إناء صغير للأكواب، ووسادة صغيرة، محاكة من جميع الجوانب بداخلها مواد حشو كالقطن أو الفيبر توضع بداخل الحزام الذي يحيط بالخصر لتساعد البائع في حمل الإبريق الكبير، وتعزل عنه برودة العرقسوس. ويمسك بيده اليمنى الصاجات (الطاسات) والتي هي عبارة عن دائرة من النحاس، تستخدم مزدوجة تتراقص بين يديه محدثة نغمات رائعة يعرفها الكبير وتجذب الصغير. وتحمل يده اليسرى إبريقا صغيرا مملوءا بالماء لغسل الأكواب، فنراه يتحرك بين أدواته كراقص محترف رشيق في حركاته. كان تحضير العرقسوس يستغرق وقتا طويلا، حيث ينقع النبات في إناء زجاجي ليلة كاملة ومن ثَمَّ تصفيته عن طريق قطعة قماش نظيفة تسمى "شاش"، بعدها تبدأ عمليات التحلية والتعبئة في الإبريق الزجاجي أو النحاسي، أما الآن فقد أصبح التحضير أكثر سهولة ولا يستلزم نقع ولا إعداد بعد أن تدخلت الآلات لطحن العرقسوس وبيعه على هيئة مسحوق سهل التحضير، وبالتالي بإمكان الأسرة في رمضان أن تعده بنفس السهولة، وتضيف الماء الساخن أو البارد إليه وتضعه في إناء زجاجي لتقديمه ساعة الإفطار. كما أن بائع العرقسوس بزيه التراثي لم يعد موجودا في الشوارع والأماكن الشعبية إلا بشكل نادر، وأصبح بمثابة شخصية فلكلورية تستعين به أغلب الفنادق السياحية والخيام الرمضانية، ويلقى قبولا من روادها لما له من طابع مميز، وهو يوزع على روادها شرابه المميز أثناء تناولهم الإفطار. ولكن يبقى بائع العرقسوس جزءا من الحياة الشعبية لن تستطيع أن تفصله عن مساره في تلك اللوحة، وهو يمشي في مهرجان تسبقه نغمات طاساته الذهبية، يحمل إناء العرقسوس بحجمه وامتلائه، يجعل له صدره مهادا ووسادا، يباعد بين الكوب في يده وبين "البزبوز" وهو يصب لتظهر الرغوة المميزة للعرقسوس.